الذكاء الاصطناعي .. وتفاصيل مثيرة ليوم واحد من حياة صحفي عام 2027

الذكاء الاصطناعي .. وتفاصيل مثيرة ليوم واحد من حياة صحفي عام 2027

من شأن الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence تغيير حيثيات كثيرة في حياتنا المهنية، حيث يمكن لصحفي مستقبلاً وخلال يوم واحد فقط  القيام بما يستغرق اليوم أسابيع أو أشهر من العمل المتواصل من قبل فريق التحقيقات الصحفية. ولا يندرج ذلك في خانة الخيال العلمي، إلا أنه من المرجح أن يتجسد واقعًا خلال المستقبل القريب، وهو ما يظهره السيناريو التالي المفصل والمستوحى من حقيقة التقدم التكنولوجي الواقعي في دراسة حديثة أجرتها وكالة أسوشيتد برس.

فقد عقدت الوكالة خلال الأشهر القليلة الماضية اجتماعات مع العديد من قادة الذكاء الاصطناعي للحصول على تقرير شامل يشرح بالتفصيل تأثيره على الصحافة. وبحسب الدراسة سوف تنعم غرف الأخبار بحلول عام 2027 بمجموعة كبيرة من الأدوات القائمة على الذكاء الاصطناعي، وسيتمكن الصحفيون من دمج تلك التقنيات الذكية في عملهم اليومي بسلاسة مطلقة، كما ستصبح تقنيات الذكاء الاصطناعي قادرة على القيام بما هو أكثر بكثير من الموجود حالياً مثل توفير التقارير الإخبارية الآلية بحسب ما نقلت " البوابة العربية للأخبار والتقنية".

وسوف تسمح تقنيات الذكاء الاصطناعي للصحفيين بتحليل البيانات وتحديد الأنماط والاتجاهات من مصادر متعددة، ورؤية الأشياء التي لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، وتحويل البيانات والكلمات المنطوقة إلى نص وتحويل النص إلى صوت وفيديو، وفهم المشاعر، وتحليل المشاهد لتحديد العناصر والوجوه والنص والألوان وغيرها الكثير. وعندما يستخدم الصحفيون تلك الأدوات لإثراء عملية إعداد التقارير والكتابة والتحرير، يمكننا حينئذ أن نطلق على ذلك مسمى الصحافة المعززة Augmented Journalism.

ولا تختلف الموجة القادمة من الابتكار التكنولوجي عن أي موجة سابقة، ويبقى النجاح معتمدًا على كيفية قيام الصحفيين البشر بتنفيذ واستعمال هذه الأدوات الجديدة، وبما أن الذكاء الاصطناعي من صنع الإنسان فإن كل الجوانب الأخلاقية والتحريرية والاقتصادية التي يتم أخذها بعين الاعتبار عند إنتاج محتوى إخباري تقليدي لا تزال مطبقة في العصر الجديد من الصحافة المعززة.

وفي نهاية المطاف، سيتمثل تأثير الذكاء الاصطناعي على الصحافة في حكاية حول كيفية تأقلم الصحفي البشري وعمله جنباً إلى جنب مع الآلات، ولتسخير تقنيات الذكاء الاصطناعي والاستفادة منها في صناعة الأخبار، فإن الخطوة الأولى هي فهم الطريقة التي يمكن فيها استخدام التكنولوجيا واستغلالها في إعداد غرفة الأخبار. مجلة كولومبيا جورناليزم ريفيو وضعت سيناريو وتصور لحيثيات يوم واحد في حياة صحفي بعد ١٠ سنوات من الآن.
إذا كيف ستكون تفاصيل يوم واحد في حياة صحفي بعد 10 سنوات (عام 2027)؟!

8 صباحًا:

يستقل صحفي مختص بالشؤون البيئية سيارة ذاتية القيادة للوصول إلى إلى غرفة الأخبار التي يعمل فيها، فجأة ترسل أجهزة استشعار لقياس جودة الهواء – كان قد وضعها مسبقًا في مدينة سبرينغفيلد (عاصمة ولاية إلينوي الأمريكية) – تنبيهًا إلى لوحة القيادة الذكية في السيارة يشير إلى اكتشاف وجود تحول في نسبة تلوث الهواء، حيث يظهر التنبيه انخفاض بنسبة 10 في المئة في جودة الهواء في سبرينغفيلد.

وقام الصحفي بتصميم هذا التنبيه بمساعدة عالم بيانات data scientist لتطوير نظام يغذي البيانات ويقدمها ضمن قالب أو صيغة محددة: “هناك [X] [زيادة / نقصان] في نوعية الهواء في [الموقع]”، ويعمل الصحفي عند رؤية التنبيه على إرسال زوج من الطائرات دون طيار مجهزة بأدوات لاختبار جودة المياه والهواء للتأكد من صحة التنبيه.

8:30 صباحًا:

حين يقترب الصحفي من الوصول إلى مركز الأخبار (مكان عمله)، يقوم جهاز حاسب يتتبع مواقع التواصل الإجتماعي بتنبيهه حول وجود تصاعد في الأحاديث عن موضوع تلوث الهواء والأطفال الذين يعانون من نوبات الربو في سبرينغفيلد، كما يكتشف الحاسب وجود نسبة عالية من المنشورات المتعلقة بالموضوع من قبل مجموعة من الأمهات.

ويتلقى الصحفي تنبيهاً ينص على ما يلي: “تعبر [الأمهات في سبرينغفيلد] عن [قلقهن] إزاء [تلوث الهواء] و[أطفالهن]”، ويمكن للحاسب استيعاب وفهم متى تكون المشاركات الفردية إيجابية أو سلبية، وفيما إذا كانت تشير إلى شخص أو مكان أو حدث، كما يمكنه الكشف عن أوجه التشابه بين مختلف المنشورات، وتحليل الاتجاهات من خلال كميات كبيرة من المحتوى الأقدم المنشورة على مواقع التواصل الإجتماعي.

9 صباحًا:

يصل الصحفي إلى مقر عمله ويطلب من جهاز الحاسب الخاص به عبر التحدث إليه أن يعرض النتائج الواردة من الطائرات بدون طيار التي أرسلها سابقًا لاختبار جودة المياه والهواء، ويقوم بإدخال البيانات ضمن إطار (نوع من جداول البيانات المعقدة) ويوجه برنامجاً لتحديد فيما إذا كانت الأرقام هي خارج النطاق الإحصائي المألوف.

وهكذا يتأكد الصحفي أن معدلات التلوث اليوم مرتفعة بشكل غير طبيعي مقارنة مع المعدلات السابقة، ثم يتواصل الصحفي عبر تويتر مع إحدى الأمهات اللواتي تحدثن عن تلوث الهواء ويطلب منها إجراء مقابلة في وقت لاحق من اليوم لمناقشة مخاوفها.

10 صباحًا:

ينقل الصحفي مجموعة من الصور من كمبيوتره إلى نظارة للواقع المعزز، ويحدد أن هناك انخفاض في الرؤية (مؤشر على ارتفاع التلوث) في منطقة حول مصنع شيد حديثاً في الأيام القليلة الماضية، وذلك اعتماداً على تطور مجال الرؤية الحاسوبية وتواجد مئات الصور المتوفرة.

واستطاع الصحفي الحصول على تلك الصور من خلال سلسلة من الكاميرات الروبوتية المنشورة في جميع أنحاء المنطقة، واستعمل تقنيات الرؤية الحاسوبية (خوارزمية قادرة على عرض وفهم الصور أو الفيديوهات مع دقة محسنة) لمقارنة صور المنطقة المحيطة بالمصنع بمرور الوقت.

11 صباحًا:

يقوم الصحفي بالبحث في السجلات العامة باستخدام مساعد آلي، ويستعمل أداة لتحليل النصوص مدعومة من قبل الذكاء الاصطناعي في سبيل الاطلاع على آلاف السجلات والتراخيص الحكومية، ويسلط المساعد الذكي الضوء على حالات السلوك الشائن والغرامات المسجلة وإلغاء التصاريح والنقد العام العلني والمشاكل القانونية.

ويكتشف الصحفي أن صاحب مصنع قد تم تغريمه سابقاً بسبب الغش في اختبارات الانبعاثات في مواقع أخرى، ويشتبه في أن الشيء نفسه قد حدث في سبرينغفيلد، ويتصل بشركة العلاقات العامة التي تمثل صاحب المصنع للحصول على توضيح، ويشتبه الصحفي بكون الشخص الذي تحدث قد يخفي شيئاً، حيث أظهرت تكنولوجيا تحليل صوت ولهجة الشخص على الهاتف بأنه “متردد” و”عصبي”.

12 ظهرًا:

يطلب الصحفي الجائع من خدمة توصيل الطعام المعتمدة على الذكاء الاصطناعي أن تقدم له توصيات حول وصفات طعام تعتمد على المكونات التي أدخلها، حيث يقوم النظام بتحليل الخواص الكيميائية لتلك المكونات ويوصي باستخدام الوصفة المثلى، وبعد عشرين دقيقة تسقط طائرة بدون طيار الطعام على منصة هبوط خاصة ممتدة خارج نافذة غرفة الأخبار.

1 مساء:

يطلب الصحفي الذي يتناول وجبة الغداء من مساعده الآلي تشغيل مجموعة أخرى من السجلات العامة، ويجد المساعد، من خلال سلسلة من شهادات الزواج والولادة وبيانات مواقع التواصل الإجتماعي، ملفات تشير إلى أن الرئيس التنفيذي للشركة المسؤولة عن بناء المصنع هو قريب من بعيد للمرأة التي أجرت اختبارات المصنع في سبرينغفيلد.

