قصر عروة في العقيق .. أشعار وآثار

قصر عروة في العقيق .. أشعار وآثار
قصر عروة في العقيق .. أشعار وآثار

يعد التراث العمراني أحد رموز تطور الإنسان عبر التاريخ، ونعرف من خلاله القدرات التي وصل إليها الإنسان في زمنه الذي عاش فيه، وكيف استطاع التغلب على بيئته المحيطة، وهذا التراث العمراني عبارة عن حضارات تركها الأجداد للأحفاد. والعمران عنصر أساسي من عناصر التراث، يتميز عن بقية العناصر بوجوده المادي. ومن المناطق العمرانية التراثية في السعودية قصر عروة، الذي ينسب إلى التابعي الجليل عروة بن الزبير بن العوام، أحد فقهاء المدينة المشاهير. ويعتبر هذا القصر من أقدم الآثار والشواهد التاريخية في منطقة المدينة المنورة. لكن هناك من الباحثين من يرى أن البناء المعروف بقصر عروة هو بناء عثماني أقيم في مكان قصر عروة بن الزبير. وقد تولت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني ترميم هذا القصر والإشراف عليه.

أبو عبد الله بن الزبير
هو أبو عبد الله عروة بن الزبير بن العوام الأسدي ابن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمه أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين، وخالته عائشة أم المؤمنين وهو أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، توفي في المدينة سنة ثلاث وتسعين وهو صائم.

موقع القصر ووصفه
يقع القصر وملحقاته على ضفاف وادي العقيق، ويقع غرب المدينة المنورة على امتداد الطريق المؤدي إلى مسجد ذي الحليفة. ويعتبر وادي العقيق من أشهر أودية المدينة وربما أودية الحجاز كلها، وتتجمع مياهه من منطقة النقيع التي تبعد عن المدينة أكثر من مائة كيل جنوبا، ويسير إلى مشارف المدينة حتى يصل إلى جبل عير، ويسمى هذا الجزء منه العقيق الأقصى، ثم يسير غربي جبل عير، ويمر بذي الحليفة حتى يبلغ أقصى عير فينعطف شرقا حتى يلتقي بوادي بطحان قرب منطقة القبلتين، ثم يسير باتجاه الشمال الشرقي قليلا ثم شمالا فيلتقي بوادي قناة القادم من شرقي المدينة عند منطقة زغابة.

#2#

قصر عروة في التاريخ
لما اتخذ عروة بن الزبير قصره قال له الناس: قد جفوت مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إني رأيت مساجدهم لاهية، وأسواقهم لاغية، والفاحشة في فجاجهم عالية، فكان فيما هناك عما هم فيه عافية. وتصدق عروة بقصره وأرضه وبئره على المسلمين، وأوصى بذلك إلى الوليد بن عبد الملك، فولاه ابنيه يحيى وعبد الله، ثم توفي يحيى وأقام عبد الله في القصر نحوا من أربعين سنة، ثم توفي عبد الله، ثم وليها هشام بن عروة بالسن، ثم عبد الله بن عروة.
وقال الزبير بن بكار: رأيت الخراج من المدينة إلى مكة وغيرها ممن يمر بالعقيق يخففون من الماء حتى يتزودوا من بئر عروة، وإذا قدموا منها بماء يقدمون به على أهلهم يشربونه في منازلهم عند مقدمهم. وقال: ورأيت أبي يأمر به فيغلى، ثم يجعل في القوارير ثم يهديه إلى أمير المؤمنين هارون بالرقة. وعن نوفل بن عمارة قال: لما بنت أمي قصرها أرسل إليها هشام بن عروة يقول: إنك نزلت بين الطيبين بئر عروة وبئر المغيرة بن الأخنس، فأسألك برحمي إلا جعلت شرابك من بئر عروة ووضوئك من بئر المغيرة، فكانت أمي لا تشرب إلا من بئر عروة، ولا تتوضأ إلا من بئر المغيرة، حتى لقيت الله تعالى.

قصر عروة في الشعر
قيل في قصر عروة وبئره أشعار كثيرة، منها أبيات للشاعر عامر بن صالح يقول فيها:
حبذا القصر ذو الظلال وذو البئر
ببطن العقيق ذات السقاة
ماء مزن لم يبغ عروة فيها
غير تقوى الإله في المفظعات
بمكان من العقيق أنيس
بارد الظل طيب الغدوات

وقال أيضا:
يا حبذا القصر لذي الإملاق
ذو البئر بالوادي عليها الساقي

وقال أيضا:
ولقصر عروة ذو الظلال وبئره
بشقا العقيق البارد الأفياء
أشهى إلي من العيون وأهلها
والدور من فحلين والفرعاء

وقال جابر الزمعي في بئـــر عروة:
يعرضها الآني من الناس أهله
ويجعله زادا له حين يذهب

وقال السري بن عبد الرحمن الأنصاري:
كفنوني إن مت في درع أروى
واستقوا لي من بئر عروة مائي
سخنة في الشتاء باردة الصيف
سراج في الليلة الظلماء

تنقيب الهيئة:
أثناء عمل فريق الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في وادي العقيق بمنطقة المدينة المنورة، خلال موسم التنقيب الثاني 1433هـ/2012م، اكتشفوا قصرا يرجع إلى القرن الهجري الأول، إضافة إلى معثورات متنوعة من الفخار والزجاج والأدوات الحجرية وأواني الحجر الصابوني. وذكر رئيس فريق التنقيب الدكتور خالد بن محمد أسكوبي، أن نتائج الدراسات الأولية للعناصر المعمارية المكتشفة والمعثورات الأثرية أكدت أن القصر يرجع إلى القرن الهجري الأول، وأنه جزء من المنظومة الحضارية لوادي العقيق. وقال: إن قطاع الآثار والمتاحف نفذ خلال موسمين متتاليين تنقيبات أثرية بالقرب من وادي العقيق في الجهة الجنوبية الشرقية مما يسمى حاليا بقصور عروة، وهو عبارة عن تل أثري متوسط الارتفاع تنتشر على سطحه الكسر الفخارية والحجارة البركانية، حيث اكتشف لأول مرة آثار لقصر تبلغ مساحته (40م × 30م) تقريبا، وعثر على معثورات أثرية فريدة ومتنوعة تعود للفترة الأموية من القرن الأول الهجري. وحول العناصر المعمارية للقصر، قال إنه تم الكشف عن أساسات معمارية تمثل ثمان وحدات لغرف موزعة داخل القصر، وبنيت جدران القصر بالحجارة البركانية، وتغطي جدران القصر لياسة طينية في بعضها بينما تغطي بعضها الآخر اللياسة الجصية، في حين تغطي معظم الوحدات المكتشفة الأرضيات المدكوكة بالطين. وأضاف أن وادي العقيق يعد من أشهر أودية المدينة المنورة، وهو جزء من تاريخ المدينة المنورة، حيث ذكره عديد من المصادر التاريخية والجغرافية والدينية، وسمي وادي العقيق بذلك لأن سيله عق في الحرة أي شق، مشيرا إلى أن الكتابات والآثار القائمة في الموقع تدل على وجود استيطان بشري موغل في القدم، حيث بقايا قصور ترجع للعصرين الأموي والعباسي، التي من أشهرها قصر عروة بن الزبير، وقصر سعيد بن العاص، وقصر مروان بن الحكم، وقصر سعد بن أبي وقاص، وقصر سكينة بنت الحسين، كما أقيمت على ضفاف الوادي المزارع الخصبة والحدائق التابعة لقصوره.

الأكثر قراءة