تقييم العقارات السكنية لغرض التمويل

في البداية، أشكر الهيئة السعودية للمقيمين المعتمدين "تقييم"؛ لحسن التنظيم والإدارة لمؤتمر واقع ومستقبل مهنة التقييم العقاري في المملكة، الذي أقيم خلال يومي الأربعاء والخميس الماضيين في الرياض، وأتمنى أن يتحول إلى فعالية دورية بنفس التنظيم والمستوى وبتحسن وتطوير أكبر بإذن الله، وحيث إن العمل البشري لا يخلو من الخطأ؛ لذا وجب التنبيه على بعض الملاحظات التي أرجو استحضارها من قبل المنظمين مستقبلا، وهي ضرورة إدارة الجلسات الحوارية من قبل المتخصصين والعارفين فيها حتى يخرج الحضور بأعلى فائدة ممكنة من خلال الأسئلة المتخصصة، التي تثري النقاش، وهذا ما افتقده الحضور في محور (تقييم الأراضي البيضاء وآلية تحديد رسومها)، حيث لم يتم توجيه الأسئلة المناسبة من قبل مدير الجلسة للضيوف وخاصة لمدير برنامج الرسوم، ولم يتم شرح آلية التقييم وتفاصيله بشكل يزيل اللبس والضبابية حوله، حتى يستطيع المقيم المهني أن يفهم الطريقة والأسلوب، ويستطيع نقدها واقتراح تطوير أسلوبها، ومع الأسف خرجنا من تلكم الجلسة بِحيرة أكبر، من المفترض أن يكون الطرح في الجلسة كفيلا بإزالتها، خاصة أن قرار مبالغ الرسوم للمرحلة الأولى سيتم إصداره خلال قرابة شهر من الآن، ولعل لي تعقيب مطول على التقييم لغرض رسوم الأراضي البيضاء في مقال قادم بإذن الله، وثاني الإشكالات هو غياب بعض الجهات المهمة مثل وزارة العدل عن المشهد، وهي التي تملك الكثير من الإجابات حول المؤشرات العقارية والرهن العقاري والإفراغات وضبط حقوق الملكية، التي تعد مهمة للمقيم، وكنا نتمنى وجود ممثلين من قبلهم، وذلك لإثراء الحوار وسماع وجهة نظر العاملين في المجال العقاري ليخرجوا بدورهم بتوصيات مفيدة ومهمة لتطوير أداء إدارات وزارة العدل التي تتقاطع مهامها مع السوق العقارية.
أما ما يخص موضوع المقال الأساسي فهو الحديث عن طريقة تقييم الوحدات السكنية لغرض التمويل العقاري السكني، حيث يلاحظ أن الممارسة الموجودة في السعودية هي التقييم بطريقة التكلفة، وهي باختصار عملي تقوم على إيجاد قيمة الأرض مقارنة بالمبيعات المشابهة، ومع الأسف ففي ظل ضعف المعلومات خاصة قبل ظهور المؤشر العقاري من وزارة العدل، فإن العروض الموجودة تمثل للمقيم الأساس الذي ينطلق منه لحساب قيمة الأرض، ثم تضاف عليها قيمة البناء، ثم هامش ربح المطور ليخرج التقييم بهذه الصورة، ولكن إحدى الإشكالات المهمة هنا، التي أثرت في أسعار المساكن وجعلت أسعارها ترتفع بشكل سريع تماشيا مع الارتفاعات المتتالية لأسعار الأراضي، هو اعتماد طريقة التكلفة بدلا من طريقة المقارنة بالمبيعات المشابهة في إيجاد سعر الوحدة السكنية، فالمقيم في السعودية يستخدم طريقة التكلفة، وهي ممارسة لا تنتهجها الكثير من الدول المتقدمة، ومنها الولايات المتحدة، التي قدمت الهيئة السعودية للمقيمين المعتمدين مناهجها في التقييم العقاري بالتعاون مع معهد التقييم الأمريكي، فالأصل في تقييم الوحدات السكنية هو إيجاد مبيعات مشابهة لوحدات سكنية تمت خلال 3 إلى 6 أشهر مضت في المنطقة نفسها، ولها خصائص وسمات مشابهة للوحدة السكنية موضع التقييم، وبهذه الطريقة سيكون التقييم بناء على أسعار مبيعات حقيقية لوحدات سكنية مكتملة البناء، وذلك سيجنب المقيم وكذلك الممول اعتبار أسعار الأراضي الفضاء كأساس لقيمة الوحدة السكنية، التي من المعروف سهولة ممارسة المضاربة فيها بعكس الوحدات السكنية المكتملة، لذا نجد أن الأراضي قد تتقافز أسعارها بشكل كبير خلال فترات متقاربة، قد تصل إلى أيام خلال فترة قمة السوق في منطقة معينة، وقد لا يكون الحال نفسه للوحدات السكنية من خلال المبيعات المشابهة، و لذا فاستخدام طريقة التكلفة سيظلم طالب التمويل؛ لأنه سيتحمل ارتفاعات مضاربية في قيمة الأراضي قد لا تعكس نفس التحرك والنشاط الحاصل في الوحدات السكنية، وكذلك هناك ضرر على الممول بأن يمول وحدة سكنية تعكس ارتفاعات أسعار الأراضي وليس الوحدات السكنية المكتملة البناء، وهذا يعرض سوق العقار السكنية بأن تحيد عن أداء مهمتها الأساسية، وهي توفير المساكن بأسعار تتناسب مع دخل الأغلبية بسبب أسلوب التقييم الذي تعتمده جهات التمويل.
الخلاصة، قد يرى بعض الزملاء أن إيجاد قيمة الوحدات السكنية بالمبيعات المشابهة يعد أمرا بالغ الصعوبة خاصة مع ضعف البيانات والمعلومات، لكن ذلك لا يبرر الاستمرار بالطريقة الخاطئة، ولا بد من تكاتف جهود المقيمين المهنيين مع الممولين وكذلك الجهات التنظيمية مثل الهيئة السعودية للمقيمين المعتمدين ومؤسسة النقد لتبني أفضل الممارسات العالمية في مجال التقييم العقاري بشكل عام وتقييم العقار السكني لغرض التمويل بشكل خاص لضمان الاستقرار المالي من خلال ضبط ممارسات التمويل السكني وما يتعلق به من إجراءات، التي من أهمها عملية التقييم العقاري، التي تعد جزءا أساسيا في تقدير مخاطر الجهات التمويلية، ويبنى عليها اتخاذ قرار التمويل من عدمه في حال عدم توافق تقييم المقيمين مع السعر المطلوب من المالك، وبهذا سيضطر ملاك الوحدات السكنية إلى اتباع مؤشرات مبيعات الوحدات السكنية المكتملة بدلا من اعتبار مؤشرات أسعار الأراضي أساسا في تحديد سعر البيع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي