التحريض على المتدينين
في أول الأمر ومنتهاه، هم (متدينون) فيهم حماسة التدين، وعند بعضهم سذاجة الفهم لشريعته وفلسفة أحكامه، كل جاهل عنيد في إيمانه، ولو كان على غير سبيل المؤمنين، كثيرون يضل منهم السعي، والعمل، والطاعة، وهم يظنون أنهم يحسنون في الحياة صنعا.. ومعروفا. وخيرا..!
لا نملك أن نستيقن إن كان الاستبداد يصنع الجهل، أم الجهل يصنع الاستبداد، ولكننا بكل تأكيد نستطيع أن نؤمن أن حماسة التدين في جهل، هي عقوبة قاسية جدا لكل من حوله، وأول ضحاياه هي نفسه، لأنه يميل إلى تلك الرهبانية التي ما كتبها الله عليه، ولا رغب فيها منه، ولا رضي عنها ولا عنه بسببها..! ثم يرى نفسه (القيمة الأخلاقية الوحيدة) في مجتمعه، ويتعالى على الخلق بمفهوم (جماعة الإيمان) ومجتمع الكفر..!
يعاجل قلبه (كراهية المخالفين له) كل من يتعبد الله بغير إيمانه، وبغير دينه، يتقرب إلى لله بكراهيتهم، واحتقارهم، والرغبة في إبادتهم جميعا، وقتلهم جميعا، بمفهوم يتعارض مع صريح البر والإحسان والموعظة الحسنة والتعارف، وخير أمة أخرجت للناس، في صناعة الخير، وإشاعة المعروف، والصلاح والإصلاح بين الناس.
ولكن حماسة الجاهل المتدين، التي أتحدث عنها، ليست سببا كافيا، لإهانة (النوع) و(الصنف) وتحقير عموم المتدينين، ولا تعميم الأخطاء الفردية، بوصفها صفات متلازمة مع التدين..! أفعال الجهل، هي الجهل في السلوك، والسطحية في العقل، بعيدا عن تدينه من عدمه، ينبغي أن نعادي التخلف، والسطحية، وغياب مساحة حرية النقد العادل الذي يبصرنا بالخطأ، دون فضيحة، ولا هتك، ولا فرحة المتشفي، ولذة المنتصر..
يتبدى المشهد كفريقين: (متدينون وغير متدينين)، يسعى كل واحد منهم إلى رذائل الصفات، وخسيس الأعمال ليشيعها عن الآخر، بصفة مشتركة لكليهما (الفجور في الخصومة). التي تنتهك حرمة الستر، وتبغي تخليد الإذلال، والتحريض على الكراهية والاحتقار..! وهذا ظاهر في كل وسائل التواصل المرئية والمقروءة.
الذي نخشاه .. أن نصنع جيلا يكره -التدين- بعد أن جعلناه معوقا، بالجهل والسطحية والقسوة على الغير، وضيق الأفق، وفي الحقيقة أن هذه صفات يبتلى بها خلق كثير من الملحدين وغيرهم، وإن من الحق أن نرى التدين في حقيقته بنماذجه الطاهرة والرفيعة، الذين يمثلون الطهارة الذاتية بجمال تساميها، والوعي بأعماقه البعيدة، والفضيلة برحابتها وظلال خيرها المنبسط. وهم كثيرون لا يحصيهم عاد، ولا يحصرهم متتبع في الثقافة والفكر وكل مسارب الهندسة والطب والحياة الخيرة التي تقوم على محبة الله والخير للخلق أجمعين.
نخشى ترسيخ الصورة الساذجة التي تثير النفور من التدين من خلال الإصرار على تقديم كل سقطات المتدينين عبر التاريخ، وكل خطاياهم، وكل ذنوبهم، وكل ضعفهم، وكل سيئات أعمالهم، وكأن هذا كله يختصون به دون غيرهم. لأننا بهذا سنحصد جيلا منفلتا من كل فضيلة إذا أمن العقوبة، وغاب الرقيب، غياب التدين يجعل فرض النظام والأمن مكلفا جدا، وباهظ التكاليف جدا، فلا قانون أخلاقيا أعظم من شعور الإنسان الدائم بأن الله المعبود هو الشاهد وهو المعاقب. وأن كل أعماله وأقواله عليها رقيب عتيد..! هو حاضر على كل جارحة وهو شهيد على كل فعل ... هي فضيلة صغيرة جدا من فضائل التدين الذي يجب أن ننضجه لا ننبذه..! لأنه كفيل وحده بأن يجعلنا خير أمة أخرجت للناس.