لقاء العلم مع الصناعة .. تحلية وكهرباء
في خطوة اقتصادية عملية صناعية رائعة دشن وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية بحضور الأمير الدكتور تركي بن سعود بن محمد رئيس مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، والأمير أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن محافظ الدرعية، محطة تحلية المياه المالحة بتقنية الامتصاص، ومصنع إنتاج وتجميع العواكس الكهربائية، وذلك في محطة أبحاث العيينة. ويغني عن هذا المشروع وجود هذه المؤسسات جميعا في هذا التدشين، فهذه وزارة الطاقة والصناعة، وهذه محافظة الدرعية، وهذه مؤسسة مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، وهذا مركز أبحاث العيينة. لقد مرت عقود طويلة ونحن نسعى إلى مثل هذه الإنجاز، وبغض النظر عن أهمية المشروع وعن تأثيره الاقتصادي المهم الذي سنشير إليه، إلا أن الخطوة الأولى بالاهتمام هي هذه الخطوة المهمة في تحول الأبحاث إلى مشاريع وصناعة وشركات وفي محافظات ستتحول إلى مدن صناعية إذا استمررنا في هذا النهج.
وكما أوضح وزير الطاقة عقب إطلاق المحطة والمصنع، فإن المشروعين يعدان تحالفا متميزا بين القطاعين الحكومي والخاص ومراكز الأبحاث لإيجاد مبادرات رائدة، ويمثلان نموذجا للحلول الذكية والمبتكرة لتنويع مصادر المياه والطاقة في المملكة، وترجمة فعلية لـ"رؤية المملكة 2030"، التي تضع الأولوية للابتكار وتقديم الحلول للمشكلات الوطنية الحالية والمستقبلية، إذاً فالمشروع يمثل نموذجا في الابتكار الناجح الذي يمكن تحويله إلى منتجات وطنية، فمحطة تحلية المياه تعد أول نموذج تطبيقي صناعي في العالم بسعة إنتاج 100 متر مكعب يوميا من المياه المحلاة، وجاءت نتيجة التعاون بين مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، وجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وشركة تقنية المياه المتقدمة، وشركة مداد. وهذا النوع من الابتكار نابع من الاحتياج الحقيقي للمملكة، سواء من ناحية المياه المحلاة أو من كونها تلائم أنظمة الامتصاص بالمواد الصلبة ADC المستخدمة بالمحطة في دول آسيا والشرق الأوسط، خاصة دول الخليج في مجالي تحلية المياه والتبريد والتكييف، حيث تعمل هذه الأنظمة بالحرارة الناتجة عن الطاقة الشمسية أو الحرارة المهدرة من محطات توليد الطاقة ومصافي النفط والغاز.
هذه المشروعات تمثل نموذجا ناجحا أيضا في مبادرات توطين التقنيات بالمملكة. فعلاوة على تعاون المؤسسات العلمية والبحثية مع القطاع الخاص فهناك أيضا عنصر التعاون من خارج المملكة ممثلا في الجانب السنغافوري لتطوير مثل هذه التقنيات، فصناعة العواكس الكهربائية مثال جيد للحاجة إلى نقل التقنية اللازمة لربط الطاقة الكهربائية المنتجة من الألواح الشمسية (الكهروضوئية) بالشبكة، حيث تبلغ قدرة مصنع إنتاج وتجميع العواكس الكهربائية 30 كيلو واط، ويمكن استخدامها في المجالات التجارية والحقول الشمسية، وهذه الصناعة مهمة جدا في المملكة التي تستهدف تقليص الاعتماد على النفط ورفع كفاءة استخدام الطاقة، ومن خلال هذه العواكس يمكن إيجاد مصادر متميزة للطاقة الكهربائية ومن ثم ربطها بالشبكة العامة، وقد تم اختيار مدينة العيينة لهذا المشروع؛ لأن لها معاني تاريخية مهمة فهي أول موقع أدخلت فيه الطاقة الشمسية، والبحث العلمي من 40 عاما، وتعد انطلاقا للطاقة المتجددة.
المشروعات تمثل فرصة كبيرة لإيجاد الوظائف للشباب، حيث يشغل مصنع إنتاج الألواح الشمسية الذي تم رفع طاقته الإنتاجية إلى 100 ميجاواط، بشكل آلي، مهندسون وفنيون سعوديون، كما أن مثل هذه المشروعات المهمة ستوجد فرص عمل موازية، وستعزز فرص التنمية في المنطقة، وتوجد مدينة صناعية جديدة ومهمة، لكن بقي أن نشير إلى أهمية ربط الجامعات المحلية في المنطقة بهذه المشروعات من خلال فتح تخصصات ومسارات داخل التخصصات الحالية من أجل دعم هذه التوجهات الابتكارية وبناء أجيال مستمرة من أبناء الوطن القادرين على العمل في هذه المصانع واستغلال الفرص التجارية التي ستنتج عنها من خلال إنشاء مؤسسات صغيرة ومتوسطة لهذه الأغراض.