أسعار النفط تتعافى مدعومة بإضراب وشيك في النرويج وتراجع الدولار
حققت أسعار النفط الخام انتعاشا متوسطا بنحو 2 في المائة بعد عدة تراجعات متتالية سابقة أعقبت نتائج استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، الذي أحدث مفاجأة واسعة في الأوساط المالية والاقتصادية في العالم عندما جاء إيجابيا مخالفا العديد من استطلاعات الرأي العام السابقة، التي عززت اتجاه بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.
وتلقت أسعار النفط دعما من حلقة جديدة من مسلسل الإضرابات العمالية في القطاع النفطي وجاء الإضراب المتوقع هذه المرة من النرويج التي تعتبر من أكبر منتجي النفط في أوروبا مما جدد القناعة باحتمال تقلص المعروض بشكل حاد في سيناريو أشبه بما حدث مؤخرا في كندا عقب حرائق الغابات فيما تلقت أسعار الخام دعما من تراجع نسبى في مؤشر الدولار الأمريكي بعد عدة مكاسب واسعة سابقة.
يأتي ذلك فيما تتسارع برامج العمل الاستثنائية للبنوك المركزية والدول الصناعية لاحتواء تداعيات الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي من خلال خطط مالية تهدف إلى تهدئة الأسواق وتقليل الانعكاسات السلبية.
وفي هذا الإطار، أشاد بوب دودلى الرئيس التنفيذي لعملاق الطاقة الدولي بريتيش بتروليوم" بي بي" بتحركات عدد من دول العالم للتعامل مع مشكلة عدم استقرار سوق النفط مشيرا إلى أن أبرز وأهم القرارات جاءت من السعودية التي قررت طرح شركة النفط الوطنية العملاقة "أرامكو" للخصخصة الجزئية في إطار تعظيم الموارد وتنويع الاقتصاد الوطني.
وقال دولي – في تقرير حديث للشركة العملاقة – إن بقية كبار المنتجين قاموا بخطوات هامة ومؤثرة للتعامل مع الأزمة ومنهم المكسيك التي فتحت قطاع الطاقة لديها أمام الاستثمار الخاص للمرة الأولى منذ نحو 80 عاما.
وأضاف دودلي أن روسيا أيضا لها برنامج عمل جيد لمواجهة أثار العقوبات الاقتصادية خاصة على قطاع الطاقة بينما تعتبر فنزويلا بالفعل في أصعب فترات اقتصادها حيث إن انعكاسات الأزمة عليها أعمق وأكثر تأثيرا وفي المقابل نجد أزمة أخرى قوية تواجه منطقة الشرق الأوسط بفعل مواجهة الإرهاب واندلاع الحروب الأهلية مما أدى تداعيات اقتصادية خطيرة وواسعة.
وأشار دودلي إلى انه خلال نحو عامين تهاوى سعر النفط بنسبة أكثر من 75 في المائة مما أدى إلى اهتزاز اقتصادات أغلب المنتجين كما أدت صعوبات السوق إلى إفلاس العشرات من الشركات وتسببت أيضا في فقد مئات الآلاف من العمالة لوظائفهم منوها إلى أن الأسواق لازالت تتسم بحالة عدم اليقين، وبعض من أكبر منتجي النفط والغاز في العالم يمر بفترة انتقالية دقيقة.
وذكر دودلي أن عدم استقرار الأسواق في مراحل سابقة كان يقود إلى ارتفاع أسعار النفط، ولكن في هذه الدورة الاقتصادية حدث العكس حيث انهارت الأسعار بسبب ما سمى بثورة النفط الصخري التي انطلقت من الولايات المتحدة وأدت إلى طفرة واسعة في إمدادات ومخزونات النفط العالمية وقد اضطر هذا المتغير كل شركات الطاقة إلى سرعة التكيف مع البيئة الجديدة أو الخروج نهائيا من السوق.
وقال دودلي إنه بعد ما يقرب من عامين من تهاوى أسعار النفط تؤكد "بي بي" ثقتها الشديدة وسعادتها بأن العرض والطلب العالميين في الآونة الأخيرة قد انتقلا نحو مرحلة أخرى من تحقيق التوازن وتعافى الأسواق مشيرا إلى أن توقعات الشركة البريطانية هي أن يستمر هذا الاتجاه في النصف الثاني من العام الجاري 2016. وأضاف دودلي أنه على الرغم من تفاؤل "بي بي" الشديد بالسوق إلا أنها لا تتوقع عودة أسعار النفط الخام إلى مستوى مائة دولار في وقت قريب بل على الأمد الطويل ولذا فإنه يجب علينا وعلى كل الاستثمارات المحافظة على الانضباط في الإنفاق والاستمرار في العمل على تحسين مستوى الإنتاجية.
من جانبها، تقول لـ "الاقتصادية"، إيريكا ماندرفينو مدير العلاقات العامة في شركة الطاقة الايطالية العملاقة "إيني"، إن الشركة تركز على تطوير مشروعات الطاقة البحرية لما لها من مردود اقتصادي جيد خاصة في إفريقيا مشيرة إلى أنه في هذا الإطار سيتم إنشاء قاعدتين للخدمات اللوجستية واحدة في أنجولا لخدمة دول غرب إفريقيا والأخرى في صقلية لخدمة الإنتاج في منطقة البحر الأبيض المتوسط مع توافر العناصر البشرية المميزة في هذا المجال.
وأضافت ماندرفينو أن خدمات الدعم تحت الماء في جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط ستشهد تطورا جيدا هذا العام وستشمل عمليات التخطيط والتفتيش وعينات الرصد البيئي، مشيرة إلى أن الحفاظ على البيئة البحرية نظيفة هي من مشروعات البحث والتطوير التي توليها "إيني" اهتماما كبيرا وستتوسع تطبيقاتها تدريجيا إلى أبعد من نطاق صناعة النفط والغاز. وذكرت ماندرفينو أن الشركة الإيطالية تركز في المرحلة الحالية على مواصلة تحقيق التحسن في المؤشرات المتعلقة باستهلاك الطاقة والانبعاثات واستهلاك المياه إلى جانب دعم كل الإجراءات التي تصب في مصلحة تحقيق أهداف التنمية المستدامة وهو الأمر الذي يجب أن تركز عليه كل الاستثمارات في مجال الطاقة للتغلب على صعوبات السوق واستمرار التنمية. في سياق آخر، يرى الدكتور فيليب ديبيش رئيس المبادرة الأوروبية للطاقة، أن البنوك المركزية في العالم تشهد حالة من الاستنفار لدراسة واتخاذ التدابير المالية الملائمة لتقليل الانعكاسات السلبية المتوقعة من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وأشار ديبيش إلى أنه في هذا الإطار قلل البنك المركزي الروسي من تأثيرات خروج بريطانيا على الاقتصادين الروسي والأوروبي وهو ما يمثل رسالة جيدة لتهدئة الأسواق لافتا إلى أن آليات تنفيذ الانفصال ستوضح دون شك حجم التأثيرات على السوق العالمي وإن كانت الأساليب هادئة ومدروسة سيكون الأثر السلبي أقل.
وأوضح ديبيش أن الاستثمارات العربية في بريطانيا ستتأثر دون شك ولو نسبيا بسبب تراجع الاسترليني وتغير سعر الفائدة وخفض تصنيف بريطانيا ائتمانيا إضافة إلى حالة الغموض في الأسواق وهو ما يتطلب إجراءات استثنائية للحفاظ على هذه الاستثمارات والتعامل بشكل أفضل في ضوء الواقع البريطاني الجديد.
من ناحية أخرى وفيما يخص الأسعار، ارتفعت أسعار النفط أمس قبل إضراب متوقع في النرويج ينذر بخفض الإنتاج في أكبر دولة منتجة للخام في غرب أوروبا على الرغم من أن قرار بريطانيا التصويت لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي ما زال يضغط على الأسواق.
وقد يبدأ نحو 755 عاملا نرويجيا في سبعة حقول للنفط والغاز إضرابا عن العمل اعتبارا من يوم السبت المقبل إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق جديد بشأن الأجور قبل انتهاء مهلة يوم الجمعة وهو الأمر الذي سيؤثر في إنتاج البلاد من الخام.
ويستضيف وسيط حكومي جولة أخيرة من المحادثات الإلزامية في الثلاثين من حزيران (يونيو) والأول من تموز (يوليو) سعيا لتجنب الإضراب المحتمل، وتمثل الحقول التي سيشملها الإضراب 18 في المائة من إنتاج النفط في النرويج وما يزيد قليلا عن 17 في المائة من إنتاج الغاز الطبيعي، وبلغ إجمالي حجم إنتاج النفط نحو 285 ألف برميل يوميا في أول أربعة أشهر من هذا العام بينما بلغ إنتاج الغاز الطبيعي 48.5 مليون متر مكعب يوميا. ارتفعت أسعار النفط فوق 48 دولارا للبرميل مع اتجاه المستثمرين للاستفادة من تراجع استمر يومين في أسعار الخام بعد تصويت بريطانيا لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي، وتسببت نتيجة التصويت في انخفاضات حادة في أسواق الأسهم العالمية والعملات غير أن خسائر النفط كانت محدودة بسبب توقعات بطلب قوي في الصيف في آسيا والولايات المتحدة وكذلك ضعف المعروض بعد عامين من انخفاض الأسعار. وبحسب "رويترز"، فقد جرى تداول خام القياس العالمي مزيج برنت في العقود الآجلة بزيادة 2.3 في المائة أو 1.08 دولار إلى 48.24 دولار للبرميل، وزاد خام غرب تكساس الوسيط في العقود الآجلة 2.3 في المائة أيضا أو ما يعادل 1.06 دولار إلى 47.39 دولار للبرميل.
وتعافى الجنيه الاسترليني ومؤشر فاينناشيال تايمز 100 البريطاني أيضا كثيرا على آمال تحرك منسق من قبل البنك المركزي ردا على الخسائر التي منيت به الأسواق المالية، وقال كارستن فريتش المحلل لدى كوميرتس بنك إن النفط يتعافى بفعل بعض تصيد الصفقات بعدما ثبت أن الهبوط دون 47 دولارا للبرميل غير قابل للاستمرار والأنباء عن إضراب محتمل في قطاع النفط والغاز النرويجي. وهبط النفط أكثر من 7 في المائة في الجلستين السابقتين على خلفية تصويت بريطانيا لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي مما أدى إلى تراجع إقبال المستثمرين على السلع الأولية التي تتسم بالتقلب مثل النفط.