محال العطارة والزيارات المنزلية واجهة جديدة للحجامة العشوائية
في عام 2012 منعت وزارة الشؤون البلدية، الأمانات والبلديات في كل مدن المملكة منح التراخيص لمحال الحجامة إلا بعد موافقة وزارة الصحة، وذلك بعد جدل طويل امتد لأعوام حول مخاطر هذه الظاهرة، وفي وقت لاحق من عام 2015 صدر تنظيم جديد يقضي بتحويل مهمة الترخيص لأعمال الحجامة في السعودية إلى المركز الوطني للطب التكميلي والبديل التابع لوزارة الصحة، مع منع ممارستها إلا في مراكز متخصصة ومرخصة، ورغم مرور عام على تلك التنظيمات إلا أن جولة لـ “الاقتصادية” في عدد من الأحياء داخل العاصمة الرياض، وأيضا من خلال البحث عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تبين أن ماحدث هو اختفاء مراكز الحجامة غير المرخصة من الشوارع والأسواق بشكل علني، وانتشارها بطرق سرية خلف محال العطارة ومن خلال الزيارات المنزلية، التي يقوم بها سعوديون ومقيمون من جنسيات عربية مختلفة، التي بالتأكيد لن تكون خاضعة للاشتراطات الصحية والبيئة المطلوبة.
كشفت الزيارات الميدانية لعدد من تلك المواقع عن أن ممارسيها يفتقدون مبادئ علوم الصحة العامة وغير مؤهلين، ولا يحملون شهادات صحية، أو أي تقارير تبين خلوهم من الأمراض الفيروسية كالكبد الوبائي، كأحد أهم شروط ممارسة الحجامة، كما أن المواقع التي تتم فيها ممارسة الحجامة غير صحية وغير معقمة، ما يضاعف من مخاطر الحجامة. “الاقتصادية” ترصد في هذا التحقيق المواقع السرية لهؤلاء الممارسين غير المرخصين وأسعار الحجامة وأساليب اصطياد الزبائن.. وإليكم التفاصيل:
في حي العريجا وعلى شارع رئيس، وجد مجموعة من المقيمين العرب من جنسيات مختلفة، في محل لبيع العطارة مكانا ملائما لافتتاح مركز حجامة "سري"، تمارس فيه الحجامة للنساء والرجال، حيث يصطاد بائع العطارة "موظف الاستقبال"، زبائنه من خلال الحديث معهم عن وجود أشخاص مرخصين يمكنهم القيام بحجامة، وبعد التفاوض على السعر يقوم موظف الاستقبال بنقل الزبون إلى المقر السري خلف محل العطارة.
يعمل محل العطارة هذا كغطاء لعدد من مزاولين مهنة الحجامة غير المرخصة وفيه غرفتان للرجال والنساء، تفتقد أقل الاشتراطات الصحية لمزاولة الحجامة ما قد يتسبب في نقل العدوى والميكروبات وربما تكون قاتلة وتضم نحو سبعة أشخاص من جنسيات مختلفة، يتصارعون لكسب المراجع بعرضهم خبراتهم التي هي في الواقع طعم مزيف، وبسؤالنا أحدهم عن شهادة وخبراته أجاب:"لدي شهادة طب بديل من أمريكا، وخبرة ست سنوات، ويزورني في اليوم مابين 2-3 مراجعين، وعن الترخيص، أكد أن هذا المكان مرخص، على عكس الحقيقة التي يثبتها المكان. وفي مواقع أخرى يتم نقل الزبون إلى منزل ممارس الحجامة الذي غالبا ما يكون في الأحياء القديمة في مدينة الرياض، ويتم تداول أرقامهم من خلال محال العطارة أيضا، أو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي" تويتر"، و"إنستجرام"، وبعد اتصالات تقمص فيها محرر "الاقتصادية" دور الزبون، نجح في زيارة منزل "أبو يوسف" في أحد أحياء جنوب الرياض الذي جهز فيه غرفة غير مهيأة لمزاولة الحجامة. وعند سؤاله عن خبرته في الموضوع قال: "أزاول المهنة منذ 15 عاما وقد حصلت على شهادة في الطب البديل من إحدى الدول العربية، وعدد المراجعين لمنزلي يوميا متفاوت ففي الأيام المستحبة في السنة وهي (21 و19 و17) يبلغ عددهم ما بين ثلاثة إلى سبعة مراجعين، وأنا أعتقد أن الخبرة في الحجامة أهم من الدراسة والترخيص"، مشيرا إلى أنه يملك الخبرة أيضا في العلاج الشعبي كالصفد وعلاج فتق الرأس وعلاج الأبهر والانزلاق الغضروفي. واتضح من خلال تحقيق "الاقتصادية"، أن ممارسة الحجامة بطرق سرية وبمقابل مادي لم تقتصر على المقيمين، حيث يعرض عدد من السعوديين في مواقع التواصل الاجتماعي القيام بهذه الخدمات، بمبالغ ولكنها أعلى من تلك التي يطلبها المقيمون، وهناك من السعوديين من يعرض خدمات الحجامة للنساء والرجال، حيث يقوم هو بإجرائها للرجل، فيما تقوم زوجته بعمل الحجامة للمرأة.
"الحجامة المنزلية" هي أيضا طريقة جديدة لممارسة الحجامة العشوائية وغير المرخصة، حيث يمكنك بسهولة بعد البحث عبر مواقع التواصل الاجتماعي التواصل مع أحدهم وتحديد موعد ليقوم بزيارتك في المنزل وإجراء الحجامة، ولكن في هذه الحالة سيكون السعر أعلى.
أسعار الحجامة العشوائية
وتتفاوت أسعار الحجامة عند هذا النوع من المحال غير الرخصة، 150_300 ريال حسب مكان المراجعة إما من خلال الزيارات المنزلية أو غرف غير مجهزة في منازلهم، مع تعاون محال العطارة، أو من خلال غرف سرية في بعض محال العطارة مستغلين غياب الرقابة، والوعي الصحي لدى المواطنين، على الرغم من وجود مراكز متخصصة وذات كوادر طبية، ومرخصة من وزارة الصحة، ومركز الطب البديل وبأعلى الاشتراطات الصحية.
المختصون ينصحون
من جانبهم أكد المختصون لـ"الاقتصادية" أن عمل الحجامة من شخص غير مرخص فيه مخاطرة وقد يعرض كلا الطرفين لأمراض مستعصية، ويدخله في متاعب هو في غنى عنها.
ويقول الدكتور ماهر صيدم أخصائي الطب التكميلي والمعالج بالإبر الصينية المشرف العام للمركز العربي للحجامة إن المخاطر الرئيسة في الحجامة غير المرخصة عدم معرفة ما إذا كان مزاول الحجامة طبيبا أو ممارسا طبيا أو ليس له أي علاقة بالطب، والكثير من ممارسي الحجامة لا يراعون الوضع الطبي للمراجع، ويقوم بزيادة عدد الكاسات المخصصة لسحب الدم لأجل الكسب المادي ما يؤثر سلبا في صحة المراجع.
#2#
ويشدد الدكتور صيدم على أهمية توفير بيئة صحية جيدة للأماكن التي تتم فيها الحجامة من ناحية التعقيم والتطهير بغض النظر عن الأدوات ذات الاستخدام الواحد وطريقة التخلص من النفايات الطبية التي لابد أن تقوم بها شركات متخصصة في التخلص من تلك النفايات بشكل آمن. فيما قالت الدكتورة آلاء مازن مختصة الطب البديل والعلاج بالحجامة، إن المخاطر المترتبة على الحجامة العشوائية كبيرة، تجعل المحتجم عرضة للإصابة بالأمراض التي تنتقل عن طريق الدم، كالتهاب الكبد الوبائي، فيروس سي، وغيرها لعدم اتباع قواعد التعقيم الضرورية، وتعريض بعض المرضى للمخاطر كمرضى السكر بالتشريط العميق الذي قد ينتج عنه تلوث للجروح وترك العلامات بعد التئام الجرح. وأضافت إن أحد أهم الأسباب لانتشار ظاهرة الحجامة العشوائية عدم الوعي الكافي بخطورة الممارسات غير المرخصة، وقلة عدد المراكز المرخصة، ورخص أسعار الحجامة لدى العشوائيين، ويجب التوعية بمخاطر الحجامة العشوائية عن طريق وسائل الإعلام المختلفة.
وزارة الصحة تحذر
بدورها أكدت وزارة الصحة على لسان مشعل الربيعان متحدثها الرسمي، أن إجراء الحجامة في أماكن غير مرخصة أوعند ممارسين غير مرخصين يتسبب في عديد من المخاطر منها احتمال انتقال العدوى كفيروس نقص المناعة المكتسبة والتهاب الكبد الوبائي وتلوث الدم والأمراض الجلدية الناتجة عن الممارسة الخاطئة. وأضاف المركز الوطني للطب البديل والتكميلي وضع تنظيم لممارسة الحجامة تحت مسمى (ضوابط ممارسة الحجامة للممارسين والمؤسسات) وتم تدريب أكثر من 400 ممارس صحي ورخص لعدد 15 مركز حجامة موزعة على مناطق المملكة ويجري العمل على إنهاء أكثر من 30 طلبا للترخيص، كما يقوم المركز برصد الممارسين غير المرخصين ويتخذ الإجراءات النظامية تجاههم بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، ويحذر من الممارسات العشوائية باستمرار من خلال الوسائل المختلفة وذالك للحد من انتشار الحجامة العشوائية والحفاظ على صحة وسلامة المتعالجين بها.
وينصح المركز الجميع حال رغبتهم في الحجامة بعملها في المراكز المرخصة رسميا ولا يتعاملون مع الممارسين العشوائيين والإبلاغ عنهم حفاظا على الصحة والسلامة، مؤكدا أن المركز الوطني للطب التكميلي والبديل بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة يقوم باتخاذ الإجراءات النظامية بحق الممارسين غير المرخصين في حال رصدهم.