مسجد الإجابة .. لغز الاسم
مسجد الإجابة في مكة المكرمة من المساجد التي أجمع المؤرخون على أن النبي ــــ صلى الله عليه وسلم ــــ قد صلى فيه وهو واقع في مكة المكرمة وبالتحديد في حي المعابدة، ولم يذكر اسم المسجد صراحة بهذا الاسم عند المؤرخين المتقدمين كالأزرقي والفاكهي بل قاموا بتحديد مكانه وأشاروا إلى أن النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ يقال إنه صلى فيه كما أنهم لم يذكروا في أي وقت كانت صلاة النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ فيه وما هي الصلاة التي أدها به هل هي فريضة أم نافلة.
وقد كان يطلق على الموضع الواقع فيه المسجد في زمن الأزرقي بشعب آل قنفذ وقبل ذلك يسمى بشعب اللئام وهو المعروف اليوم بشعبة الإجابة نسبة إلى المسجد ويقع على يسار المتجه من منى إلى مكة المكرمة.
#2#
أما تسميته بالإجابة فلا يعرف سببها ومتى أطلقت عليه وقد وردت عند الفاسي (ت 823هـ) بعد ما وصفه بأنه خارج مكة المكرمة قرب ثنية أذاخر والسبب في ذلك هو انقطاع التدوين التاريخي لمكة المكرمة في الفترة الواقعة بين زمني الأزرقي في القرن الثالث والفاسي في القرن التاسع، وقد أدى هذا الانقطاع إلى عدم معرفة بداية ظهور المسمى وبالتأكيد فإن عدم معرفتنا بتاريخ المسمى يقودنا إلى عدم معرفة سبب التسمية.
وقد لقي المسجد في فترات معينة العناية والاهتمام من قبل الأمراء والسلاطين والمحسنين كونه من المساجد التي يذكر أن النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ قد صلى فيها كما أنه عانى أيضا في فترات أخرى الإهمال والانصراف عنه ويبدو أن مرد ذلك هو موقعه فهو يقع إلى زمن قريب خارج الحدود العمرانية لمكة المكرمة فلم تكن المعابدة إلى ما قبل قرن من الزمن متصلة بمكة المكرمة المدينة التي تنتهي حدودها العمرانية الشمالية الشرقية إلى مقبرة المعلا تقريبا علما أن المعابدة وبلا شك ضمن حدود الحرم المكي الشريف.
ومن الأخبار التي أشارت إلى حالته السيئة ما ذكره الفاسي بأنه مسجد متخرب متهدم الجدران وكذلك ما ذكره النهروالي (ت 988هـ) أنه عمِّر ثم تهدم كما أن محمد هيكل يصف حالته في عام 1355هـ بأنه غير جيد ويخلو من الفرش والاهتمام.
إلا أننا نجد أيضا النقيض من ذلك في فترات أخرى فيذكر الفاسي أنه وجد فيه حجر يؤرخ لعمارته عام 720هـ من قبل عبد الله بن محمد كما يوجد الآن في خارج المسجد وبالتحديد عند بابه الرئيس ثلاثة أحجار تؤرخ لعمارته في فترات أخرى. يشير الحجر الأول وهو بخلاف الحجر المذكور عند الفاسي إلى عمارته عام 898هـ وربما هي العمارة التي عناها النهروالي، بينما يؤرخ الحجر الثاني إلى عمارته بأمر السلطان أحمد عام 1124هـ. ويؤرخ الحجر الثالث إلى عمارته الأخيرة وهي القائمة الآن عام 1422هـ على نفقة إبراهيم بن عبد الله العنقري.
#3#
كما أن المسجد عمِّر أيضا في عام 1261هـ كما أشارت إلى ذلك الوثائق العثمانية المحفوظة في الأرشيف العثماني فتذكر إحدى الوثائق أنه عمر في ربيع الآخر عام 1261هـ، وقد بلغ مجموع عمارته 1697 قرشا و36 بارة ما بين 734 قرشا و12 قيمة الأجور و936 قرشا و24 بارة قيمة المشتريات وقد استخدم في عمارته الخشب الجاوي وخشب العرعر كذلك. وعمر أيضا في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز وبالتحديد في عام 1394هـ وقد بلغت مساحته في عمارة الملك فيصل 400 مترمربع، بينما وصلت مساحته في عمارته الأخيرة عام 1422هـ إلى 510 أمتارمربعة هذا مع العلم أنه مساحته قدرت في زمن الفاسي بـ 103 أمتارمربعة.
هذا وقد ذكر الأزرقي في القرن الثالث أن الحضارمة تنزل فيه في أيام الموسم، بينما استنكر الفاسي في القرن التاسع سبب زيارة الناس له في أول سبت من شهر ذي القعدة من كل عام. وقد أشار النهروالي في القرن العاشر إلى أن أبناء البادية ينزلون بالقرب المسجد وقد لقي منهم بعض العناية والاهتمام.