الاتجاه .. نحو سياحة المتاحف
رغم أن موارد السياحة كل لا يتجزأ إلا أن زيارة المتاحف تعد من أهم أماكن السياحة، ولذلك كما تتنافس الدول المتقدمة على بناء المدن الرياضية، فإنها تتنافس على بناء المتاحف الفارهة والعملاقة، وتسجل السياحة التي تستهدف زيارة المتاحف أهمية بالغة لدى المجتمعات الحديثة. ولكن من المؤسف أننا لا نُعنى في بلادنا ببناء المتاحف، على الرغم من أن المتاحف من الواجهات الحضارية المهمة للمشروع السياحي الذي تستهدف الدولة أن يكون أحد مشاريع تنويع مصادر الدخل الوطني.
لقد فرضت السياحة نفسها كلاعب مهم في تنمية الاقتصاد السعودي، بعد أن سجلت المملكة العربية السعودية أسماء أربعة أماكن في سجل قائمة التراث العالمي. من ناحية أخرى ارتفعت نسبة مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي إلى 7.2 في المائة، وهي نسبة عالية مقارنة بنسب قطاعات أخرى من قطاعات الاقتصاد الوطني، بمعنى أن السياحة تتقدم بخطوات واسعة نحو بناء مواردها، خاصة بالنسبة للسياحة الدينية، لوجود الحرمين الشريفين والأراضي المقدسة.
ولذلك فإن المتاحف تلعب دورا مهما في خريطة السياحة في المملكة، فالمتاحف ذاكرة الشعوب الحية التي تنشر التعليم والثقافة والوعي الحضاري في ربوع الأمة، وهي واجهة حضارية ودليل سياحي للزوار والسياح الذين يتسابقون لأداء الشعائر الدينية.
ورغم أن المتاحف الخاصة والعامة كثيرة العدد متناثرة هنا وهناك في مدن المملكة، إلا أن بناء المتاحف في البلاد التي شع منها نور الحضارات القديمة وشع منها نور الحضارة الإسلامية الخالدة ما زال ضعيفا، إن لم يكن شحيحا، فالمملكة العربية السعودية بما حباها الله من شعاع الحضارات الغابرة ومن نور الحضارة الإسلامية الخالدة في حاجة إلى بناء المتاحف العملاقة في كل مدينة من مدن المملكة على أسس فيها تميز فريد وفيها بناء شامخ لا يقل نضارة ووجاهة عن المدن الرياضية العملاقة.
بمعنى يجب أن نجعل المتاحف من المنشآت الأساسية في مشاريع وزارة الثقافة والإعلام ومشاريع الهيئة العامة للترفيه.
ولَكم أن تتصوروا أن السعودية بحجمها الكبير على مستوى العالم لا توجد فيها منشآت ثقافية، بينما تحتل المنشآت السياسية والرياضية والتعليمية والصحية والاجتماعية - بحمد الله - كل أرجاء مملكتنا الفتية.
إن ما يمثل المؤسسات الثقافية في بلادنا الآن هي الأندية الأدبية وجمعية الفنون وجمعية الطوابع، والمفروض أن تكون هناك صروح للثقافة وبيوت ومنابر ومتاحف ومؤسسات تعنى بكل فنون الحياة ابتداء من الفن التشكيلي حتى السينما والمسرح وبناء المتاحف الوطنية الكبرى، وتجليل الآثار لا استنكارها أو (استهبالها)، وكذلك بناء الأكاديميات والمعاهد العليا لتخريج كوادر الفنون وكوادر السينما والمسرح والآثار.
في المجال الرياضي نتحدث بكل فخر عن المنشآت الرياضية التي نفذتها الحكومة بنجاح منقطع النظير في كل المناطق، ولدينا منشآت جامعية ومنشآت مدرسية ومنشآت حكومية ضخمة في كل التخصصات إلا في الثقافة، وليست لدينا منشآت ثقافية، أيضا ليست لدينا متاحف إسلامية وطنية كبرى في مناطق مختلفة من المدن السعودية على الرغم من أننا البلد الذي شع منه نور الإسلام الحنيف، وفيه كل الآثار الإسلامية الجليلة التي أهدرنا ــ للآسف الشديد ــ الكثير منها، وليست لدينا مكتبات مركزية عامة في المدن السعودية.
