رسوم الأراضي .. إصلاح وليس عقابا

قبل نحو ستة أشهر من الآن أصدر مجلس الوزراء السعودي نظام رسوم الأراضي، الذي تم رفعه من قبل مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وقد كلف المجلس وزارة الإسكان بإعداد اللائحة التنفيذية لهذا النظام على أن تصدر اللائحة التنفيذية بقرار من مجلس الوزراء، وبذلك يكون النظام ولائحته التنفيذية قد صدرا من قبل مجلس الوزراء وفي هذا رسالة بالغة الوضوح على اهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بهذا الموضوع وأن الدولة تأخذ هذه القضية على محمل الجد. وقد نص النظام على أن الهدف من هذه الرسوم هو تحفيز العرض من الأراضي المطورة حتى يتحقق التوازن المنشود بين العرض والطلب، ما يمكن من استقرار الأسعار وبالتالي يمكن بناء قرارات طويلة الأجل وصحيحة من قبل جميع الأطراف، كما أن النظام يسعى إلى حماية المنافسة العادلة، ومكافحة الممارسات الاحتكارية. فالهدف من تطبيق هذا النظام لم يكن لزيادة إيرادات الخزانة العامة للدولة، بل إن النظام قد أكد أن تودع مبالغ الرسوم والغرامات المحصلة في حساب خاص لدى مؤسسة النقد العربي السعودي، ويخصص للصرف على مشروعات الإسكان وإيصال المرافق العامة إليها وتوفير الخدمات العامة فيها. ولهذا فإن اللائحة التنفيذية جاءت لتعزز هذا الهدف الواضح جدا، فكان تطبيق الرسوم على مراحل متعددة أولها يبدأ بالأراضي غير المطورة بمساحة عشرة آلاف متر مربع فأكثر الواقعة ضمن النطاق الذي تحدده الوزارة، فهناك يقع لب المشكلة، فالمضاربات كانت تتم على هذه الأراضي بعدما أصبح تطوير الأراضي الخام مكلفا نظرا للاشتراطات التي حددتها وزارة الشؤون البلدية والقروية، فأصبحت المضاربات على الأراضي الخام ظاهرة منعت تطوير المخططات وأيضا تسببت في قلة المعروض من الأراضي المطورة وبالتالي ارتفاع الأسعار. ولأن الهدف المعلن والواضح من النظام واللائحة هو تحقيق التوازن بين العرض والطلب، فقد أكد تصريح وزارة الإسكان أنه إذا تحقق التوازن بين العرض والطلب في أي مدينة أو منطقة ما قبل الانتهاء من جميع مراحل تطبيق برنامج الرسوم فستعلق المراحل المتبقية. فالمسألة ليست رسوما وإيرادات وليست عقابا لأحد، بل هي إصلاح السوق التي تعرضت لكثير من التشويه الهيكلي. فأي مدينة يتحقق فيها الهدف وهو عودة السوق إلى التوازن فسوف تعلق المراحل والرسوم فيها. ولهذا نتوقع أن تتحرك السوق إيجابيا واستباقيا من أجل تحقيق التوازن قبل تنفيذ الرسوم، أو قبل الانتقال من مرحلة إلى أخرى. ولتحقيق هذا الهدف المهم جدا، الذي أكده النظام الذي أقره مجلس الوزراء وأقرته اللائحة المعتمدة من قبل المجلس أيضا، فقد راعت اللائحة أن تحدد الوزارة النطاق العمراني الذي يطبق عليه النظام. فقد وضع النظام شرطا لتطبيقه بأن تكون الأراضي الخاضعة للرسوم مخصصة للاستخدام السكني أو السكني التجاري داخل حدود النطاق العمراني، لكنه عاد ومنح وزارة الإسكان في اللائحة تحديد ذلك النطاق الذي تطبق عليه الرسوم وفي كل مرحلة من مراحل التطبيق. وكما صرح المسؤولون في وزارة الإسكان بأن هناك معايير لتقييم الرسوم تشمل تقسيم المدن الرئيسة إلى نطاقات مكانية وسعرية، إضافة إلى أنظمة البناء وتضاريس الأرض واستخداماتها بين سكنية وتجارية، وأخيرا توافر الخدمات والمرافق. إذا نحن أمام رسوم علاجية، إذا جاز التعبير، فالنظام ولائحته يمنحان وزارة الإسكان مرونة عالية في تطبيق الرسوم وتحديد المناطق الجغرافية بل حتى الزمانية التي تطبق فيها الرسوم. فقد تطبق في مدينة واحدة عدة مستويات من المراحل ولكن على مناطق مختلفة وبعض المناطق قد لا تطبق عليها اللائحة طالما أن هذه المناطق تعاني ضعف العرض، وهذا هو الهدف من المطالبات القديمة بتفعيل مثل هذا الإجراء. وقد جاء النظام ولائحته التنفيذية بكل ذكاء لمعالجة الخلل نفسه وليس معاقبة السوق، فهي عملية جراحية دقيقة ستنفذها وزارة الإسكان لإصلاح العطب الذي أصاب السوق دون الإخلال بآليات العرض والطلب الطبيعية في الاقتصاد. فإذا رأت الوزارة أن الغرض تحقق في المنطقة هذه وتأثرت منطقة أخرى فكل ما عليها القيام به هو تفعيل الرسوم ومعالجة الخلل.
هذه الطريقة غير مسبوقة في معالجة الخلل في الأسواق العقارية وتجربة فريدة تقدمها المملكة، فهي ليست ضرائب بمعنى الضرائب العقارية أو ضريبة مبيعات، بل هي رسوم كما سماها النظام، من أجل معالجة خلل معين وقد منحت وزارة الإسكان حق تعليقها إذا تحقق الهدف.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي