قانون «جاستا» والشحن السياسي
مرت 15 سنة منذ حادثة 11 سبتمبر. عقد ونصف العقد مر على العالم بتحولات كبيرة، لكن تطورات هذا العام ولا شك صاخبة، تترافق وتمرير الكونجرس الأمريكي قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" المعروف بـ "جاستا." وهو القانون الذي يسمح لعائلات ضحايا هجمات سبتمبر بمقاضاة الدول التي تورط رعاياها في عمليات إرهابية داخل الولايات المتحدة في المحاكم الأمريكية.
وقد استخدم الرئيس الأمريكي باراك أوباما حقه في الفيتو ضد المشروع الذي أقرّه مجلسا الشيوخ والنواب الأمريكيان، في رسالة واضحة وصريحة بالأضرار والمخاطر الكبيرة التي يأتي بها هذا القانون. وذلك في محاولة لثني النواب الديمقراطيين عن دعمه، لا سيما أن بعضهم صوت له بدوافع انتخابية خاصة، تتزامن وتنامي الخطاب الشعبوي الصارخ في أمريكا. هو الخطاب الذي يتسم بتبسيط قضايا معقدة تغذي مشاعر الجماهير من أجل أهداف سياسية. يترافق ذلك ومناخ سياسي يعاني الاستقطاب الشديد، نتيجة لعوامل داخلية وخارجية منها الاقتصاد، وأزمة الدين الفيدرالي، والإرهاب. وهي عوامل ترفع من مستوى التصادم بين النخب ورجل الشارع.
ليس جديدا أن نقول إن مضمون هذا القانون مطروح في القضاء الأمريكي كما على طاولة السياسة منذ 2002. فبعد عام من الحادثة رفع محامو بعض عائلات ضحايا دعاوى تطالب بتعويضات بأرقام فلكية كانت تردها الحكومة الأمريكية كل مرة. لكن جديد هذا العام هو إعلان الـ 28 ورقة السرية التي قدمتها الاستخبارات الأمريكية للكونجرس التي برأت السعودية من الضلوع في حادثة سبتمبر. هناك ولا شك جوانب سياسية وقانونية شديدة التداخل. لكن وإن مرر هذا القانون رغم صعوبات تطبيقه على مستويات عدة، عوضا عن غياب أي أدلة بأي معيار قانوني يدين السعودية، فسنشهد عصرا جديدا من حروب التعويضات القانونية ليست أمريكا نفسها بمنأى عنها. هذا عوضا ولا شك عن نسف قوانين العلاقات الدولية في العالم، ومبدأ سيادة الدول والحصانة السياسية.
ويبقى الأهم والأخطر هو ما يخلفه هذا القانون من شحن سياسي وثقافي واجتماعي بين الشعوب والحكومات، قد يقود إلى ردود فعل لا يمكن التنبؤ بها عوضا عن ضبطها لاحقا. وهو الأمر الذي يجعل من أمريكا نفسها عرضة لكل الاحتمالات المفتوحة.