الثقافة والترفيه .. أكبر من معرض وأصغر من كتاب

الثقافة والترفيه .. أكبر من معرض وأصغر من كتاب

يقام معرض الرياض للكتاب هذا العام وسط أجواء مختلفة جذريا. فلم يعد المعرض ذلك المتنفس الوحيد. الرياض عامرة بالفعاليات. وهيئة الترفيه ولدت تمشي على قدمين استثماريتين ثابتتين، إحداهما محلية والأخرى عالمية، محملة بالوعود الأسبوعية المدهشة، تاركة الحبو وتدرج المراحل الموسمي، حتى كتابة هذه الأسطر على الأقل لهيئة الثقافة المرتقبة. لذلك؛ الثقافة في دورة المعرفة قد تكون أصغر من كتاب، ولكنها في متعة الفعاليات وفائدتها أكبر من معرض، فالحياة المعرفية الحالمة والماتعة بين دفتي كتاب ورقي وعلى ظهر أريكة، تختلف اليوم شكلا ومضمونًا عن ثقافة الافتراض؛ المحمول بين دفتي حياة متسارعة ومتغيرة باستمرار.
و"معرض الكتاب" في هذا الإطار وخارجه أيضا، ليس "مكتبة كبيرة" كما قد يصفه البعض. بل ملعب ومهرجان كبير لا يمكن تصوره خاليا من لاعبيه ومن الجمهور؛ "تظاهرة ثقافية" بحسب الوصف الدارج و"مصنع ثقافة" بالتعبير المأمول. فالقارئ العادي كما المهتم لن يضجر داخل مكتبة خالية طالما أرواح الكتّاب المبثوثة في كتبهم تدعوه للمزيد. ولكنه حتما سيصاب بالوحشة في معرض تنقصه الحياة الثقافية الفاعلة والمؤثرة بحضور لاعبيها المهمين، كتابة ونشرا وقراءة. معرض يحرض على اللقاء والتعارف وعلى كثير من الأحاديث الجانبية في محفل تكمن قيمته الحقيقية في الإعلاء من مكانة الهامش على حساب المتن. على أمل أن نتخلص يوما من تعبير الصحف ووسائل الإعلام الشائع: ".. وعلى هامش المعرض أقيمت العديد من الفعاليات والبرامج الثقافية المصاحبة..".
لابد من استعادة معنى الكلمات، يقول الكاتب إدواردو جاليانو، وهذه هي مهمة الكاتب الأولى: أن يسهم في "تنظيف القاموس". وهذا لا يمكن أن يكون دون الإعلاء من شأن القارئ والبرامج والفعاليات الثقافية في معارض الكتاب وجعلها الأساس بينما كل ما يعرض حولها من كتب وقواميس وكلمات هو المصاحب. وصولا لحالة من التعادل الثقافي حيث الكاتب ليس في الحقيقة إلا قارئ؛ "قارئ استطاع الكتابة" وفقا لتعبير ألبرتو مانغويل.
عودا على بدء، يبقى أن وَجه المتعة ووِجهة الهدف اللذين يدعوان هذا المقال للجمع بين الثقافة والترفيه عبّر عنهما الكاتب القارئ خورخي بورخيس بقوله: "يجب أن تكون القراءة أحد أشكال السعادة الخالصة، ولذا فإني ألقي بوصيتي الأخيرة - التي لا أخطط لكتابتها- إلى جميع قرائي الحاليين والمستقبليين بأن يقرؤوا كثيرا ولا يغتروا بسمعة كاتب ما. اقرؤوا من أجل متعتكم ولأجل أن تسعدوا، فهذه هي الطريقة الوحيدة".

الأكثر قراءة