حقيقة، نحن في أمس الحاجة إلى مراجعة شاملة لمفهوم الثقافة، وأتمنى أن نعلن عن مشروع للثقافة يحمل شعار مشروع خادم الحرمين الشريفين للثقافة الوطنية، لأننا في حاجة إلى بناء مؤسسات وطنية ثقافية تقوم بدور واضح في وضع وتصميم برامج التنمية الثقافية، ويجب أن نشهر اعترافنا بالثقافة ودورها. أما أن نضع معظم أنشطة الثقافة في مرمى الاستنكار والرفض، بينما العالم كله يجلل الثقافة وينميها وينشرها في ربوع البلاد، دون إقصاء أو انتقائية، فإن هذا ما يجب أن نعيد التفكير فيه.
إذن لا تثريب على وزارة الثقافة والإعلام أن تباشر من الآن بناء متاحف إسلامية وطنية في المدن الرئيسة من مملكتنا الغالية، وبالذات في المدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وفي العاصمة الرياض التي اعترفت «اليونسكو» بآثارها الحضارية المبهرة، وفي جدة، والأحساء وخيبر والعلا آثار وآثار حان الوقت أن نعلن احترامنا لها، وغير ذلك من المدن السعودية التي شهدت الكثير من الحضارات القديمة الغابرة.
إذا كنا نسلم بأن التنمية المتوازنة هي عمل مشترك من كل مؤسسات المجتمع، فإننا نستطيع القول إن دور المثقفين السعوديين في برامج التنمية ضعيف وهزيل.
والسبب الرئيس لغياب دور المثقفين في التنمية أن المؤسسات الثقافية في المملكة ما زالت هشة وضعيفة، ولا توجد مؤسسات ثقافية يمكن أن نعتبرها مساهمة بفعالية في التنمية.
إن المجتمع يجب أن يتوازن، وحتى يتوازن فلابد أن يأخذ بالخطط التنموية الشاملة في كل مجالات حياته، في مجالات الاقتصاد، والثقافة، والسياسة، والرياضة. أما أن نهتم بمحاربة الفقر اقتصاديا، وننسى محاربة الفقر ثقافيا، فهذا مأخذ نؤاخذ عليه، ولن تكون في بلادنا تنمية متوازنة إلا إذا نفذنا مشاريع التنمية في جميع المجالات.
وإذا كنا نَصُفُ المملكة جنبا إلى جنب مع الدول الناشئة، فإنه يجب أن تكون لها مؤسسات ثقافية بحجم عظمتها وكبرها ودورها الحديث، ونعلم جيدا أن كل الدول العظمى لها مؤسسات ثقافية مبهرة، ولها متاحف ولها مكتبات مركزية عامة مزودة بكل أنواع الكتب دون منع أو إقصاء، ولها دور للسينما، ولها دور للأوبرا، ولها دور للمسرح، ولها بيوت للثقافة، ولها كليات ومعاهد عليا لنشر الثقافة في ربوع البلاد. وهنا أتساءل إلى متى نبقى من دون منارات ثقافية، وإلى متى نقبل كل أشكال وألوان استنكار الفنون المعبرة عن الحضارة الإنسانية.
إن بناء المنشآت الثقافية الوطنية الكبرى ــ كما بنينا وعمرنا المدن الرياضية الكبرى ــ سيغير من قناعات من كان يستنكر الكثير من أنشطة الثقافة. ويجب أن نتذكر أن الرياضة كانت في مرمى الاستنكار من كثير من فئات المجتمع، ولكن حينما بنينا المدن الرياضية والاستادات الرياضية انخرط الكل في تأييد ودعم النشاط الرياضي.
إننا نحتاج إلى تعريف الناس بأهمية الثقافة ودورها في بناء الأمة وتنوير الشباب "ولا ننسى أننا في عصر الشباب"، حتى يقتنع من يستنكر الثقافة بأهمية الثقافة بكل اتجاهاتها وآرائها ودورها في التوعية والتنوير وبناء الوطن.
أعود مرة أخرى وأؤكد أن سياحة المتاحف هي السياحة الأهم في بلادنا وهي السياحة الأنسب، لأن هذه البلاد هي بلاد الحضارات القديمة البائدة، وهي بلاد الدين الإسلامي الحنيف الذي شع نوره من بطاح مكة المكرمة ومن مأرز المدينة المنورة، ولذلك يجب أن نُعنى كثيرا ببناء المتاحف التي لا تقل شموخا وروعة عن المدن الرياضية التي نزورها بكل فخر في مناسباتنا الرياضية.