دار التوحيد .. باكورة مشاريع المؤسس للتعليم
عمد الملك عبد العزيز بعد إنشاء مدارس المرحلة التحضيرية والمرحلة الابتدائية إلى افتتاح المدارس الثانوية لتكون الوجهة لخريجي المرحلة الابتدائية ومن تلك المدارس الثانوية مدرسة دار التوحيد بالطائف.
فقد أمر الملك عبد العزيز بإنشاء دار التوحيد بالطائف سنة 1364هـ فكلف يوسف ياسين مدير الشعبة السياسية في ذلك الوقت بوضع الخطط العامة للدار وإسناد مهمة رئاستها إلى من يرى فيه الكفاءة كما أمر بربط الدار بالشعبة السياسية مباشرة ولم يستمر ربطها بالشعبة السياسية طويلا حيث نقلت مهمة الإشراف عليها إلى مديرية المعارف سنة 1366هـ مع إسناد رئاستها إلى مدير المديرية العامة إضافة إلى عملها وتعيين معاونين له في إدارتها المباشرة لانشغال مدير مديرية المعارف بمهامه ووجوده بصفة دائمة بمكة المكرمة حيث مقر المديرية.
واستمدت المدرسة تسميتها التوحيد من العقيدة الإسلامية السلفية التي سعى الملك عبد العزيز بكل الإمكانات لتطبيقها وهي إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة وذلك لإزالة ما قد يعتري فكر أولياء الأمور من خوف ووحشة التعليم النظامي وللإيحاء كذلك بأن التعليم يسير وفق النهج الصحيح للدين.
وهدفت دار التوحيد في نشأتها إلى تعليم الطلاب أصول العقيدة الإسلامية واللغة العربية لتهيئة الملتحقين بها لشغل وظائف القضاء والدعوة والإرشاد وما يدل على ذلك افتتاح كلية الشريعة في مكة المكرمة سنة 1369هـ الموافق لتخرج أول دفعة من طلاب دار التوحيد.
واشترطت دار التوحيد في بداية أمرها على الراغبين بالالتحاق بها أن يكونوا حاصلين على الشهادة الابتدائية كما سمحت بقبول الطلاب الذين درسوا في الحلقات العلمية على أن يجتازوا فصلا دراسيا وضع لهم ليعادل الشهادة الابتدائية.
وتميزت دار التوحيد عن سائر المدارس الأخرى بعدة مميزات جعلت منها قبلة لطلاب العلم وهدف يطمحون إليه ومن تلك المميزات الممنوحة للدار وجود سكن خاص للطلاب العزاب مع تأمين الإعاشة لهم على أن يصرف بدل سكن للطلاب المتزوجين وقد بقي هذا الأمر ملازما للدار حتى سنة 1373هـ وقد ساعد وجود السكن في إقبال الطلاب على الدار من مختلف المدن السعودية كنجد وعسير والإحساء فلم تقتصر الدار على سكان الطائف وما حولها فقط كما تكفلت الدار بصرف مكافأة للطلاب تقلبت مع تقلب الأحوال الاقتصادية للبلاد فتارة تنخفض وتارة ترتفع كما تم في السنتين الأولى للدار تأمين صرف ملابس لكل طالب هذا سوى المميزات الأخرى المشتركة مع المدارس الأخرى كاستقدام المعلمين الأكفاء وغيرها.
وتعد الفترة الثانية إن جاز لنا هذا التحقيب الزمني هي الفترة الذهبية للدار وتبدأ الفترة الثانية مع قرار إسناد إدارتها إلى مدير مديرية المعارف سنة 1366هـ وهو في تلك الفترة الشيخ محمد بن مانع فقد قام الشيخ محمد بن مانع بعمل العديد من الإصلاحات في مختلف أنظمة الدار كإلزام الملتحقين بالدار بالحصول على الشهادة الابتدائية كما قام بوضع مناهج موحدة وقد وضع لكل سنة من السنوات الخمس الدراسية 34 حصة أسبوعية وقر مواد: القرآن الكريم والتفسير وعلوم القرآن والحديث والتوحيد والفقه وأصول الفقه والفرائض والنحو والصرف والمطالعة والأدب والبلاغة والإنشاء والعروض والإملاء والتاريخ مواد إلزامية للمراحل الخمس للدار هذا وقد أضيفت وحذفت بعض المواد في الفترات اللاحقة كإضافة مواد مصطلح الحديث والجغرافيا والحساب والصحة والعلوم العامة وعلم النفس العام وغيرها لها.
و للإمكانات المتاحة في ذلك الوقت لم تظفر دار التوحيد بمبنى مستقل مخصص رسمي لها فظلت تنتقل من مبنى لآخر وقد استقبل مبنى الشيخ حمد بن سليم في قروى أول دفعة لطلاب دار التوحيد وبالرغم من صغر مساحته إلا أنه كان هو المناسب في ذلك الوقت ويبلغ عرض المبنى ثمانية أمتار وطوله 30 مترا تقريبا خصص جزء منه للسكن والمعروف في ذلك الوقت باسم المهجع وجزء منه للإدارة والدراسة ثم تم استئجار مبنى مجاور له خصص للسكن وتم تفريغ المبنى السابق للإدارة والدراسة فقط ثم لما قام الشيخ محمد سرور الصبان بزيارة الدار أهدى الدار قصر نجمة وبعد أن قام بالانتهاء من بناء القصر سلم للدار سنة 1379هـ.
ولطلاب دار التوحيد مشاركات فعالة على الصعيد الاجتماعي وكذلك الثقافي فقد أنشأوا ناديا أدبيا داخليا قاموا من خلاله في إحياء الحفلات الخطابية والمساجلات الشعرية وتقديم العروض المسرحية الفكاهية على أهالي الطائف في إجازة كل أسبوع كما أسهموا في تقديم بعض المواد الثقافية في البرامج الإذاعية.
وتعاقب على رئاسة الدار عديد من المشايخ الأفاضل فكان أول رئيس للدار هو الشيخ محمد بهجت البيطار ثم ابنه يسار محمد بهجت البيطار ثم عبد الرزاق الجذيري ثم أسندت رئاسة الدار سنة 1366هـ إلى الشيخ محمد بن مانع مدير مديرية المعارف في ذلك الوقت على أن يعين معاونين له في إدارة شؤونها ثم عين يحيى الشافعي رئيسا للدار سنة 1370هـ ثم الشيخ عبد المالك الطرابلسي ثم الأستاذ عبد الله الخزيم سنة 1375هـ الذي يعتبر أول مدير للدار من خريجيها.
كما قامت المديرية العامة باستقدام معلمين أكفاء للدار من مصر والشام كالشيخ عبدالرزاق عفيفي والشيخ محمد متولي الشعراوي والشيخ نسيب المجذوب بخلاف بعض العلماء النجديين الذين قاموا بالتدريس في الدار كالشيخ عبد الله الخليف والشيخ عبد الله المسعري.
ويذكر أن أبرز طلاب الدار في سنواتها الأولى الأديب عبد الله بن خميس وفهد المارك وغيرهما من الأفاضل الذين ساهموا في خدمة الدين والبلاد. ويروي فهد المارك أنه أشار على عبد الله بن خميس بالالتحاق بدار التوحيد، كما يذكر أنهما كانا متزوجين أثناء دراستهما بالدار، وأؤمن لهما مكافأة قدرت بـ 65 ريالا لعدم استفادتهما من السكن الخاص الممنوح للطلاب العزاب الملتحقين بالدار.