السعوديون .. والإصلاح بالضحك
النقد الساخر فلسفة فكرية عميقة، والمعني بالسخرية النقد الذاتي أو الاجتماعي وخلافه. وقد برع السعوديون كثيرا في توظيف السخرية لدفع أجهزة الحكومة نحو التغيير والإصلاح والتطوير. وقد قرأت أخيرا تقريرا صحافيا حول لقاء لماجد الحقيل وزير الإسكان مع هيئة تحرير صحيفة "عكاظ" حول تطورات الإسكان، الذي قال خلاله للصحافيين ضاحكا، إنه كَرِهَ كلمة "فكر" من كثرة ما أساء البعض فهمها، وذلك بعد أن ورد في تصريح على لسانه أن مشكلة الإسكان في المملكة مشكلة "فكر"، وأصبح الجميع يرددها سخرية من الوزارة. طرح الوزير الشاب الحقيل هنا هو كمثال مر به أغلب المسؤولين بحسب تصريحاتهم أو قراراتهم. إذ لم ينج من نقد المجتمع السعودي الشاب الساخر والعميق أي وزير أو أمير أو خفير. ولا شك أن تجربة السعوديين في نقد الجهات والمسؤولين بالصيغة الراهنة، تستحق التوقف والدراسة، ولا سيما أن النقد الساخر لا يظهر سوى من نفس تعدت مرحلة النقد البسيط إلى المركب، أو من نفس متعبة أو سئمة. صحيح أن بعض النقد قد يتجاوز المعقول، إلا أن المجتمع يتعامل معه كعلاج. وهو بالفعل علاج ذو شقين، علاج للحل، وعلاج لتصريف الضغوط.
إذن الضحك أو السخرية شكل من أشكال الإصلاح والمقاومة والتعرية. إنه يتجاوز شكله السطحي إلى دراسة أحوال المجتمعات فيه. الكلمات المفتاحية الساخرة طوال عام لمجتمع ما كالسعودية تختصر أحداثه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. جرب أن تطلع على نكات السعوديين طوال السنوات الخمس الأخيرة، لقد فتحت هذه النكات مشاريع إصلاحية عميقة لتجاوز سطوتها، وغيرت وقاومت حتى أشكال التطرف والإرهاب. وهو، كمثال، أكثر سلاح يجعل المتطرفين يلقون بأسلحتهم أرضا في المرحلة الحالية، ولا سيما أن مقاومتها غير مجدية لأنها تحدث في أعماق التأثير النفسي للناس. تحويل المنقود إلى أداة للنقد الساخر عملية إسقاط غير مباشرة. وكانت «السوشيال ميديا» مسرحا هزليا وناقدا عميقا. النقد الساخر أو الهزلي محاولة جدية مجروحة لمواجهة العبث، وهو سلاح فتاك، بل أكثر فتكا من أي وسيلة أخرى للمقاومة.
لم يقتصر النقد الساخر من السعوديين على المسؤولين بل واجه التقاليد البالية والزيف والتطرف والإرهاب وحقوق المرأة وكل أشكال التخلف الاجتماعي.
السعوديون كجيل متجدد هم طوفان من التغيير لا يستهان به، الذي قد يصل إلى التنمر إذا لم يتلق تجاوبا. المقاومة بالضحك أو الكوميديا السوداء من قبل المواطنين تستخدم الوسائط الجديدة للإعلام كنوع من المساءلة. وقد أصبح السعوديون كأجيال متجددة أكثر جرأة بكثير على التغيير، والكوميديا أداة مهمة في إحداثه. ويبدو أن نمطية الأجيال متشابهة إلى حد كبير في العالم رغم اختلافات البنى الاجتماعية والسياسية وحتما الاقتصادية بين كل مجتمع أو بلد وآخر. فكل جيل له سمات عالمية رئيسة لكن مردها إلى تأثير الوضع الاقتصادي بشكل موضوعي. وجيل الطفرة قد يوصف بالجيل الصامت. وقد قرأت مرة تقريرا عن استفتاء أمريكي، وكان اللافت أن الجيل الشاب أكثر إيمانا بحاضر البلاد ومستقبلها مقارنة بجيل الطفرة وما يسمون الجيل الصامت. وهذا الجيل يسعى إلى التغيير بأدوات التكنولوجيا.