«جاستا».. رسالة سلبية جدا لحلفاء واشنطن في الشرق الأوسط والعالم

«جاستا».. رسالة سلبية جدا لحلفاء واشنطن في الشرق الأوسط والعالم

"جاستا" هذا هو اختصار ما بات يعرف باسم قانون "تطبيق العدالة على داعمي الإرهاب" الذي أصدره الكونجرس الأمريكي أخيرا.
القانون أثار جدلا عالميا بشأن الهدف منه، وتأثيره في علاقات أمريكا الخارجية خاصة في المنطقة العربية، وتداعياته على التحالفات التاريخية لواشنطن مع عديد من دول المشرق العربي، خاصة في تلك المرحلة الحرجة التي يضرب فيها الإرهاب يمينا وشمالا، وتتطلب بناء أوسع تحالف دولي ممكن للتصدي لتلك الآفة العالمية.
وكيف يمكن أن يحول هذا القانون عددا من الدول التي تمثل رأسا للحربة في المعركة الدائرة ضد الإرهاب، إلى متشكك في حقيقة النوايا الأمريكية، بما يخرج المعركة عن إطارها الاستراتيجي، ليحولها إلى جدل قانوني، يستمر في المحاكم لسنوات، دون أن يسفر عن إنجاز حقيقي في تلك الحرب، بل لربما أعاقها عن تحقيق هدفها الأساسي ألا وهو القضاء على الإرهاب.
"الاقتصادية" استطلعت آراء مجموعة من الباحثين والقانونيين ومختصين في العلاقات الدولية لمعرفة الحقيقة وراء قانون "جاستا" وإلى أي مدى يمكن أن يمثل نقطة تحول سلبية في مسار الحرب الراهنة على الإرهاب.
اتكنز بيكر، الباحث في الشؤون الدولية يعلق لـ "الاقتصادية" قائلا "إنه منذ اللحظة الأولى لصياغة القانون وتسميته، بدا واضحا تسييس عملية النقاش، وابتعادها عن القيم التقليدية للكونجرس الأمريكي عن صياغة القوانين، فعلى الرغم من وجود اتفاق دولي واسع على بعض التعريفات الخاصة بالإرهاب، يظل المجتمع الدولي حتى الآن يشهد جدلا بشأن بعض الأنشطة المسلحة والى أي مدى يمكن أن تدخل في إطار المقاومة المسلحة المشروعة أم يمكن توصيفها باعتبارها نشاطا إرهابيا، وماذا عن الضحايا الأمريكيين الذين يسقطون صدفة نتيجة وجودهم في معارك بين طرفين متحاربين أحدهما يحتل أرض الآخر".
ويضيف "البعد القانوني للقانون الجديد، على الرغم مما يتضمنه من تعقيدات، يظل أقل حدة من جوانبه السياسية التي باتت محل شك وريبة، فمعظم حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا على سبيل المثال انتقدوا القانون وتوقيته، بل بعضهم لم يتردد في التحذير من محتواه وخطورته في أن يطال حلفاء واشنطن الدوليين والإقليميين المشاركين في الحرب على الإرهاب، والبعض الآخر التزم رسميا الصمت وتجنب التعليق، وهو ما فسر أيضا بعدم رضا على القانون الجديد".
انجم صديقي الصحفي البريطاني يؤكد صحة ما ذكر أعلاه، لكنه يضيف نقطة شديدة الأهمية لربما تلقي الضوء على بعض الجوانب الخاصة بحقيقة القوى التي تقف خلف هذا القانون، ولـ "الاقتصادية" يبين أنه من متابعة الصحف العالمية فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية بدت مرحبة للغاية بصدور هذا القانون، واعتبرته بمثابة انتصار شخصي لها، وسط توقعات بأن تلجأ إليه لابتزاز السلطة الفلسطينية مثلا، كما أن أنصار تل أبيب في الكونجرس قاموا بدور كبير لتمرير القانون، لكن يلاحظ أيضا أن أعضاء الكونجرس الداعين إلى فتح صفحة جديدة مع إيران، أيدوا نظراءهم المدافعين عن إسرائيل لإصدار هذا القانون، وهو ما قد يكشف عن تنسق خفي وغير معلن بين الطرفين في محاولة لحصار المملكة، مضيفا "وعلينا أن نتذكر أن الوثائق التاريخية كشفت تعاونا خلال العصور الوسطى بين الدولة الصفوية في إيران والصليبيين في فلسطين لتطويق العالم الإسلامي السني".
الدكتور بن هولدن رئيس قسم القانون المقارن في جامعة كامبريدج سابقا ينظر إلى القانون الجديد ويحلله في إطار قانوني محض، ويشير لـ "الاقتصادية" إلى أن أحد أبرز الأهداف السامية لإصدار أي قانون هو ضرورة أن يتم تطبيقه بشكل يتوخى العدالة في التطبيق، وهذا القانون يصعب تطبيقه في الواقع العملي، وإذا أصدرت المحاكم أي أحكام بناء عليه، فغالبا يمكن نقضها أو أن تكون مسيسة، ما يجعل القانون يفقد عدالته.
ويلفت إلى أن القانون منذ اللحظة الأولى لصياغته بدت فيه ملامح لإمكانية ابتزاز واشنطن الدول الثرية، وهذا أيضا يدفع إلى نقاش قانوني حول جدوى القانون إذا رد الآخرون بالمثل، إذ يمكن أن يؤدي إصرار الكونجرس على إصدار القانون إلى تعرض شخصيات وشركات ومؤسسات أمريكية إلى المحاسبة، من قبل دول أخرى وفقا للفكرة الرئيسية التي صيغ بها هذا القانون، فعلى سبيل المثال "تنظيم القاعدة" في المراحل الأولى من تكوينه حصل على مساعدات عسكرية من واشنطن لقتال الاحتلال السوفياتي في أفغانستان، وظلت المخابرات الأمريكية ترعى "التنظيم" لسنوات طويلة، وأسامة بن لادن اعتبره عديد من كبريات الصحف الأمريكية مقاتلا من أجل الحرية، هذا الموقف الأمريكي شجع آخرين على دعم "تنظيم القاعدة" في معاركه ضد الروس واحتلالهم أفغانستان، ودولة مثل المملكة العربية السعودية ساندت الجهاد الأفغاني لتحرير أفغانستان من الاحتلال الروسي، قاد ذلك منطلقات متعددة أخلاقية وأخوية وإنسانية، وتعزز ذلك في بعض جوانبه جراء مساندة واشنطن المجاهدين العرب في أفغانستان.
ويضيف "لكن الرياض اكتشفت حقيقية "التنظيم" وتوجهاته قبل الإدارة الأمريكية، والوثائق الرسمية تكشف هذا الوعي السعودي المبكر لطبيعة التغيير الذي حدث "للتنظيم" في أعقاب طرد الروس، واشنطن من جانبها قطعت العلاقات متأخرا بـ "القاعدة"، وهذا ما جعل المملكة في مقدمة البلدان التي تعرضت لحملة عنيفة وشرسة من "تنظيم القاعدة"، والسؤال الآن إذا قام إرهابيون يحملون الجنسية السعودية وينتمون إلى "القاعدة" بهجمات في أمريكا، فمن يتحمل المسؤولية، المنطق القانوني العادل يتحمله الإرهابيون بصفتهم الشخصية، وليس وفقا لجنسيتهم، كما يمكن أيضا قانونيا تحميل الإدارة الأمريكية المسؤولية، لأنها لم تستمع للتحذيرات التي قدمتها المملكة لها بشأن التغييرات العقائدية التي جرت للتنظيم".
بروملي بروك الدبلوماسي السابق والمختص في العلاقات الدولية، يبحث مشكلة القانون من جانب سياسي يرتبط بجوانب ضعف في الإدارة الأمريكية، ولـ "الاقتصادية" يؤكد أن القانون على الرغم من أن مصدره هو الكونجرس الأمريكي، ورغم إعلان البيت الأبيض أن الرئيس أوباما لن يوافق عليه، فإن الأب الشرعي لهذا القانون هو حالة الضعف والارتباك وغياب أي رؤية استراتيجية لدى البيت الأبيض بشأن حلفاء أمريكا الحقيقيين في الشرق الأوسط، فإدارة أوباما قد لا تكون مسؤولة عن فوضى الشرق الأوسط بمفردها، لكنها عمقت حالة الفوضى في المنطقة وجعلتها مستعصية بشكل مخيف وخطير، نتيجة مواقفها غير العقلانية من التهديد الإيراني ليس فقط للمنطقة، بل للاستقرار الإقليمي والعالمي، ولم تستمع واشنطن لخبرة وحكمة حلفاء تقليديين كالمملكة العربية السعودية وبعض البلدان الخليجية الأخرى حول كيفية التعامل مع التحديات التي تواجه الشرق الأوسط.
ويذكر أنه على العكس تبنت سياسات ضبابية مثيرة للتساؤل والاستغراب مثل توقيع اتفاق نووي مع طهران غير مدروس ومليء بالثغرات، هذا الموقف المتخاذل من إدارة أوباما شجع العناصر ذات الاتجاهات الشعبية في الكونجرس، على مغازلة مشاعر شعبية انتهازية عبر آمال بابتزاز مالي للبلدان الخليجية الثرية في محاولة للحصول على تعويضات مالية بشأن هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ولكن ما لم يدركه المشرع الأمريكي، أن السعودية سلمان بن عبدالعزيز ليست ليبيا معمر القذافي، يمكنك الضغط عليها وابتزازها، فالسعوديون حليف رئيسي في الحرب الدولية على الإرهاب، وفي الشرق الأوسط حيث يخوض العالم معركته الأم ضد هذا السرطان، فإن رأس الحرب خاصة في ظل حالة عدم الاستقرار التي تجتاح بلدان المنطقة هي السعودية، التي استطاعت إقامة تحالف سني ضخم تجاوز التعاون العسكري إلى تشكيل كتلة صلبة وصماء لضرب الإرهاب.
لي جروسكوب الصحفي البريطاني يبين لـ "الاقتصادية" أن القانون الأمريكي لا شك أنه يبعث برسالة سلبية ليس فقط إلى العلاقات السعودية الأمريكية إنما إلى كل حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط والعالم، لكنه يكشف أيضا عن ضرورة تبني الجانب السعودي استراتيجية جديدة تجاه واشنطن تعتمد في بعض جوانبها على درجة أكبر من التأثير في جماعات الضغط الأمريكية ومنظمات العمل المدني، لما لها من تأثير في الحياة الأمريكية، عبر الإعلام.
ويقول "إن وسائل الإعلام الأمريكية متشوقة لمعرفة مزيد عن السعودية، لكن اللوبي الإيراني يعمل بقوة شديدة على تشوية المملكة وجهودها في خدمة السلم العالمي والحرب على الإرهاب، وعلى المملكة أن تتجاوز في خطابها المؤسسات الرسمية للدولة الأمريكية إلى المؤسسات الشعبية لفضح الدور الإيراني المريب في الشرق الأوسط، فعلى سبيل المثال لا يركز الإعلام الأمريكي الضوء كثيرا على الدعم اللا محدود والمتناهي من إيران لنظام بشار الأسد، إنما يركز على الدور الروسي الذي دخل المعركة متأخرا مقارنة بإيران التي كانت تمارس القمع والقتل في الشعب السوري منذ اليوم الأول لثورته".
ويؤكد أن إيران تسعى إلى تصوير نفسها في أمريكا أنها دولة عصرية، وهذا بخلاف الحقيقية والواقع، ولتحقيق ذلك الهدف فإنها لن تتوانى في التنسيق والتعاون مع الشيطان.

الأكثر قراءة