أولوية الحصول على الرعاية الصحية .. للمحتاج إليها أم للتأمين؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال لعلي أذكر القراء الكرام أنه قبل عام 1420هـ وقبل إقرار نظام الضمان الصحي التعاوني كان كثير من العاملين في القطاع الخاص من غير السعوديين يتلقون الرعاية الصحية عبر المستشفيات الحكومية. فمثلا كان وقتها 28 في المائة من المنومين في المستشفيات الحكومية غير سعوديين، بينما كان 56 في المائة من حالات التنويم في مستشفيات القطاع الخاص سعوديين، وغيرها من الأرقام التي كانت تدل على مزاحمة العاملين في القطاع الخاص من غير السعوديين للسعوديين في المستشفيات الحكومية. لذا كان أحد أهداف نظام الضمان الصحي التعاوني أنه سيساعد على تحويل غير السعوديين للمعالجة في القطاع الخاص، بينما يعطى السعوديين أولوية العلاج في المستشفيات الحكومية. وأذكر وقتها أننا دخلنا في نقاشات طويلة مع الدكتور عثمان الربيعة وكيل وزارة الصحة للتخطيط السابق حول دور النظام الصحي التعاوني في تخفيف العبء عن المستشفيات الحكومية. لكن وبسبب عدم وجود مستشفيات أو مستوصفات للقطاع الخاص في المدن الصغيرة في ذلك الوقت فقد تم السماح لبعض مستشفيات وزارة الصحة بتقديم الخدمات العلاجية في بعض المناطق التي تتميز بمحدودية سكانها وعدم توافر مستشفيات خاصة.
قبل فترة ليست بالبعيدة انضم أكثر من 100 مستشفى حكومي لشبكة مقدمي الرعاية الصحية لدى مجلس الضمان الصحي التعاوني والإعداد قابلة للزيادة مستقبلا. قد اتفق جزئيا على أنه من الممكن السماح لبعض مراكز الأعمال خصوصا في المدن الطرفية التي لا تتجاوز نسبة إشغالها 40 في المائة أو المناطق التي لا توجد فيها مستشفيات خاصة لكن لا شك أن التوسع في فتح مراكز الأعمال على مصراعيه خطة استراتيجية لأنها غيرت أحد أهداف نظام الضمان الصحي التكافلي الذي كان في أساسه يوجه حصول الرعاية الصحية لغير السعوديين في المستشفيات الخاصة. هذه الزيادة في أعداد المستشفيات الحكومية وفتح مزيد من مراكز الأعمال في المدن الرئيسة مكنت غير السعوديين ممن لديهم تأمين صحي من الحصول على الرعاية في المستشفيات الحكومية بصورة أسرع من السعوديين الذين ليس لديهم تأمين صحي. لذا أجد أن المعادلة انقلبت، فبدل أن تكون أولوية القطاع الصحي الحكومي توفير الرعاية الصحية للمواطنين خصوصا العاملين في القطاعات الحكومية، أصبح دورها إكمال دائرة تقديم الخدمات الصحية لمن لديهم تأمين صحي سواء سعوديين أو غير سعوديين، خصوصا أن القطاع الصحي الخاص يعاني ضعفا في تقديم الرعاية التخصصية بشكل عام والأورام بشكل خاص.
لذا آمل من وزير الصحة أن يعيد النظر في التوسع في إعداد المستشفيات المنظمة لشبكة الضمان الصحي التعاوني واعتبار الموقع الجغرافي ونسبه الإشغال كأحد أهم شروط الموافقة لأن التوسع الحالي أعطى انطباعا بأن أولوية العلاج ستصبح لمن لديهم تأمين صحي سواء من السعوديين أو غير السعوديين. وأخشى أن تؤدي هذه السياسة إلى أن تعود نسبة التنويم في أسرة المستشفيات الحكومية بغير السعوديين كما كان الوضع عليه قبل 1420هـ أو حتى نسبة زيارتهم للعيادات الخارجية. فحاليا أعداد أسرة المستشفيات الحكومية مقارنة بعدد السكان محدود جدا ولا يتجاوز 2.2 لكل ألف من السكان كما أن عدد الأطباء أقل من 1 لكل ألف من السكان. هذه النسب متدنية جدا ليس عند مقارنتها بدول متقدمة كأمريكا وبريطانيا وألمانيا، بل حتى عند مقارنتها بدول مشابهة إن لم تكن أقل من دخل السعودية القومي كالبرتغال وإيطاليا وإسبانيا.
