كيف تحول صديقي من طالب مهمل إلى ملهم؟
لدي صديق مصاب بالمهق (ألبينو)، وهو اضطراب خلقي يتمثل بغياب الصباغ (انعدام لون الجلد)، نتيجة غياب كامل أو جزئي لأنزيم تيروزيناز، وهو أنزيم يشارك في إنتاج الميلانين ويحتوي على النحاس.
وتؤدي الإصابة بالمهق إلى شحوب الجلد تماما، وظهور الشعر الأبيض بدلا من الأسود للمصابين به منذ طفولتهم، ناهيك عن مشكلات رئيسة في النظر. إذا يعاني المصاب بالمهق مشكلات في الشبكية، ورهاب الضوء بسبب تشتت الضوء داخل العين، والرأرأة وهي الحركة السريعة غير المنتظمة للعيون ذهابا وإيابا أو في حركة دائرية.
وقد عانى صديق كثيرا هذا المرض، لكنه واصل مشواره بجدية وحماسة أكثر مني ومن غيري الذين لم يتعرضوا لمثل ظروفه الصعبة.
التقيت قبل أيام قصيرة صديقي على ضفاف حفل أقيم بسبب ترقيته في العمل، وسألته عن أحد أهم أسباب نجاحه في مشواره العملي والدراسي بعد توفيق الله ثم دعم أسرته. فأجابني إجابة جميلة. قال لي إن أحد أهم أسباب توفيقه هو معلمه في المرحلة الابتدائية في مدرسة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في الدمام، الأستاذ عبدالله بن صالح القطن. يتذكر صديقي بامتنان أن هذا المعلم كان يكتب الشرح مرة على السبورة للطلاب ويكتبه مرة أخرى على كراسته فقط؛ لأنه لا يرى ما يكتب على السبورة بسبب مشكلات النظر التي يعانيها. يشير صاحبي إلى أن اهتمام المعلم به جعله يحب المدرسة التي كان يبغضها بسبب سخرية بعض الطلاب وتهكمهم. يقول صديقي: "هذا المعلم جعلني أحب المدرسة والكتابة والتفوق. حولني من متحطم إلى متحفز ومتقدم".
ما زال صديقي يتواصل مع معلمه إلى اليوم. لقد دعاه إلى زواجه وأصبح اسمه رطبا على لسانه بسبب مدحه الدائم له إثر مبادرة قد تكون صغيرة لكن أثرها كبير. فصديقي لم يحب المدرسة فحسب، بل أصبح من المميزين في مجال نظم المعلومات في شركة أرامكو السعودية التي يعمل فيها بعد أن أبدع في هذا التخصص طالبا ثم موظفا.
الكثير من الطلاب حولنا يفتقرون إلى معلمين كمعلم صديقي. نحتاج إلى معلمين يتلمسون احتياجات طلابهم وتحدياتهم. هناك طلاب لا يعانون مشكلات واضحة في السمع أو النظر فقط. ثمة مشكلات نفسية مخبوءة أشد شراسة يعانونها بحاجة إلى معلم نبيل واع يستشف ويدعم ويساند. لعله بكلمة أو لمسة يحول طالبا مهملا إلى طالب ملهم.