من رحم المعاناة
انفصل والد سمر الحمد عن والدتها وهي في عمر صغير جدا. في عمر كانت لا تعي فيه وتدرك. عاشت مع والدها وزوجته. عندما استيقظ وعيها فتشت عن حنان الأم فلم تجده. غياب أمها عن حياتها رغم عدم غيابها حفر عميقا في داخلها. ترك فراغا في صدرها وسلوكها وحياتها. انعكس هذا الغياب على دراستها وقرارتها. تزوجت رجلا يكبرها بنحو 20 عاما حتى يمنحها الحنان والعطف والدفء الذي افتقدته، لكن لا يمكن أن تعالج المشكلة بمشكلة. فقرار الزواج من رجل أكبر منها بكثير جعلها تواجه تحديات أكبر. يختلفان في كل شيء. ينتميان لجيلين مختلفين تماما. انتهت هذه العلاقة نهاية مأساوية. انفصلت عنه وكادت أن تنهار. فلقب المطلقة مؤلم وقاس. تدخلت أمها ببسالة في الوقت المناسب، أنقذت ابنتها من الوقوع في براثن الاكتئاب العميق، أقنعت الأب بأن تنتقل ابنتها للاستقرار معها ومع زوجها. قربها من أمها جعلها تكسر حواجز الخوف الذي شيدته معاناتها المبكرة. ضخت آلامها ألوانا في لوحات رسمتها. عملت موظفة استقبال في مستشفى. ترقت إلى منسقة ملفات طبية. أدى تفانيها في العمل إلى ترشيحها رئيسة قسم. دخلت دورات تدريبية مختلفة في الإدارة واللغة الإنجليزية وإدارة المناسبات والموارد البشرية. صقلتها هذه الدورات الكثيرة ومنحتها مهارات جديدة ساعدتها على إيجاد ذاتها.
تعمل سمر الآن في شركة كبرى وتدير وتنظم وتشارك في عديد من الفعاليات الثقافية والسياحية والتطوعية في المنطقة الشرقية. صنعت لها اسما واعدا. تحولت من شخصية محطمة إلى طموحة، تعمل وترسم وتنتج.
رمت كل أحزانها خلف ظهرها وأعادت اكتشاف نفسها بتوفيق الله ثم بوجود أمها وزوج أمها الذي كان لها بمثابة الأب الروحي.
أقامت معرضها الأول في الخبر نهاية مايو 2016 الذي نقلت فيها بعض معاناتها في لوحات نالت إعجاب الكثيرين.
المطلقة ابنة المطلقة تستطيع أن تنجح وتفوز إذا آمنت بما تملك وأحاطت نفسها بمن هو جدير بها.
الظروف القاسية تقوينا، تجعلنا أكثر وعيا وقدرة وإبداعا. تمنحنا روح المغامرة التي ترفعنا عاليا، هذه الروح التي قد لا نتمتع بها لو كنا ننعم بظروف طبيعية. الطرق الممهدة المستقيمة لا تصنع منا سائقين ماهرين. كلما زادت العوائق والمنعطفات زدنا إبداعا ومهارة.