ترمب يوسّع النفوذ الأمريكي في آسيا بسياسة عزل الصين وتقريب اليابان

ترمب يوسّع النفوذ الأمريكي في آسيا بسياسة عزل الصين وتقريب اليابان
ترمب يوسّع النفوذ الأمريكي في آسيا بسياسة عزل الصين وتقريب اليابان

بغض النظر عن البيانات والتصريحات الصادرة في أعقاب القمة التي عقدت بين الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، فإن انعقادها بحد ذاته يحمل الكثير من الرسائل التي تكشف طبيعة الرؤية الاقتصادية للإدارة الأمريكية في المرحلة المقبلة.
فالقمة عقدت بعد أقل من شهر من تولي ترمب لسدة الحكم، وفي الحقيقة فإنها ثاني لقاء بين الرجلين في غضون شهر تقريبا، إذ سبق وأن التقى آبي بترمب في اجتماع غير رسمي في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وقبل أن يتولى الأخير الرئاسة الأمريكية رسميا بثلاثة أيام، وخرج رئيس الوزراء الياباني من اللقاء حينها ليصف ترمب بأنه: "زعيم جدير بالثقة".
وتأتي القمة أيضا رغم أن الرئيس الأمريكي لم يستوف عناصر إدارته بالكامل، كما أنها تعد ثاني قمة للرئيس ترمب مع أحد قادة العالم منذ أدى اليمين الدستورية سيدا للبيت الأبيض في العشرين من الشهر الماضي، فقد التقي في السابق برئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي.
وهذه العناصر مجتمعة، وغيرها تكشف الطبيعة الخاصة للعلاقة بين البلدين، وهو ما يدفع الدكتورة ماري سميث أستاذة العلاقات الدولية في جامعة جلاسكو إلى النظر إلى قمة ترمب– آبي باعتبارها تأكيدا أمريكيا للقيمة الاستراتيجية لليابان سواء في الشق السياسي في منطقة شرق آسيا، أو الاقتصادي كرافعة بديلة للصين لإنعاش الاقتصاد العالمي في المرحلة المقبلة.
وتضيف لـ "الاقتصادية"، أنه على الرغم من أن جميع حلفاء أمريكا – باستثناء المملكة المتحدة - تعرضوا لهجوم وانتقادات واسعة من ترمب خلال حملته الانتخابية، إلا أن طوكيو كانت من أقلهم تعرضا للهجوم، وحتى عندما فاز ترمب بالانتخابات الرئاسية، فإنه واصل انتقاده للجميع بما في ذلك اليابان، لكنه لم يكن شديد العدوانية مع طوكيو رغم أنه اتهمهما بالتلاعب في سعر الين، وهو ذات الاتهام الموجه للصين، ولكن مع اليابان كان أقل حدة وترك دائما مساحة للمناورة والتفاهم.
ويعني هذا من وجهة نظر الدكتورة ماري سميث أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستعول على الاقتصاد الياباني – ثالث أقوى اقتصاد في العالم – كإحدى الأوراق الرئيسة سواء للضغط على الاقتصاد الصيني مباشرة، أو أن تطرح طوكيو نفسها بديلا اقتصاديا للصين بالنسبة للعديد من بلدان شرق وجنوب آسيا وكذلك في إفريقيا، في محاولة لتقليص التمدد الاقتصادي الصيني عالميا.
بيد أن ثقة عديد من الخبراء بأن العلاقات الثنائية بين طوكيو وواشنطن ستحظى بأهمية خاصة لدى الإدارة الأمريكية الجديدة، لا ينفي قناعة البعض بأن هناك مجموعة من الملفات الشائكة بين الطرفين، يصعب في أقل تقدير الجزم بأنها ستجد حلولا عاجلة وسريعة، وهو ما يضع علامات استفهام حول إمكانية أن يمثل ذلك حجر عثرة في دفع تلك العلاقات للأمام.
ومن أبرز النقاط التي ستتناولها مباحثات المسؤولين في البلدين - حتى وإن لم يتطرق إليها الرئيس الأمريكي مع رئيس الوزراء الياباني بشكل مباشر - هو قناعة الإدارة الأمريكية بأن اليابان لا تساهم بشكل كافي في ميزانية الدفاع الأمريكية، وأن الجزء الأكبر من تكلفة القواعد الأمريكية في اليابان، لا يزال يقع على عاتق دافع الضرائب الأمريكي.
إلا أن لويس نيوصم الباحث الاقتصادي يشير لـ "الاقتصادية" إلى أن اليابان تتحمل حاليا 70 في المائة من التكلفة الاقتصادية للقوات الأمريكية المتواجدة على الأراضي اليابانية، وعلى الرغم من أن ترمب، دعا خلال حملته الانتخابية إلى أن تدفع طوكيو التكلفة 100 في المائة ، إلا أن هذا مستبعد.
وأضاف نيوصم أنه سيكون هناك مساحة للمناورة بين الطرفين، وفي الأغلب ستسفر عن زيادة مساهمة اليابان بحدود 80 - 85 في المائة، وسيتوقف الأمر على قدرة كل طرف على تحمل الضغط الذي سيمارسه الطرف الآخر عليه.
وفي الحقيقة، فإن الحكومة اليابانية قد قرأت المشهد الأمريكي الجديد بصورة برجماتية، فهي ترى أن الهدف الأساسي لإدارة ترمب هو زيادة معدلات التوظيف في الولايات المتحدة، وهذا تحديدا ما دفع شينزو آبي في أن يقدم لترمب حزمة من الاستثمارات تضمن توظيف نحو 700 ألف أمريكي.
وأشار نيوصم إلى أنه على الرغم من أن تلك الحزمة تشمل استثمار المليارات في العديد من القطاعات الاقتصادية الأمريكية، وخاصة في البنية الأساسية، فإن الرؤية الأمريكية لا تبدو شديدة الاندفاع في قبول تلك الحزمة، في ظل الانتقادات التي سبق وأن وجهها ترمب في إحدى تغريداته لـ "تويوتا"، رافضا أن تقوم الشركة اليابانية بتشييد المزيد من مصانع إنتاج السيارات في المكسيك وتصديرها للولايات المتحدة، مطالبا بأن تكون تلك المصانع في الأراضي الأمريكية، مهددا بأنه سيفرض رسوما جمركية باهظة على صادرات "تويوتا" من السيارات للأسواق الأمريكية.
ويوضح لـ "الاقتصادية"، إدوارد هاميلتون الخبير الاستثماري أن الحزمة الاستثمارية اليابانية تبلغ 150 مليار دولار على مدى عشر سنوات، وستتركز على خطوط السكك الحديدية، وستطول جميع القطاعات التي تتمتع فيها طوكيو بمزايا نسبية، لكن ترمب يمكن أن يفاجئ الجميع ويبدي على الأقل عدم حماسة للحزمة، أو حتى رفضه التام لها باعتبارها لا تكفي، فالإدارة الأمريكية يمكن أن تنظر إليها باعتبارها "رشوة" لغض الطرف عما تقول إنه سلوك ياباني متعمد للتلاعب في سعر صرف الين، وهو ما زاد الصادرات اليابانية على المستوى العالمي وخاصة للولايات المتحدة، وحقق للميزان التجاري الياباني فائضا ضخما.
ويضيف هاميلتون أنه بالنسبة لقضية التلاعب الياباني بسعر العملة، فإن هذا الأمر يصعب إنكاره، ولكنه نتيجة وليس سببا، فانخفاض الين يعود في جزء منه إلى سياسة التيسير الكمي، وشينزو آبي لن يستطيع التخلي عن تلك السياسة، فهي أحد أسلحته الرئيسية التي تشكل استراتيجية النمو التي يتبناها، والتي يجب أن تعمل واشنطن على تعزيزها، إذا كانت تريد من طوكيو أن تقوم بدور جوهري في التصدي للصين.
ومع هذا، تظل قضية الخلل التجاري الراهن بين طوكيو وواشنطن، قضية شائكة بين الطرفين، وخاصة في ظل إدارة تمتلك التفكير الاقتصادي لإدارة ترمب، فاليابان احتلت المرتبة الثانية بعد الصين العام الماضي كثاني أكبر مساهم في العجز الأمريكي في تجارة السلع، وذلك بعد أن كانت تحتل المرتبة الثالثة في عام 2015 بعد الصين وألمانيا.