الجميل أن "رؤية المملكة 2030" وبرنامج التحول الوطني نصا على زيادة مشاركة القطاع الخاص إلى حدود 35 في المائة وهي نسبة معقولة جدا وتشجع الاستثمار مع القطاع الخاص. وقد سبق أن نشر مقال علمي نشرته في مجلةTHE INTERNATIONAL JOURNAL OF HEALTH PLANNING AND MANAGEMENT عام 2013 دعوت فيه إلى أهمية زيادة شراكة القطاع الصحي الخاص في تقديم الرعاية الصحية لأن نسبة مشاركة القطاع الصحي الخاص التي كانت في حدود 20 في المائة لا تتناسب مع الشريحة التي تتلقى الرعاية الصحية عبر القطاع الخاص ودعوت وقتها أن تكون في حدود 30 في المائة كحد أدنى. لكن مشاركة مقدمي الرعاية الصحية في تقديم الرعاية الصحية يواجهها عديد من العوائق والعلل آخرها سيطرة ثلاث شركات تأمين على 80 في المائة من السوق حسب تقرير مجال الضمان الصحي التعاوني المنشور عام 2015. هذه السيطرة من قبل ثلاث شركات تأمين أجبرت بعض مراكز العلاج، خصوصا الصغيرة منها، على القبول بمبالغ مالية زهيدة نظير توفير الرعاية الصحية للمؤمنين لدى تلك الشركات. ومع الأسف أن هذه المراكز أو المستشفيات الصغيرة لا تستطيع الشكوى خوفا من أن تخرج من شبكة شركات التأمين التي لها نصيب الأسد من سوق التأمين الصحي. لذا فهذه المراكز أو المستشفيات العلاجية تضطر هي الأخرى للتلاعب وتقليل تكلفتها على حساب جودة الخدمات.
لذا فإن مجلس المنافسة في وزارة الصحة بحاجة إلى تحرير السوق من سيطرة السوق التأمينية من قبل عدد محدود من شركات التأمين، تؤثر هذه السيطرة في مفهوم المنافسة وتحرير الأسعار وتشجيع الاستثمار في سوق تجاوزت 18 مليارا عام 2015. كما أن سوق التأمين بشكل عام المقدرة بـ 36 مليارا في حاجة إلى أن تؤسس لها هيئة وطنية تضبط الخلل الموجود حاليا بسبب تداخل الصلاحية بين مجلس الضمان الصحي التعاوني ومؤسسة النقد كما سبق أن دعوت إلى ذلك من قبل أكثر من ثلاث سنوات.
ختاما أجدد دعوتي لوزير الصحة بإيقاف زيادة حصة من لديهم تأمين من أسرة المستشفيات الحكومية لأننا عمليا نقول إن أولوية العلاج لمن لديه تأمين صحي وليس لمن حالته الصحية تتطلب تدخلا علاجيا. أخشى أن نكون أمام مشكلة أخلاقية أن من يدفع لتلقي الرعاية الصحية سيتلقى الرعاية الصحية أسرع ممن ليس لديه تأمين صحي. الإنسان لا يختار أن يمرض حتى يتحمل نتائج مرضه، لذا فتلقي الرعاية الصحية يجب أن يبقى وفقا للاحتياج الصحي وليس القدرة على الدفع أو وجود تأمين صحي من عدمه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي