كيف نحمي صناعة التطوير العقاري؟
في مقال الأسبوع الماضي استعرضنا كيف يمكن للجهات الحكومية وسياساتها أن تدعم صناعة التطوير العقاري خاصة السكني منه، وتجعل منه استثمارا جاذبا للخبرات المحلية والدولية على حد سواء، لضخ المنتجات السكنية في السوق وتغطية الطلب المستقبلي للمساكن. لكن في المقابل كيف نحمي صناعة التطوير العقاري ونحفظ حقوق الأطراف المعنية في السوق بدءا من المطور المحترف، حيث لا يزاحمه في المجال من ليس لديه أدنى معرفة أو ذمة في تنفيذ مشاريع التطوير، وانتهاء بالمستخدم النهائي الذي يعتبر المشتري للوحدة السكنية، من أن يقع في غش وخداع الدخلاء على مجال التطوير، وبالتالي يتكبد المواطن الخسائر الكبيرة المادية والمعنوية.
تم استعراض الخطوات أو المراحل الأربع الأولى في عملية التطوير العقاري، التي تبدأ بالفكرة المبدئية للتأكد من حاجة السوق ونوعية المنتجات، ثم صقلها وتهذيبها لتتناسب مع معطيات السوق العقارية المستهدفة، ثم دراسة الجدوى التفصيلية، وأخيرا التفاوض مع الأطراف المعنية بعملية التطوير، ووضحنا باختصار كيف يمكن للجهات المعنية أن توفر بيئة استثمارية جاذبة وصحية لتنمية صناعة التطوير وتفعيل دورها، ومن هنا نستكمل المراحل، لنوضح كيف يمكن جذب الاستثمارات وكذلك حماية الأطراف المعنية خلال الخطوات المقبلة التي تعتبر بداية المرحلة العملية للتطوير على أرض الواقع، وتبدأ بالخطوة الخامسة وهي الالتزام النهائي مع الأطراف المعنية سواء المقاول أو الممول، واستخراج التصاريح الحكومية النهائية مثل البيع على الخريطة، ثم الخطوة السادسة وهي عملية الإنشاء التي تتطلب ضبط التكاليف لتكون قريبة أو متوافقة مع الميزانية التي تم افتراضها خلال مرحلة الدراسة، كما تبدأ عملية التسويق الاحترافي والبيع أو التأجير على الخريطة للمستخدمين الراغبين، وخلال هاتين الخطوتين ما يجب على الجهات المعنية وأولها وزارة الشؤون البلدية والقروية عمله هو ضمان جودة الإنشاءات والتأكد من سلامة البنية التحتية للمشروع في حال التطوير الشامل، والتثبت من أن كل مرحلة من مراحل الإنشاء تمت وفق معايير فنية واضحة لا تقبل اللبس أو التأويل، وألا يتم الانتقال من مرحلة إلى أخرى إلا بعد معاينة واختبارات فنية من جهات محايدة للتأكد من سلامة التنفيذ لتجنب أي إشكالات في الهيكل الإنشائي التي قد تؤدي إلى كوارث عند إهمالها ـــ لا قدر الله ـــ. وعند حصول الضرر يأتي دور الجهات القضائية لإنصاف أي مشتر تضرر من سوء تنفيذ المسكن، وهذه الإجراءات القضائية لا بد أن تتم بشكل سريع وحازم مع الجهات المنفذة، مع تعويضات مادية ومعنوية مجزية حتى لا يكون هناك أي تساهل مستقبلا في بناء وحدات سكنية لا تتوافق مع المعايير الفنية السليمة، وعند الجمع بين آلية مراقبة فعالة ومحايدة وكذلك آلية عقاب فعالة سنجد أن السوق ستبقى للمطورين المحترفين وستقضي على الدخلاء، وهذا بلا شك يعتبر مهما لبناء صناعة تطوير محترف ذي مصداقية وموثوقية من الأطراف التي تتعامل معه، وكذلك خلال مرحلة الإنشاء وفي حال كان البيع على الخريطة فمن المهم أن يحرص المطور على التواصل الفعال ليس فقط مع الجهات الرقابية، لكن مع المشترين كذلك، وأن تتأكد وزارة الإسكان أن هناك تقارير دورية للمشترين الذين حجزوا وحداتهم السكنية، ومن الجيد أن تتم جدولة زيارات ميدانية دورية لمن يرغب من المشترين عند انتهاء كل مرحلة إنشائية والبدء في أخرى، وذلك لتوثيق الأعمال وبث روح الطمأنينة والثقة بأن العمل يسير على قدم وساق وفقا للجدول الزمني وبأفضل المعايير الفنية، كذلك من المهم رفع مستوى الوعي لدى جهات التمويل المختلفة سواء صندوق التنمية العقارية أو الجهات الخاصة بأساليب تمويل المطورين وتفعيل هذا المجال المهم لتمكين صناعة التطوير، كما ينبغي أن تكون هناك آلية واضحة تحفظ حقوق الأطراف المعنية من ممول ومتمول عند البيع على الخريطة وألا يتحمل المتمول تكاليف تأخر أو تعثر المطور ـــ لا قدر الله.
في الخطوة السابعة يكون المشروع قد انتهى وتم إيصال الخدمات اللازمة من كهرباء وماء وغيرها للوحدات السكنية والتأكد من إنجازها واكتمالها لتسليمها للمشترين في حال البيع على الخريطة أو تسويقها بشكل احترافي ومكثف في حال الرغبة في استهداف المشترين المحتملين، ثم الخطوة الأخيرة وهي إدارة المرافق للمشاريع العقارية باحترافية تضمن استمراريتها وتحافظ على عمرها الاقتصادي أطول فترة ممكنة، وفي هذه الخطوات يأتي دور التعليم والتدريب المهني لوساطة العقار وتسويقه بشكل احترافي وكذلك لإدارة الأملاك والمرافق وفقا لأفضل الممارسات التي تضمن استدامة الخدمات وتطمئن المشتري بأن المجمعات السكنية ذات الخدمات المشتركة ستثمل قيمة مضافة وليس عبئا مستقبليا عليه.
الخلاصة، خطوات التطوير العقاري تحتاج إلى تفصيل وتحليل ممن يرسم سياسات السوق العقارية بشكل عام والسكنية بشكل خاص لتتبع مكامن المخاطر والفرص في كل خطوة ومحاولة استهدافها، ووضع الأنظمة ومراقبتها لتحسين صناعة التطوير العقاري والنهوض بها.