الرحلة الأخيرة لطيار سعودي

عندما كنا صغارا كنا نلعب بالسيارات بينما كان حسين يحيى القحطاني يلعب بالطائرات. كان حلمه أن يصبح طيارا، أخبره قريبه أنه إذا كان يريد أن يصبح طيارا عليه أن يحصل على درجات مرتفعة في الثانوية، ثابر حسين ليحصل على درجات تجعله يلتحق بالكلية التي ستقله إلى حلمه، في الصف الثاني ثانوي اقترح عليه اثنان من رفاق فصله أن يجروا كشوفات طبية مبكرة بعد أن سمعا عن صرامة الشروط الطبية للالتحاق بالكلية الجوية، فلا بد على المتقدم أن ينجح في اختبارات النظر والقلب وقياس الطول والوزن واللياقة البدنية وغيرها، ذهب الثلاثة إلى أحد المستشفيات وخضعوا لجميع الفحوص المطلوبة ليتأكدوا من لياقتهم الصحية ومدى ملاءمتهم لدخول الكلية الجوية، نجح الاثنان ولم ينجح حسين، أخبره الطبيب أن لديه تسارعا في نبضات القلب ويتوجب عليه مراجعة استشاري قلب، تحطم حلم حسين، غاب أسبوعا عن المدرسة، بعد هذا الأسبوع سألته أمه أن يذاكر وربي لن يتخلى عنه، تحامل حسين على حزنه وآلامه وعاد لمدرسته ودراسته، تخرج مع زميليه بتفوق، حان موعد التسجيل في الكلية الجوية، اتصل عليه زميلاه ليرافقهما ويقدم معهما، رفض بشدة كون الفحوص المبكرة التي أجراها أشارت إلى عدم ملاءمته، لكن أمه طلبت منه أن يقدم أوراقه مع زميليه، المفاجأة أن الفحوص الطبية الرسمية التي أجراها في عيادة الكلية أشارت إلى نجاحه وعدم نجاحهما، لم يصدق الخبر حتى بدأت الدراسة في الكلية فعلا، أثبت حسين تفوقه منذ يومه الأول، تخرج متفوقا وأظهر كفاءة عالية جعلته يقود إحدى أهم الطائرات المقاتلة في القرن العشرين (إف 15). براعته منحته شرف قيادة تمرين دولي في المنطقة الشمالية عام 2012، قاد حسين في التمرين طائرة (إف 15)، كانت الأمور تسير على ما يرام، لكن فجأة تحطم غطاء قمرة القيادة فأغمي على حسين ومساعده على ارتفاع 37 ألف قدم، بيد أنه سرعان ما استيقظ حسين وأحس أنه في كابوس والطائرة تمخر عباب السماء، في هذا الوضع المأساوي الخطير كان أمام حسين خياران. الأول: أن يحاول إنقاذ حياته من خلال ضغط زر الخروج الذي يسمح بمقعده أن يخرج من الطائرة ويتحول إلى (باراشوت) يهبط عبره، الثاني أن يحاول السيطرة على الطائرة وينقذ حياته وحياة مساعده والطائرة التي تبلغ قيمتها نحو 50 مليون دولار أمريكي، تشهد حسين واختار الخيار الثاني الأصعب وبفضل الله ثم براعته وبسالته هبط بالطائرة بسلام رغم جسامة وصعوبة وخطورة المهمة. يقول لي حسين: "بعد أن تشهدت شعرت براحة شديدة منحتني ثقة أكبر في إدارة الأزمة". كرم الملك سلمان - حفظه الله - حسين تقديرا لشجاعته. يا أصدقائي، يجب أن نتذكر أن كل تتويج يأتي بعد ألم، ألم مضن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي