الداعية .. وفتنة الناس

دائما ينشئ العنف الديني ردة في النفس تحول دون التقبل والرضا بالمضمون، وهذا ربما سبب كاف في تأكيد الله سبحانه وتعالى خطورة منهج العنف في التبليغ بالدين "وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" والفظاظة هي الجافي في المعاشرة قولا وفعلا هي القسوة في التعامل مع الخلق، جعلها الله سببا كافيا لنفرة الناس من الدين، وسببا مقبولا في عدم تقبل رسالة الله ولو كان الحامل لها نبيا رسولا. وغليظ القلب: الغليظ خلاف الرقيق، وغلاظة القلب تعني قسوة الطبع، وعدم رقته!
وهذا يعني أن عددا من الناس سيخرجون من دين الله أفواجا، وسينفضون عن عبادة الله إن كان سبيل الدعوة إليه يقوم على رجال غير مؤهلين أخلاقيا في قسوة السلوك، وقسوة الطبع. وهنا في كتاب الله لا يغادر القلب بوصفه تعبيرا عن الصفات النفسية السليمة للداعية الذي جعل الرحمة والحب والشفقة واللين بالعباد أول مظاهر السلامة النفسية، وأول كاشف عنها. وبذا يتحول الواعظ الجاهل إلى قاطع طريق، ورجل الدين الفاسد قاطع طريق، ورجل الدين حامل الكبد الغليظة والقسوة البادية قاطع طريق .. كلهم قطاع طرق يضلون العباد عن طريق ربهم والوصول إليه.
في زمن يتصف بانعدام المسافة في الزمان والمكان، يتحول جهل الواعظ، إلى خبر عالمي، قبل وصول المتكلم إلى بيته، مسافة الزمن تقلصت، ومسافة البحث عن النقائص زادت، وتنامت، وكأنما الناس ينتقمون من أنفسهم بفضح بعضهم بعضا، وشتم بعضهم بعضا على الدوام، وطيلة الوقت! الزمان اليوم زمان فضح، وتهتك، وزوال الحشمة عن كل أحد ..، ومن تعجل الوعظ قبل البصيرة، والحكمة، والمعرفة، فقد تعجل فضح جهله .. وهو هنا كانسكاب اللبن على التراب لا يستعاد منه شيء! كمثل انسكاب الماء فوق موج البحر .. لا مرد له. ولا خلاص يرجوه لنفسه!
حتى تلك الكلمات التي تمثل لحظات الضعف والجهل من قائلها، ولو كان عالما أو أديبا، أو مفكرا، لا يغفرها الناس، ولا يسترونها عليه ..! أو يغفرونها له! يقال لأن الآذان تبحث عن كلمة السفه من العالم لتفضحه بها، وتنكل به بسببها طيلة عمره، أكثر من رغبتها في أثارة من علم، أو كلمة توقظ قلبا، وتحيي ضميرا، وتشعل له قنديلا من الحكمة والهدى يمشي به في الناس!
ضعف الطالب والمطلوب، سالب المستمع والمتلقي، والمتكلم ضحية لقلوب تجد لذتها في فضيحة المتكلم الذي يريد هدايتها وخيرها وصلاحها. وتقواها!
بات الأمر بين جاهل يعاجل زمانه بفضح جهله، وقلة الحكمة منه ورقة المعرفة فيه، وبين قوم يجدون متعة أنفسهم في سقط الكلم، ومعوج التعبير، من فلتات اللسان، وزلات الكلام .. فلا داعية الجهل يسلم، ولا الناس تترك فتنتها لأحد .. ولو رقي أعوادا ليدعوهم لحياة قلوبهم وأنفسهم .. من موت الجهل وموت الظلمة .. وكلاهما يتجليان في تتبع كلمة السفه من العالم ليفضحوه بها، عوض أن يستروها عليه، وما منا من أحد ألا وهو بحاجة إلى من يستر عليه ما يتبدى منه من الضعف والجهل والعجز.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي