بعد 20 عاما .. الصين المنتصر الحقيقي في أزمة آسيا المالية
من الفائز: مهاتير محمد، أم جورج سوروس؟ الجدال السام ما بين الزعيم الماليزي ومدير الصندوق الأمريكي خلال فترة الأزمة المالية الآسيوية التي حصلت قبل 20 عاما كان يرمز إلى الغضب الذي كان مشتعلا في تلك الأوقات. كما أنه يمثل السؤال الدائم المتعلق بمدى الانفتاح الذي ينبغي أن تكون عليه الاقتصادات الناشئة أمام تريليونات الدولارات الموجودة لدى أصحاب رؤوس الأموال المضاربة العالمية.
أطلق مهاتير وابلا من الخطابات الافتتاحية، واصفا سوروس بأنه "شخص معتوه (...) يمتلك كثيرا من المال" واتهمه باستهداف العملة الماليزية "الرينجيت" لتحقيق أرباح "غير ضرورية وغير منتجة وغير أخلاقية" من خلال المضاربة. وتصور أيضا وجود دوافع سيئة، متحدثا عن مؤامرة يهودية حاكها الذين "لا يسعدهم رؤية المسلمين وهم يحققون أي تقدم".
رد سوروس، اليهودي، بقوله إن مهاتير "يشكل خطرا على بلاده"، وإنه لن يكون قادرا على الإفلات من خلال العثور على كبش فداء لكل الأخطاء التي ارتكبها "فيما لو خضعت أفكاره للانضباط الذي تمارسه وسائل الإعلام المستقلة".
إذا تركنا المهاترات جانبا، ينبغي تحليل فكرة من الذي كانت له الغلبة. على المدى القصير، لا شك أن سوروس، أحد أنجح مديري الصناديق في العالم، حقق مكتسبات كبيرة من خلال الرهان ضد العملات الآسيوية.
وبالمثل، من الواضح أن المنطقة تعرضت للدمار. تراجعت العملات في ماليزيا وتايلاند وإندونيسيا وكوريا الجنوبية. وتعرضت الشركات للإعسار في شرائح متتالية من الديون الخارجية، وخسر ملايين العاملين وظائفهم، واختار الآلاف الانتحار، وسقطت حكومات.
البلد الذي تعرض لأكبر الأضرار، إندونيسيا، عانى انخفاضا نسبته 13.1 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي خلال عام، في الوقت الذي خسرت فيه عملته "الروبية" في إحدى المراحل 83 في المائة من قيمتها مقابل الدولار. وعندما استقال رئيس إندونيسيا القوي، سوهارتو، في أيار (مايو) 1998، بدا الأمر وكأن مبدأ الأسواق المفتوحة المدعوم من أموال المضاربين الكثيرة تحول إلى قوة عقابية لا يمكن مقاومتها.
في السنوات التي مرت بعد ذلك، عملت الجراح والمعاناة النفسية على توجيه سلوكيات التعزيز الذاتي. وبرزت آسيا لتكون أكثر حكمة ومرونة بعد الأزمة. وكان هناك أيضا شعور بأن نداءات ماهاتير من أجل السيطرة على تدفقات رؤوس الأموال الاستثمارية أخذت تتفوق على عقيدة سوروس الخاصة بالسوق المفتوحة، ويعود ذلك أساسا إلى نفوذ الصين الصاعدة. يقول ديفيد لوبين، رئيس الأسواق الناشئة في "سيتي": "فازت البلدان النامية لأن الدرس الذي تعلمته من الأزمات التي مرت بها خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات كان يتعلق بالدرجة الأولى بالحاجة إلى التأمين الذاتي لحماية نفسها من الضرر الذي يمكن أن تحدثه تدفقات رأس المال المتقلبة".
مثل هذا الاعتماد على الذات اضطر بلدان جنوب شرقي آسيا إلى بناء أنظمة حماية من احتياطيات العملات الأجنبية لصد هجمات المضاربة. ودفعها أيضا إلى العيش ضمن حدود إمكاناتها، ما يحد من الإدمان على الاقتراض الأجنبي الذي جعلها ضعيفة عندما أدت الأزمة إلى تخفيض قيمة عملاتها قياسا إلى ديونها بالدولار.
ثبتت أهمية تلك الأنظمة الدفاعية وجدارتها أثناء الأزمة المالية في 2008-2009. يقول مايكل تايلر من وكالة موديز للتصنيف الائتماني: "بالتأكيد، استطاعت المنطقة الهروب من الأزمة (...) إلى حد كبير بسبب الدفاعات التي كانت قد جهزتها".
لكن "الطالب" الأكثر دراسة ومتابعة للإعصار المالي الآسيوي لم يكن من بين ضحاياه المباشرين. في ذلك الحين كانت الصين تراقب برعب ما يحدث لعملات المنطقة من تراجع، لكنها أبقت على ثبات عملتها، الرنمينبي، مقابل الدولار، حيث اكتسبت الثناء من واشنطن لمساعدتها في اجتثاث عدوى السوق المالية.
وقبل الأزمة كانت بكين تفكر في التحرك باتجاه جعل الرنمينبي عملة قابلة للتحويل التام بحلول مطلع الألفية تقريبا، ما يعني من الناحية العملية انفتاح الصين أمام تدفقات رأس المال العالمية. لكن الأزمة زرعت فيها نفورا واشمئزازا من القوة التدميرية لرؤوس الأموال الغربية.
وبعد مرور 20 عاما، لا تزال بكين تحافظ على ضوابطها الصارمة على حسابها الرأسمالي وعلى قيمة الرنمينبي، وتحررت فقط بدرجة بسيطة فيما يسميه مايكل باور، من شركة إنفستك لإدارة الأصول، "رقصة الأقنعة السبعة". وأحد أهداف ذلك هو ضمان أن رأس المال الأجنبي يمارس فقط سلطة هامشية في أسواقها المالية المحلية.
بالنسبة لبقية دول العالم، السياسات التي من هذا القبيل لها أهميتها. فهي تعني أن ثاني أكبر سوق للأسهم وثالث أكبر سوق للسندات في العالم معزولة إلى حد كبير عن تدفقات رأس المال العالمية. وحتى بعد القرار المهم الذي اتخذته مؤسسة مورجان ستانلي، المتمثل في إضافة بعض الأسهم الصينية إلى المؤشرات المهمة، تشكل الأسهم المشمولة جزءا صغيرا فقط من مؤشرها الخاص بالأسواق الناشئة.
بهذه الطريقة، تحتضن الصين رؤوس الأموال العالمية ضمن شروطها وتعمل على تحييد أمثال سوروس في الوقت الحاضر. هذه رؤية للرأسمالية يجري فيها ضبط وإلزام رأس المال، حيث يكون غير قادر على معاقبة الذين ينتهكون الخوارزميات الفاعلة لديه. انتصار ماهاتير ربما يأتي على أيدي عدد من الجهات الوسيطة، لكن آسيا آخذة في تبني وجهة نظره في هذا النقاش.