«يا فرحة ما تمت»
أصدقكم أنني أكبر أعداء ما انتشر أخيرا من الهروب من القرن الحادي والعشرين إلى القرون الوسطى. تحول الناس إلى البحث عن الأنساب والقبائل والتمييز بين هذا وذاك بسبب ما قام به أو حققه جده الخامس عشر، أمر لا يتماشى مع العقل والمنطق بل ولا الدين. الإشكالية تكمن في أن كثيرا ممن نزعوا نحو استرجاع روح القبيلة والحارة والمدينة يتبنون بعدها بدقائق الدعوة للدين ويبدأون في التنظير شرعيا وفقهيا.
الغريب أنهم لا يسترجعون من الآيات والأحاديث ما يخالف نهجهم، يتناسون آيات كقوله تعالى "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، وغيرها من الآيات التي ترفض التفاضل إلا بالطاعات. يهملون ما جاء في أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - من رفض العصبية التي وصفها الرسول بأنها "منتنة".
ثم إن البلاء انتشر في كل دول العالم الإسلامي فتفاخر الناس وتناحروا بسبب خلافات عفا عليها الدهر، ووقائع ليس لهم دور فيها وهو أمر قديم قدم التخلف في العالم الإسلامي. خلاف شجعه أعداء الأمة عبر التاريخ ليقتلوا ويفجروا من يخافونهم.
تقع دول العالم الإسلامي في المؤخرة بسبب كثير من العناصر التي من أكثرها خطرا وتدميرا التفاضل الذي يبنى على مفاهيم قديمة أو غير منطقية رفضها الدين وما زال الناس يقعون ضحايا لها. حتى نعلم إلى أين يؤدي هذا الحال، لا نحتاج إلا إلى النظر في دول العالم العربي كالعراق وسورية واليمن وليبيا ولبنان التي تتنافس في العودة إلى الوراء بسبب الخلاف الذي يبنى على العنصرية والعصبية.
أخوف ما أخافه على وطننا هو هذه النعرة الجنونية التي تنشرها السلوكيات العجيبة الغريبة وتنتهجها مجاميع قبلية وحضرية تفاضل بين الناس بناء على موقعهم الجغرافي أو نسبهم الذي ولدوا داخله ولم يكن لهم دور في تكوينه.
شاهدنا على مدى السنوات القليلة الماضية كثيرا من الخلافات والنزاعات التي سيطر عليها العقلاء وأجهزة الدولة في حالات كثيرة، لكن احتمالات عودتها إلى الواجهة وإمكانية حدوث مصائب بسببها قائمة إن نحن استمررنا في تغذية أطفالنا هذه المفاهيم.
انتشرت مفاهيم التفاخر وتكريم من لا يستحقون ودفع مبالغ خيالية في حفلات تدعمها مفاهيم العنصرية والعصبية، ومن ضمنها الشيلات التي أسعدني خبر إلغائها، لكن أحد الأصحاب فاجأني بأن الخبر غير صحيح، فقلت يا فرحة ما تمت!