الخطوات الأولى لابتعاث السعوديين .. مدرسة في حي المسفلة
تعود فكرة إنشاء مدرسة تحضير البعثات إلى الأستاذ الفاضل محمد طاهر الدباغ مدير مديرية المعارف العامة عام 1355هـ، وقد هدفت الفكرة إلى إعداد الطلاب السعوديين للالتحاق بالجامعات والمعاهد العلمية خارج البلاد السعودية خصوصا في الجامعات المصرية لذا جاء المنهج المعتمد بمدرسة تحضير البعثات مشابها إلى حد ما المناهج المعتمدة في المدارس المصرية.
وقد تم افتتاح مدرسة تحضير البعثات في السابع من محرم 1356هـ، بعد أن كانت فكرة مطروحة من عام 1355هـ إلا أن بعض الظروف قد أخرت الافتتاح إلى بداية عام 1356هـ، وقد اشترطت المدرسة في بادئ أمرها للراغبين في الالتحاق بها أن يكون الطالب حاصلا على شهادة المعهد العلمي السعودي وأن يكون سعوديا وأن يتعهد بالخضوع لنظام الابتعاث وكذلك سمحت المدرسة للراغبين في الالتحاق بها من غير الحاصلين على شهادة المعهد العلمي أن يكونوا قد أتموا المرحلة الابتدائية والمتوسطة كما اشترطت المدرسة على جميع الراغبين في الالتحاق بها أن يجتازوا اختبار المقابلة الشخصية المقدم لهم من قبل المدرسة هذا وقد سمحت المدرسة فيما بعد وبالتحديد عام 1358هـ بقبول الطلاب الحاصلين على الشهادة الابتدائية فقط.
وقد كانت مدة الدراسة في بداية افتتاح المدرسة ثلاث سنوات ثم عدل النظام عام 1358هـ وأصبحت مدة الدراسة خمس سنوات على أن يدرس بها الطالب مواد اللغة العربية والحساب والرسم والتاريخ والفقه وتقويم البلدان والتوحيد واللغة الإنجليزية والصحة والمطالعة والجبر وسنن الكائنات والحديث والتفسير والهندسة والأحياء والزخرفة والكيمياء وخواص الأجسام والرسم النظري ثم عدل نظام الدراسة عام 1365هـ وأصبحت الدراسة في مدرسة تحضير البعثات ست سنوات وقسمت إلى مرحلتين وهما مرحلة الكفاءة ومدتها ثلاث سنوات ومرحلة الثانوية ومدتها ثلاث سنوات أيضا على أن يتخصص الطالب آخر سنتين منها بين العلوم الأدبية والعلوم العلمية.
وقد وجدت مدرسة تحضير البعثات الدعم اللازم لها من قبل الحكومة ومن ذلك أن خصصت لها ميزانية عام 1355هـ مبلغ 141200 قرش كما أقامت الحكومة لطلاب مدرسة تحضير البعثات قسما داخليا يستفيد منه الطلاب الملتحقون بالمدرسة من خارج مكة المكرمة وقد أنشئ هذا القسم في 23 جمادى الآخرة 1355هـ، وقد استفاد من هذا القسم في تلك السنة 14 طالبا من المدينة المنورة وجدة مع توفير سيارة البريد لهم لنقلهم من مدنهم إلى مكة المكرمة وإعفائهم من رسوم الكوشان كما أنشئ أيضا بالمدرسة معمل للمواد العلمية فقد نقلت في 14 المحرم 1356هـ بعض الأدوات من المدرسة الابتدائية في المدينة المنورة إلى مدرسة تحضير البعثات لتكوين المعمل العلمي بالمدرسة كما رصد مبلغ 150 جنيها مصريا لتأمين الأدوات الأخرى الخاصة بالمعمل.
افتتحت المدرسة في بداية عهدها في حي المسفلة ثم انتقلت سنة 1358هـ إلى قلعة جبل هندي بحي الشامية واستمرت إلى عام 1365هـ حيث نقلت إلى حي القشاشية بجوار المعهد العلمي السعودي ثم نقلت بعد أعمال التوسعة إلى حي الزاهر. والتحق بالمدرسة في أول سنة من افتتاحها 40 طالبا وزعوا على فصلين واستقدم لها ثلاثة معلمين من مصر اثنان لتدريس اللغة الإنجليزية والاجتماعيات والآخر لتدريس مادة الرياضيات والطبيعة والكيمياء إضافة إلى المعلمين السعوديين لتدريس اللغة العربية والتربية الإسلامية. وقد تولى إدارة مدرسة تحضير البعثات منذ إنشائها إلى إنشاء وزارة المعارف عام 1373هـ عدد من الأفاضل المربين الأجلاء وهم الأستاذ أحمد بن محمد العربي ثم إبراهيم نوري ثم إسحاق عزوز ثم أحمد العربي مرة أخرى وأخيرا عبدالله عبد المجيد البغدادي. ويقول سليمان الجودي في كتابه القيم الرائد الدور التربوي لمدرسة تحضير البعثات: "وفي سبيل الوصول إلى الأهداف المبتغاة من وراء إنشاء هذه المدرسة وإسهاما منها في بناء الأجيال المتعاقبة من الشباب السعودي المتعلم الناهض قامت هذه المدرسة منذ افتتاحها عام 1356هـ وحتى عام 1373هـ بتخريج عديد من الأفواج المؤهلة من الطلاب علميا وتربويا والتحقوا بمختلف التخصصات العلمية في المعاهد والكليات والجامعات خارج البلاد". ولعل من أبرز الطلاب الذين تخرجوا من مدرسة تحضير البعثات الدكتور حسن كامل وعبدالوهاب عبدالواسع وعباس حداوي وأحمد زكي يماني وعبدالرحمن بخش وناصر المنقور وحامد هرساني وغيرهم من الذين خدموا البلاد وأسهموا في نهضتها.