خطيب الحرم المكي: القضاء السعودي نزيه ولا سلطان لأحد عليه غير الشرع
أوضح الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس إمام وخطيب المسجد الحرام أن الله - سبحانه - منّ على هذه البلاد بتطبيق لهذه الشريعة، وإقامة لحدودها، في قضاء نزيه مستقل لا سلطان لأحد عليه غير سلطان الشرع الحنيف، وعناية بمقاصدها وأهدافها والعمل على نشر قيمها السامية في العالم أجمع، وما وفق إليه ولاة أمرها من أخذ التدابير الواقية والقرارات الحازمة لصد سلبيات هذه الأزمات عن هذه البلاد المحروسة بخصوصية مكينة ثابتة وهوية راسخة.
وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها في المسجد الحرام أمس، "إن البلاد اكتوت بنار الإرهاب في حوادث متكررة كان آخرها الجريمة النكراء في محافظة الأحساء في حلقة سوداء ضمن سلسلة دهماء من أعمال الإرهاب العمياء التي ستتهاوى من خلالها أسلات الأعداء على صخرة التلاحم وقوة البناء، فلقد أثبتت بفضل الله الخروج من الأزمات أكثر تماسكاً وأشد تلاحماً وثقة وإصراراً على استئصال شأفة الإرهاب واجتثاث جذوره في كفاءة أمنية مميزة يضطلع بها رجال الأمن في إنجازات مباركة واستباقات موفقة".
وأفاد أن الشرائع كلها جاءت برعاية الأنفس وصيانتها، لأنه يتوقف عليها نظام العالم، مشيراً إلى أن قتل النفس يتنافى مع الحكمة من الخلق والإيجاد، وفي شريعة الإسلام قرن رب العزة - سبحانه - قتل النفس بالشرك بالله، ولهذا كان أكبر الكبائر بعد أعظم فساد الدين الذي هو الكفر.
وأوضح أن الله سبحانه وتعالى منح الحياة الناس وحافظ على النفس البشرية وأحكمها نظاماً وتشريعاً ومنع كل ما يؤدي إلى إزهاق الأنفس، وسد الذرائع إلى ذلك، فمنع الشقاق والتناحر والخلاف والتنافر وتوعد كل من تسول له نفسه هذا الفعل الشنيع بالخلود في العذاب العظيم.
وأبان أن الإسلام دين السلام وأن أحكام الشريعة ما شرعت إلا لمصالح العباد في المعاش والمعاد، وحيثما وجدت المصلحة المتيقنة فثمّ شرع الله فشريعتنا إعمار لا دمار بناء ونماء لا هدم وفناء إشادة لا إبادة.
وقال "إنه ما تعمد إليه فئات مارقة ضالة آبقة يمتشقون أسلاتهم الناهشة من إيقاظ الفتن النائمة في أفكار حالمة ومناهج هائمة تعمد إلى سفك الدم الحرام والعتو في الأرض والإجرام ومحاولة طمس مكتسبات هذه الديار المباركة، وتدمير منشآتها ومقدراتها التي هي رمز قوتها وتقتيل الأبرياء والعزل، بل والأدهى والأمر التطاول على بيوت الله والإضرار بالمساجد ودور العبادة وانتهاك حرماتها وترويع الساجدين الآمنين، كل ذلك وأقل منه يتنافى مع مقاصد الشريعة السامية".
وأكد أن العدل والإنصاف ضرب هؤلاء بالسيف كائناً من كان لمن أراد أن يفرق جمع الأمة أو يخرق وحدتها، وكيف بمن يقتل ويصنع المتفجرات ويعمل على ترويجها ويسعى جاهداً إلى زعزعة الأمن وعدم استقراره ونشر الذعر بين أفراد المجتمع، وتهون عليه أرواح معلقة بالمساجد ما بين راكع وساجد، ومن أجل كينونة النفوس العليلة الباطشة الشريرة ودفع القتل المريع، رتب المولى - جل في علاه - العقوبة القصوى على هذه الجريمة النكراء، وما ذاك إلا توطيداً للأمن وحماية للمجتمع وقطعاً لدابر الجريمة واستئصالاً لكل ما يؤدي إلى انتشار الفوضى.
وبين الدكتور السديس أن العدل فرض مطلوب وحق مرغوب وإن بلغ الظلم مداه فتمام العدل أخذ النفس بالنفس، والله أعلم بما يصلح خلقه، مشدداً على أن القصاص منوط بولاة الأمر وهو بهم خصيص.
