مكة المكرمة .. جذور ضاربة في أعماق التاريخ وضياء تعطر برسالة التوحيد
مكة المكرمة التي يتوجه إليها أكثر من مليار مسلم في كل يوم خمس مرات ويقصدها في كل عام الملايين من الحجاج والمعتمرين، حرَّمها الله تعظيما وإجلالا يوم خلق السموات والأرض.
وتمتد جذور مكة المكرمة في أعماق التاريخ، حيث تجمع أغلب المصادر التاريخية على أن عام 2800 ق. م، كان العام الذي قدم فيه إبراهيم عليه السلام وبصحبته زوجته هاجر وابنها إسماعيل من أرض كنعان (فلسطين) إلى الموقع المهجور الذي بنيت بجواره الكعبة المشرفة وأقيمت من حولها مدينة مكة المكرمة، وقد غادر إبراهيم أرض الحجاز إلى مدينة الخليل تاركا زوجته وابنه الرضيع في واد جدب لا زرع فيه ولا ضرع.
وكانت حكمة الله التي جسدت وضع مكة المكرمة وفضلها وحرمتها وقدسيتها، فحين نفدت المياه التي تركها خليل الله إبراهيم عليه السلام لزوجته وابنه اشتد العطش بالرضيع وزاد صراخه ما دفع أمه هاجر إلى البحث عن المياه بين الصفا من جبل أبي قبيس والمروة من جبل مقيقعان اللذين يزخران بالصخور الصماء التي لا تظهر فيها أية علامات للحياة.
واستمرت هاجر في سعيها حتى أتى أمر الله بأن تفجر عين زمزم وتجري منها المياه، وتروي هاجر عطش ابنها الرضيع وتسكت صراخه.
ومع ظهور زمزم في هذا البلد الأمين أصبحت الحياة فيه أمرا ممكنا فأقامت هاجر وابنها حول البئر وأصبحت القوافل ترد عليهما فينالان من العيش منها.
وتتوالى بعد ذلك الأيام والليالي ليأتي أمر الله إلى إبراهيم عليه السلام وابنه إسماعيل لبناء البيت الحرام عام 2430 ق. م، وكان الموقع الذي بني عليه البيت الحرام مرتفعا عن الأرض كالرابية وكانت السيول تجري عن يمينه وعن شماله.
وهكذا نشأت مدينة مكة وازدهرت حتى أصبحت مركزا تجاريا مهما ومقاما آمنا يسكن إليه الناس وتفد إليها القوافل التجارية ويفد إليها العرب من كل أنحاء الجزيرة يبتغون حج البيت والطواف حوله.
وفي ظل الإسلام صارت مكة (البلد الأمين) بلد الرسالة ومهبط الوحي وبلدا شع منه نور الإسلام ليبلغ الآفاق وليعلن هويته للناس.. هويته الإسلام ورحابه الأمن وجواره الخير والبركة.
واختص الله هذه الأرض المباركة بمميزات عن غيرها من أرض الله، إذ فيها بيت الله العتيق، أول بيت وضع للناس كما ورد في القرآن الكريم، وفي سنة 8 هـ (عام الفتح) أمر النبي صلى الله عليه وسلم الأسود بن خلف وتميم بن أسد العزي أن يجددا أعلام (حدود) الحرم المكي.
وزادت أهمية مكة واتساعها مع كثرة الوافدين إليها من الحجاج فكثرت أسواقها بعد أن كان سوق عكاظ أهم أسواقها، وتتجاوز حدود التجارة ليصبح منتدى الشعر والأدب والخطب ثم بعد ذلك افتتح سوق المجاز وبعده سوق مجنة.
وتقع مكة على بعد 460 كيلو مترا جنوب المدينة المنورة و73 كيلو مترا شرق جدة و98 كيلو مترا غرب الطائف.
وترتفع نحو 360 مترا عن مستوى سطح البحر على دائرة عرض 21 درجة و25 دقيقة شمالا وخط طول 39 درجة و49 دقيقة شرقا.
وسميت مكة لأنها تمك الفاجر عنها وتخرجه منها، وسميت بكة (لأنها تبك أعناق الجبابرة وتكسرها) أو هي بمعنى الازدحام، ومن أسمائها الأخرى أم القرى (أصل القرى ومرجعها)، وأم رحم (يتراحم الناس بها)، وكوثى (اسم بقعة بها)، والناسة وقيل الباسة (تبس من ألحد فيها وتهلكه)، والبيت العتيق، والبلد الأمين، ومعاد، والحاطمة.
وتقع مكة في واد مائل تحيط به التلال القاحلة الجرداء والصخور والجبال المتشابكة والأودية الجرانيتية، وكانت تتألف من عدة أحياء صغيرة وأزقة ضيقة.
وأصبحت مكة المكرمة اليوم حاضرة عمرانية كبيرة، وتحيط بها عدة جبال يصل عددها إلى 45 جبلا ما بين صغير وكبير لتكون مانعا حصينا، وفيها العديد من الثنايا والشرفات يصل عددها إلى 16 ثنية، والجبال الرئيسة المحيطة بمكة هي جبل (قضا) في جهة الشمال وفي الغرب جبل (لآلي وجيفان)، وفي وسط الوادي ترتفع الأرض، ومرتفعات الوسط هي جبل (جياد) و(جبل أبي قبيس) المطل على الحرم وكان عليه مسجد بلال، ويقابل جبل (أبي قبيس) جبل (هندي).
وتشتمل مكة في الوقت الحاضر على عدة أحياء سكنية هي المعابدة والشامية والشبيكة وأجياد والقرارة والقشاشية والمسفلة وجرول وحارة الباب والسليمانية وشعب عامر وشعب علي والنقا، كما تشتمل على عدة تقسيمات إدارية هي البيبان والخريق والعزيزية والمنصور وشرائع المجاهدين والجموم والعوالي والليث وبحرة.
ويعد المسجد الحرام مركز مدينة مكة المكرمة ويضم الكعبة المعظمة التي من أهم معالمها المقدسة الحجر الأسود والركن اليماني والركنان الشامي والعراقي والمستجار والملتزم والشاذروان.