مؤسسة النقد .. والعقار السكني
من الجيد أن نبدأ بسؤال وهو، لماذا يجب على مؤسسة النقد بشكل عام أن تتابع سوق العقار السكني وتترقب تحركاتها؟ هناك ثلاثة أسباب رئيسة تجعل البنوك المركزية تقلق على سوق العقار السكني وفقا لستيفن جيرلك نائب محافظ البنك المركزي الإيرلندي، أولها، أن سوق المساكن ترتبط بسلسلة من النشاطات التي تؤثر على الاقتصاد بشكل عام، ولأن الأغلبية من الراغبين في التملك سيحصلون على تمويل سكني، لذلك اتباع سياسات تحوطية يضيق المجال للحصول على تمويل ما يؤدي إلى انخفاض الطلب على المساكن وانخفاض أسعارها وضعف نشاط التطوير والبناء السكني، ثانيا، يعد الالتزام بتمويل سكني أحد أهم وأكبر الالتزامات لأي أسرة، لذلك كان من المهم متابعة استدامة سوق العقار السكني وتوافقها مع ظروف الأسر ودخلها بحيث لا تتأثر بارتفاعات كبيرة تؤثر على جودة حياة الأسر وكذلك لا يمكن المغامرة برفع تكاليف التمويل حتى لا يزيد التعثر، وبالتالي تتأثر الأسر وكذلك يضطرب النظام المالي ولا سيما الجهات المنخرطة في التمويل العقاري، ولذلك البنوك المركزية لديها واجب يتمثل في فرض سياسات التحوط الكلية والجزئية حتى تحمي المستهلك وكذلك النظام المالي والمصرفي، ثالثا، لا بد من الاستفادة من الدروس خلال الأزمة المالية التي كانت أحد مسبباتها التوسع في الائتمان المصرفي الموجه للقطاع العقاري دون النظر في محركات السوق وأساسياتها التي كانت بعيدة كل البعد عما حصل خلال فترة قبل أزمة عام 2008 بسبب المضاربات في السوق العقارية والتوسع في السوق الثانوية، ولذلك كان لازما على البنوك المركزية أن تركز على مراقبة أسعار المساكن وكيفية تأثيرها على استقرار أسواق المال والتمويل.
قامت مؤسسة النقد في بداية كانون الثاني (يناير) الحالي بزيادة الحد الأقصى للتمويل العقاري الممنوح من البنوك والمصارف للمواطنين من 70 إلى 85 في المائة، أي أن اشتراط الدفعة الأولى للتمويل العقاري السكني عن طريق البنوك انخفض من 30 إلى 15 في المائة، كما أن القرار يشمل فقط المواطنين الذين يرغبون في تملك المسكن الأول، ما يعني استبعاد الأجانب والراغبين في شراء سكن ثانٍ لأي غرض استثماري أو شخصي، والمبدأ الأساسي من الحد الأقصى للتمويل السكني يتمثل في تخفيف الضغوطات على سوق التمويل السكني، ومحاولة تعزيز محفظة الإقراض العقاري للمصارف، حيث يبقى المسكن محافظا على قيمته الذي يعد هو الضمان الأساسي للتمويل خلال فترة السداد وعند حاجة الممول لاستعادة أموال التمويل عند تعثر السداد، ولذلك فإن أداة الحد الأقصى للتمويل أو ما يعرف بمعدل قيمة العقار إلى مبلغ التمويل Loan to Value تعد من أدوات التحوط الموجهة نحو القطاع العقاري السكني أو التجاري، لأن الأدوات الأخرى مثل رفع معدل الفائدة على التمويل قد تضر قطاعات أخرى، بينما هذه الأداة إضافة إلى أداة معدل الاستقطاع من الدخل الشهري تعد موجهة للقطاع العقاري السكني بشكل مخصص، وقد أثبتت الدراسات التجريبية أهمية هذه الإدارة خلال فقاعات عقارية سابقة خاصة في نهاية التسعينيات التي حدثت لعدة أسواق آسيوية وأهمها سوق هونج كونج العقارية، ولذا فإن هذه الأداة غالبا ما تستخدم خلال توقع الفقاعة في سوق العقار السكني بالذات، وهذا ما حدث فعليا في سوقنا السعودية، حيث بدأت الأسعار منذ منتصف عام 2015 بالنزول التدريجي، وقد تصدرت الأراضي هذا النزول بنسب تراوحت بين المناطق داخل المدينة الواحدة وفقا لتوافر البنية التحتية والخدمات وكذلك نسبة الأراضي من ذلك الحي مقارنة بالوحدات السكنية المكتملة، وبهذا نعلم أن سياسة تحوط مؤسسة النقد في عام 2014 كانت في محلها، لكيلا تزيد من المشكلة، مع العلم بأن أغلب جهات التمويل كانت تمول حتى 90 في المائة، بل في بعض الحالات 95 في المائة من قيمة المساكن، ولذلك ما زلنا في طور التحوط لأن النسبة 85 في المائة، وقد كان التعليل الذي صدر من مؤسسة النقد بأنه تبين لها تطور البيئة النظامية والرقابية المصاحبة للتمويل العقاري، ما يعزز من مستويات الحماية من المخاطر المصاحبة لهذا النوع من التمويل بما يحقق المحافظة على حقوق أطراف العلاقة وثقة المتعاملين في التمويل العقاري، لذلك السؤال المهم هل انتفت الحاجة إلى استخدام هذه الأداة ووصلت الأسعار إلى مستويات مطمئنة، حيث إن التوسع في التمويل حاليا لن يؤثر على المتمول والممول، لا شك أن هذا السؤال بحاجة إلى إجابة مفصلة تدخل فيها مؤشرات اقتصادية كلية تؤثر على السوق السكنية، وكذلك مؤشرات جزئية خاصة بالعقار السكني مثل مؤشر سعري دقيق وهو ليس متوافرا حتى الآن حسب المعلن، وكذلك معرفة تفاصيل حجم طلبات التمويل وتكاليفها ونسب التعثر وأسبابها التي أتمنى أن تضاف لتقرير الاستقرار المالي السنوي لمؤسسة النقد وكذلك للتقارير الإحصائية الدورية ربع السنوية.
الخلاصة، ما زال في يد مؤسسة النقد بعض الأدوات والإجراءات لضبط سوق التمويل السكني، ومن أهمها تحديد نسبة الاستقطاع من الدخل بحيث لا يثقل كاهل رب الأسرة الذي سيواجه رفع الدعم خلال أشهر، وكذلك ضبط عمليات التقييم العقاري التي تعتمد عليها جهات التمويل، بحيث تعتمد على المبيعات المشابهة لوحدات سكنية وليس أسعار الأراضي المتذبذبة التي تعاني المضاربات دائما.