ويعمل الحاسب بفضل الخوارزمية التي يمكنها أن توفر معلومات ذات معنى بالاعتماد على السجلات العامة واستخلاص العلاقات بين عناصر النص، وتعتمد الخوارزمية على شيء يسمى معالجة اللغة الطبيعية، وهي تكنولوجيا تفهم النص وتعمل على استنتاج الصلة بين أماكن الناس والأشياء، ويمكن للصحفي في الوقت الحقيقي تصور شجرة العائلة الرقمية والعثور على الروابط بين الطرفين.

2 مساء:

يلبس الصحفي نظارة الواقع الافتراضي للتحكم بزوج من الطائرات بدون طيار ويرسلهم إلى المنطقة التي يحقق فيها، ليكتشف أن الأنبوب في المصنع ينقسم إلى قسمين وينقل نوعا ما من المواد إلى الهواء، كما يرى وجود نوع من الاحتجاجات هناك.

وتكشف الخوارزمية، التي تعمل على تحليل الفيديو المباشر الوراد من الطائرة بدون طيار، عن وجود كثافة بشرية وتلاحظ أن موظفي الأمن في المصنع يتركزون بشكل كبير في منطقة واحدة، كما يحدد الصحفي أنهم وضعوا حواجز حول جزء صغير من المجموعة الصناعية، وتقوده خريطة رقمية إلى استنتاج أن وراء هذه الحواجز يتواجد الأنبوب المنشطر.

ويعود الصحفي إلى سيارته ذاتية القيادة ويتوجه إلى المصنع للتحقيق شخصياً، ويمنعه الأمن من الاقتراب من الحاجز الذي يخفي تسرب المواد الكيميائية، ويخبره اثنان من عمال المصنع أنهم واجهوا صعوبة في التنفس منذ إرسال التنبيه ولا أحد منهم يتذكر رؤية مفتش منذ بدء تشغيل المصنع.

3 بعد الظهر:

يتوقف الصحفي في مقهى محلي خلال طريق العودة إلى المكتب للتحدث مع الأم التي كانت في نفس اليوم تنشر تغريدات عبر تويتر حول أطفالها الصغار والنوبة المفاجئة لهجمات الربو، وتقول الأم للصحفي إن أطفالها كانوا نائمين بينما كانت النوافذ مفتوحة واستيقظوا في منتصف الليل وهم يشكون من مشاكل في الجهاز التنفسي، وتعرض عليه مقطع فيديو لأطفالها الذين يعانون من السعال مراراً وتكراراً.

ويعيد الصحفي، الجالس في سيارته أثناء طريق العودة إلى غرفة الأخبار، تشغيل تسجيل صوتي للمقابلة، ويتمكن من خلال نظام تحليل المشاعر تحديد أن لهجة الأم “حقيقية”.

4 مساء:

يتصل الصحفي بالشركة مرة أخرى، ولكن هذه المرة، يرفض ممثل الشركة التعليق على هذه المسألة، ويجري الصحفي، الذي تم تجاهله من قبل مصادره البشرية، بحوث إضافية عبر كمية كبيرة من البيانات الصحفية المتعلقة بالاتهامات السابقة للمصنع والقسم الصحي الذي يلوث الأحياء المجاورة، ويعمل الصحفي على تمرير تلك الوثائق إلى نظام التحليل الذكي، والذي يجد أن أياً من الطرفين لم يصدر عنه أي شكل من أشكال الاعتذار.

5 مساء:

يملي الصحفي قصته على تطبيق موجود ضمن حاسبه الذكي والذي بدوره يعمل على صياغه النص وتدقيقه إملائياً، ويحصل رئيس التحرير على تنبيه من أجل استعراض القصة والموافقة عليها، وأصبح لديه في غضون دقائق قصة بحثية جرى التحقق منها بشكل جيد والتي تتناول ارتفاع مستويات التلوث في سبرينغفيلد، بما في ذلك اقتباسات من عمال المصنع والأم التي أجرى مقابلة معها في المقهى.

ويعمل الصحفي على دعم التقرير عبر عينات من الهواء والماء التي أخذها خلال النهار، ويوضح التقرير المتعلق بمشاكل التنفس المرتبطة بالمصنع أن البيانات تشير إلى مدى الإهمال وانتهاك القانون البيئي الأمر الذي يساهم في تلوث الهواء في سبرينغفيلد.

ويتم توزيع هذه المادة عبر كل المنصات من هواتف ذكية وساعات ذكية وسيارات ذكية ومرآة ذكية وكل شئ ذكي، وتحصل هذه القصة على آلاف المشاهدات ووجهات النظر في المجتمع المحلي للمدينة، ويتم إرسال مفتش جديد في صباح اليوم التالي إلى المصنع والذي يلاحظ وجود عدة انتهاكات قانونية ليقوم بإغلاقه إلى أجل غير مسمى.

الأكثر قراءة