وقال "ومن أجدر من بلاد الحرمين الشريفين وهي التي تتمتع - بفضل الله - بالعمق الديني والثقل العالمي والمكانة الدولية المرموقة وهي المؤهلة دينياً وتاريخياً وحضارياً لحمل الراية في الأزمات الخانقة، وذلك بإفراز النموذج الإسلامي الحضاري الموفق بإشراقاته وجمالياته في كل مجال من المجالات، ولا تنال منها تلك الصيحات الصارخات التي تظهر كعادتها أفاعي بين الأودية فتنفث بسمومها وتهيج بفحيحها من يتباكون بدموع التماسيح على سفينة الأمة وهم يخرقونها وينوحون نوح النائحة المستأجرة ويتصيدون في انتضال نصالهم العفنة صوب ثوابتنا وقيمنا الراسخة الشامخة في صورة انتهازية مقيتة". وفي المدينة المنورة حذر الشيخ الدكتور صلاح البدير إمام وخطيب المسجد النبوي من دعاة الفتنة الذين يتربصون بأمن بلادنا وأهلنا وينشدون الفرقة والفوضى والدمار بأفعالهم الإجرامية الآثمة.
وأوضح في خطبة الجمعة التي ألقاها في المسجد النبوي أمس أن السعودية وطن سمت بالدين مراقيه وثبتت بالشرع سواريه وخسئ بحزم قائده من يعاديه وفشلت بصولته مرامي من يناويه، ومن بغى لدولة الحرمين الشريفين المعاثر والمكائد كبّه الله لمنخريه وعاد وبال كيده عليه. وأسهب البدير في بيان حقيقة من خرجوا على جماعة المسلمين وكلمتهم، مبيناً أنها جماعة ضالة يحمل أفرادها قلوباً حاقدة وصدوراً حاسدة، كان من آخر شنائهم الفعلة النكراء جريمة تفجير في الأحساء التي نفذتها يد الغدر والخيانة نبتة سوء ستجتثّ وتقلع وعروق باطل لا تمهل أن تقطع وأن المتالف راصدة والعزائم لهم حاصدة.
وحذّر الدكتور البدير الآباء والأولياء من التساهل والتشاغل والتراخي والتغافل في هذا الجانب، وأن يغرسوا في نفوس أولادهم المحبة لدينهم وبلادهم والولاء لولاة أمرهم ورجال أمنهم وعلمائهم وأئمتهم، مبيناً أن ذلك لن يتحقّق إلا بفيض من الحنو والحبّ والعطاء والإحسان والمصاحبة والمعايشة بالحسنى والتعليم والتحصين.
وأوضح أن الخوارج عصاة لله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، خالفوا الكتاب والسنة، وهم قرنا شيطان القعدة والخدم الحفدة، فقعدة الخوارج يزبنون للأغرار الثورات ويأمرونهم بالخروج على الولاة ويبيحون لهم العمليات الانتحارية ويخدعونهم بالغفران ودخول الجنان، ويحسنون لهم بفتاوى خبيثة حمل الأحزمة الناسفة وقيادة السيارات المفخخة وتفجير النفس في المساجد ودور العبادة والأسواق والتجمعات، والخدم الحفدة حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام ينفذون تلك المخططات الشيطانية، يشعلون النيران بكسار العيدان. وأشار إمام وخطيب المسجد النبوي إلى ما يعانيه المسلمون المحاصرون في بلدة مضايا في سورية من محنة ومجاعة، وعدّ حصارها من قبل أعداء الملة بتواطؤ من القوى العالمية دليلا على شريعة الغاب التي تحكم العالم اليوم، شعبّ يذلّ بسلاح التجويع والترويع ونساء وشيوخ وأطفال وصغار يلفهم الخوف والجوع والمرض والبرد بلا دواء ولا غذاء ولا وطاء ولا غطاء، عدموا الدفاء في صرّ الشتاء. وأضاف أن "القوى العالمية بصمتها وسكوتها وسكونها وتخاذلها وهي تشاهد تلك الصور المفجعة المروعة تعدّ شريكة في هذه الجريمة الإرهابية، وأن البلدات التي تهدم مساجدها ومدارسها ويقتل خيارها وكبارها وتحاصر ستظل دليلاً قاطعاً على الاستهداف المشترك وعلى سياسة التقسيم والتهجير من أجل التغيير".