رفع أسعار الوقود .. ضرورة اقتصادية
تحرص حكومة السعودية على كل ما يسهم في تنمية الوطن ورفاهية المواطنين، ومنذ تدفق النفط بالخير على هذه البلاد والمملكة تواجه ضغوطا كبيرة بشأن الدعم المباشر الذي تقدمه إلى كثير من السلع ومن بينها منتجات الوقود، فأسعار الوقود في المملكة هي الأقل عالميا وعلى مدى عقود من الزمن، والانفتاح الاقتصادي على العالم والتبادل التجاري بين الأمم يتطلب مستويات عادلة من المنافسة والدعم المباشر للأسعار المحلية يؤثر حتما في هذه المنافسة العالمية ويؤثر في المؤشرات الاقتصادية وفي مصداقيتها، كما أن المملكة عانت كثيرا سياسة الدعم المباشر لأسعار الوقود، حيث استمرت ظاهرة تهريب الوقود إلى الخارج للاستفادة من فروق الأسعار بين دول المنطقة والمملكة، وتنوعت الأساليب لهذا التهريب، وأخيرا قرر عديد من دول الخليج رفع أسعار الوقود إلى مستوياتها العالمية، بينما بقيت الأسعار في المملكة عند مستويات منخفضة جدا مقارنة بالأسعار العالمية وهذا حتما سيوجد مشاكل اقتصادية عديدة مع دول المنطقة واختلالات سعرية بسبب أسعار الوقود التي تؤثر حتما في أسعار النقل وأسعار السلع النهائية عند البيع، فالتحليلات الاقتصادية التي نشرت أخيرا تبين أن أسعار بيع بنزين 91 في السعودية تقل بنسبة 55 في المائة عن سعره عالميا، حيث يبلغ سعر اللتر محليا 75 هللة (0.20 دولار)، فيما السعر العالمي 0.44 دولار (1.65 ريال)، بينما أسعار بيع بنزين 95 (أوكتان) تقل بنسبة 48 في المائة عن سعره العالمي، حيث يبلغ سعر اللتر محليا 90 هللة (0.24 دولار)، فيما سعره العالمي 0.46 دولار (1.73 ريال). وهذا سيترتب عليه عديد من الاختلالات التنافسية التي قد تقود إلى إعادة تصدير المنتجات للاستفادة من فروق الأسعار، وقد يؤثر هذا لاحقا في مستوى توافر السلع في المملكة، أضف إلى كل هذا أن الدعم المباشر لأسعار الوقود، يفتقد العدالة الاجتماعية بين فئات المجتمع، فهذا الدعم لا يصل إلى مستحقيه فعلا.
كل هذه القضايا وأكثر تضعنا أمام خيارات اقتصادية مهمة، فلا بد من تصحيح الدعم الذي يبلغ 300 مليار ريال سنويا، حتى يصل إلى مستحقيه ما يوجد فرقا حقيقيا لهم، وسيتم ذلك عبر حساب المواطن، فقد أكد مسؤولون سعوديون أن الرفع في أسعار الطاقة سيسبقه بدء صرف مستحقات المستفيدين من برنامج الدعم الحكومي المعروف باسم «حساب المواطن»، وبهذا فلن يتأثر دخل المواطن بشكل جوهري وقدرته على مواجهة أعباء المعيشة فنصيبه من الدعم الذي كان يدفع للأسعار وقد يستفيد منه غيره بطريقة غير عادلة سيدفع له مباشرة في حسابه، ليصل الدعم إلى المستهدفين منه، حيث يحقق الهدف الأساس الذي تسعى إليه الدولة وهو التنمية والرفاهية العادلة للمواطنين، وهذه العدالة تقتضي دفع الدعم نقدا ومباشرة إلى مستحقيه ومن ثم إلغاء الدعم عن أسعار السلع التي ثبت عدم جدواها اجتماعيا واقتصاديا. أضف إلى ذلك أن حجم الإيرادات الناتجة من إلغاء الدعم عن أسعار الوقود سيحقق مزيدا من الدعم للمالية العامة ويخفف ضغوط العجز ويمكن الحكومة من تمويل المشاريع التنموية الأساسية. كما أن إلغاء الدعم عن أسعار الوقود سيصحح السوق تلقائيا، حيث يصبح استخدام السيارة للتنقل حاجة وليس ترفا، وهذا يعني تشجيع وسائل النقل الأخرى على النهوض، حيث تعطلت لسنوات نظرا لتوافر السيارات إضافة إلى انخفاض فاتورة التنقل الشخصي، فكثير من العمال الأجانب سيتجهون طوعا إلى استخدام وسائل النقل العامة بدلا من استخدام السيارة الشخصية لهم، حيث لن يصل الدعم إلى هذه الفئة بأي طريقة، وهذا بدوره سيوجد سوقا للنقل رائجة وتنافسية عالية ووظائف أكثر.
رفع أسعار الوقود سيصحح أسعار النقل لتكون قريبة من أسعار النقل في دول الجوار، فدول الخليج قامت بتصحيح أسعار الوقود لتقترب من الأسعار العالمية واعتمد ذلك، فالأسعار المطبقة حاليا في الإمارات (شهر ديسمبر)، تبلغ 1.62 درهم إماراتي لبنزين بلس 91، وسعر 1.69 درهم لبنزين 95، ومقارنة بالأسعار الحالية في المملكة فإن الفرق يرفع أسعار النقل في دول الخليج وبالتالي أسعار السلع، ولو بقيت المملكة عند الأسعار الحالية فإن أسعار النقل المنخفضة ستقود إلى أسعار سلع أقل من نظيراتها في الخليج وهذا سيؤدي إلى تجفيف السوق المحلية ونقل البضائع للخليج للاستفادة من فروق الأسعار، ولتجنب مثل هذه الظواهر الحادة يجب أن تتسم أسعار الوقود والنقل في المنطقة بالتقارب لما يمثله هذا من أمن اقتصادي وغذائي للجميع.