وبينما تقلص العجز التجاري الأمريكي مع الصين من 367.173 مليار دولار إلى 347.038، وتراجع أيضا مع ألمانيا من 74.850 مليار دولار إلى 64.865 مليار دولار، فإنه يبدو تقريبا ثابتا مع اليابان، إذ انخفض بشكل طفيف للغاية من 68.938 إلى 68.922 مليار دولار.
وربما يزيد الشقة بين الطرفين أن انحياز الميزان التجاري بين البلدين لمصلحة اليابان، يأتي في الوقت الذي حققت في طوكيو العام الماضي، أول فائض في ميزانها التجاري منذ ست سنوات، ليكون فائضها التجاري مع الولايات المتحدة أكبر فائض تجاري تحققه مع أي دولة في العالم، وبسبب تلك الأرقام، صب ترمب غضبه على صناعة السيارات اليابانية وحملها مسؤولية هذا العجز.
ويقول لـ "الاقتصادية"، الدكتور مورجان إيدين أستاذ التجارة الخارجية في جامعة أكسفورد، إن الرئيس الأمريكي يتهم اليابان بوضع عقبات – بعيدا عن الرسوم الجمركية المرتفعة – أمام السيارات الأمريكية، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها مقارنة بنظيرتها اليابانية، ومن ثم عدم إقبال المستهلك الياباني عليها، فيما ينكر الجانب الياباني ذلك تماما، وهو ما يدفع بعض الشركات اليابانية وفي مقدمتها "تويوتا" للإعراب عن قلقها من إمكانية اندلاع نزاعات تجارية مع الولايات المتحدة.
ووسط تلك العلاقة المتداخلة بين الجانبين، يطرح بعض الأكاديميين تساؤلات حول القدرة الحقيقية لليابان على قيادة النظام الاقتصادي الآسيوي؟، وتنبع منطقية السؤال من أن أولى القرارات التي اتخذها الرئيس الأمريكي إثر توليه السلطة هو الانسحاب من اتفاقية الشراكة التجارية عبر المحيط الهادىء، مما قد يلقي على اليابان عبء مفاجئ لقيادة الاقتصاد الآسيوي في تلك المنطقة الحيوية من العالم.
وتشير لـ "الاقتصادية"، الدكتورة أنجيلا كارتر أستاذة اقتصاد شرق آسيا في جامعة شيفيلد، إلى أن القناعة السائدة في طوكيو هى أن هناك مبالغة بشأن وفاة اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، وعلى الرغم من أن قرار ترمب بالانسحاب منها مثل صفعة للدول المشاركة في الاتفاقية، فإن الواقع العملي بالنسبة لليابانيين هو أنه من دون مشاركة الولايات المتحدة في الاتفاقية فإنها ستفقد قوتها وزخمها، والمرجح أن يكون هناك حديث خاص وراء الأبواب المغلقة بين آبي وترمب بشأن البحث عن سبل جديدة لإحياء الاتفاقية.
وتستدرك كارتر قائلة:" إن قدرة اليابان بمفردها على قيادة الاقتصاد الآسيوي محل شك من قبل العديد من الخبراء، فالصين نجحت خلال السنوات الماضية ونتيجة معدلات النمو شديدة الارتفاع التي حققتها في العقدين والنصف الماضيين، نجحت في تشكيل شبكة قوية من العلاقات التجارية والمالية مع العديد من البلدان والمجموعات الآسيوية ومن أبرزها مجموعة آسيان، ولكي تحل اليابان محل الصين، لا بد أن يكون هناك رسالة أمريكية واضحة بلا لبس بأنها تدعم الخطوات اليابانية في هذا الاتجاه، فهذا يضمن لليابان التحرك بسلاسة أكبر في خضم الاضطرابات التي ستشهدها المنطقة، خاصة إذا ما خرجت التوترات التجارية والمالية بين طوكيو وواشنطن من نطاق الإعلام إلى الترجمة الفعلية على أرض الواقع.
وتعتقد كارتر أن اليابان في حاجة إلى الولايات المتحدة للقيام بقيادة آسيا اقتصاديا، لكن أيضا واشنطن في حاجة لموافقة طوكيو على القيام بهذا الدور، وهذا تحديدا سيكون مدخل آبي خلال لقاءه مع ترمب، فإذا أردت أن تكون طوكيو حائط الصد الأول في مواجهة الصين، فلا بد من تغيير نبرة خطابك الاقتصادي معنا.

الأكثر قراءة