«حزب الله» .. وسقوط الخطاب «المقدس»
النصر الإلهي.. إسرائيل والمقاومة.. الخطب الرنانة.. كما الربط المقدس التاريخي في الذهنية الجماعية.. هكذا دمغ "حزب الله" الميليشيا وأهداف المقاومة وحتى شخصه. عزز ذلك حرب صيف 2006 مع إسرائيل حين اكتسحت شعبية الحزب الوسط العربي عامة. حتى جاءت سورية والانتحار الجماعي الكبير، وهي التي غيرت استراتيجيات وخطاب الحزب وزعيمه حسن نصر الله. هنا خصص الحزب معظم ميزانيته للعمليات العسكرية هناك. غابت أولوية الحزب المعلنة وتحول إلى ماكينة لشحن جثث المقاتلين من سورية إلى الضاحية بصمت. هم المقاتلون الشباب الذين يذهبون كمؤجرين بإغراء المال والمنافع. ولا سيما وتغير سياسة «حزب الله» السابقة في الدعم الاجتماعي للضاحية وتحول الدعم إلى عسكرة واضحة ونزيف اقتصادي. هذه العسكرة أيضا حملت معها مزيدا من جرعات الطائفية بانعكاسات عزل شيعة لبنان عن واقعهم العربي تحت مسمى "ولاية الفقيه".
ومع السنوات، لم يعد للحرب السورية أي معنى، سوى مصالح إيران للسيطرة على المنطقة. وليس سوى من خلال ميليشياتها التابعة مثل "حزب الله" و"وحدات الحشد الشعبي" العراقية وميليشيات شيعية أخرى باكستانية وأفغانية تسمى "الفاطميين"، وهي جميعها تحت إمرة "الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني. أما المهمة السورية فهي حماية "سورية المفيدة". وهي معبر جغرافي ممتد يربط دمشق ولبنان والعراق بطهران. ويشكل هذا الربط الطويل مشروع هيمنة ونفوذ عسكري إيراني في عمق المنطقة العربية. وهنا الانتحار الكبير الذي أسقط الخطاب المقدس إلى غير رجعة. مترافقا والهياج الطائفي والخسائر غير المنتهية في سورية مع عودة توابيت نحو ألفين من النخب والمقاتلين وأضعافهم من الجرحى والمعوقين. ما يعني أضعاف ما فقده الحزب مع إسرائيل والمقاومة. كل ذلك رفع وتيرة السؤال والصخب من الداخل نفسه أيضا للدفع بهم في معركة عبثية. ذلك أن لا شيء سيغير الواقع السوري ولو طال أمد الحرب وفرغت الضاحية من شبابها.
قبل أيام، نشر خبر عن تخطيط المغرب لترحيل رجل أعمال لبناني يدعى قاسم تاج الدين إلى الولايات المتحدة، وذلك بسبب علاقات مالية تربطه بـ "حزب الله"، عوضا عن تصنيفه من قبل "وزارة الخزانة الأمريكية" على لائحة الإرهاب، كما طلبت وزارة العدل الأمريكية تسليمه. وهنا يبدو الموقف الأمريكي الجديد المتمثل في إدارة ترمب أكثر حسما في هذا الشأن. يأتي ذلك ورغبة واشنطن الجديدة في تقليص النفوذ الإيراني وإيقاف أدوات تهديدها أمن واستقرار المنطقة. وهو ما يجعل من حسم الأمر أيضا بشأن الميليشيات المهددة لاستقرار المنطقة مطلبا ملحا، الأمر الذي يبرز تساؤلات حول مستقبل "حزب الله" وسلاحه أكثر من أي وقت مضى. الوضع الروسي في سورية يقتصر على المعارك الجوية، وتسيطر الميليشيات التابعة لإيران على الأرض. وإيران لا يمكنها الاختلاف مع روسيا في ظروف صعبة مع إدارة أمريكية معادية صراحة لإيران. لذا فهي ليست أمام روسيا سوى الطالب النجيب المشغول بمصالحه وكراساته وأقلامه. لكن فرض انسحاب «حزب الله» من الأراضي السورية قد يقلب المعادلة، وإن حدث، فهو نهاية عمر الحزب. وهنا يمكن القول إن هذه الحرب غير المنتهية هي بمنزلة قضية وجود لا غير بالنسبة لـ «حزب الله»، وذلك لأن سقوط نظام الأسد يعني نهايته.