قطار الجنوب
لعل أهم تطور في وسائط النقل الحديث قبل الطيران هو القطار الذي أوصل الحضارة لمناطق كانت خالية, أسهم في تكوين مناطق اقتصادية عالمية من خلال فتح المجال أمام التفاعل مع السوق بهذه الوسيلة البسيطة والرخيصة مقارنة ببقية وسائط النقل.
عملت أغلب دول العالم في القرن الـ 19 والـ 20 على تنفيذ البنية التحتية لمشاريع السكك الحديدية, لأنها شعرت بالحاجة الماسة إلى التواصل والحركة والتفاعل بين مواقع تكتظ بالسكان وأخرى تحوي المواد الخام وتلك التي تمثل القواعد الإنتاجية والصناعية ليكون القطار الدافع الأهم لتسريع الحركة الاقتصادية والتبادل الاجتماعي والثقافي.
جميل أن نرى التوجه الذي بدأ بإنشاء شركة سار التي نشاهد إنجازاتها تتوالى في النصف الشمالي من البلاد, حيث ذكر خبر جديد أن المسافة بين الشمال والرياض سيقطعها القطار خلال ثماني ساعات وبسرعة 170 كيلومترا في الساعة. عادني عندما قرأت الخبر هاجس الحاجة إلى تعميم خدمة القطارات خصوصا بين المناطق.
تجاوز تعداد سكان المملكة الـ 30 مليونا, واحتمالات الزيادة المضطردة إضافة إلى كم الحركة والتفاعل الاقتصادي والسياحي بين مناطق جنوب المملكة ووسطها وغربها وشرقها, ولكون هذه المناطق تمثل ما يزيد على 20 في المائة من تعداد السكان, وما نشاهده خلال الفترة الحالية من أزمات في تنقل المواطنين والبضائع بين هذه المناطق وشقيقاتها, لا بد أن نشاهد خلال الفترة القادمة خريطة جديدة لتوزيع القطارات تدخل هذه المناطق إلى المنظومة وتسهل على مواطنيها وتجارها التعامل مع الأسواق الوطنية والخارجية.
يأتي توقعي هذا في ظل عدد من المعطيات المهمة التي لا بد من أخذها في الاعتبار, فعدد المطارات الذي لا يتجاوز الخمسة في المناطق الجنوبية بشكل عام, وارتفاع عدد السكان, وانتشار مرافق الخدمات كالمستشفيات والجامعات التي لا بد من أن ترتبط بشكل سريع ببقية المناطق والتداخل الكبير بين الناس, إضافة للعدد الهائل من الحوادث المرورية التي يسببها اضطرار الناس لاستخدام السيارات وحال الطرق التي تكلف مبالغ كبيرة مقارنة بالسكك الحديدية.
كل هذا يدعم مطالبة شركة سار بتنفيذ ما لا يقل عن خطين رئيسين يربطان المناطق الجنوبية بالوسطى والغربية, ويمكن أن تتفرع عنهما خطوط تخدم الاقتصاد والسكان في المحافظات الواقعة بين تلك المواقع.