المملكة تقبض على الفساد

لم يواجه أي بلد في التاريخ البشري ألد من "الفساد"، كعدو فتاك يفتك بقواه ومقدراته وموارده، سرعان ما يطيح به في هوة سحيقة من الهلاك والفناء. ولم يتغلب أي بلد على هذا العدو اللدود؛ إلا رأيته يصعد في سلم النهضة والحضارة والتقدم، ورأيت بقية أعدائه يتساقطون واحدا تلو الآخر تحت قدميه، تلك باختصار جدلية الصراع الأزلي مع الفساد!
بالأمس القريب، عزم خادم الحرمين الشريفين أمره متوكلا على رب العزة والجلال، ثم مستعينا بشعبه الوفي على محاربة كل أشكال الفساد، والقبض بيد من حديد على هاماته ومحركاته، قبل قطع دابر امتداداته السرطانية، التي كانت قد تغلغلت في مختلف أجزاء البلاد طولا وعرضا، بإصداره - أيده الله ونصره - أمرا ملكيا بتشكيل لجنة عليا يرأسها ولي عهده الأمين، وعضوية رؤساء كل من: هيئة الرقابة والتحقيق، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وديوان المراقبة العامة، والنيابة العامة، وأمن الدولة.
ستتولى تلك اللجنة العليا، حصر المخالفات والجرائم والأشخاص والكيانات ذات العلاقة بقضايا الفساد العام. والتحقيق، وإصدار أوامر القبض، والمنع من السفر، وكشف الحسابات والمحافظ وتجميدها، وتتبع الأموال والأصول ومنع نقلها أو تحويلها من قبل الأشخاص والكيانات أيا كانت صفتها، ولها الحق في اتخاذ أي إجراءات احترازية تراها حتى تتم إحالتها إلى جهات التحقيق أو الجهات القضائية بحسب الأحوال. واتخاذ ما يلزم مع المتورطين في قضايا الفساد العام، واتخاذ ما تراه بحق الأشخاص والكيانات والأموال والأصول الثابتة والمنقولة في الداخل والخارج، وإعادة الأموال إلى الخزانة العامة للدولة، وتسجيل الممتلكات والأصول باسم عقارات الدولة، ولها تقرير ما تراه محققا للمصلحة العامة خاصة مع الذين أبدوا تجاوبهم معها. وللجنة الاستعانة بمن تراه، ولها تشكيل فرق للتحري والتحقيق وغير ذلك، ولها تفويض بعض أو كامل صلاحياتها لهذه الفرق. وعند إكمال اللجنة مهامها، ترفع تقريرا مفصلا إلى خادم الحرمين الشريفين بما توصلت إليه، وما تم اتخاذه في هذا الشأن.
لم يكن ممكنا تحقيق أي من الطموحات، والآمال العظيمة برسم واقع ومستقبل مشرق للبلاد والعباد، في الوقت ذاته الذي يثقل كاهلنا جميعا وجود فساد يستلب جل الخيرات والمقدرات، ولهذا كانت الضربة القاضية، والقبضة القاصمة من يد أعلى رجل أؤتمن على وطنه، مبينا ــ أيده الله ــ بكل وضوح بقوله "حرصنا منذ تولينا المسؤولية على تتبع هذه الأمور انطلاقا من مسؤولياتنا تجاه الوطن والمواطن، وأداء للأمانة التي تحملناها بخدمة هذه البلاد ورعاية مصالح مواطنينا في جميع المجالات، واستشعارا منا لخطورة الفساد وآثاره السيئة في الدولة سياسيا وأمنيا واقتصاديا واجتماعيا، واستمرارا على نهجنا في حماية النزاهة ومكافحة الفساد والقضاء عليه، وتطبيق الأنظمة بحزم على كل من تطاول على المال العام ولم يحافظ عليه أو اختلسه أو أساء استغلال السلطة والنفوذ فيما أسند إليه من مهام وأعمال، نطبق ذلك على الصغير والكبير لا نخشى في الله لومة لائم، بحزم وعزيمة لا تلين، وبما يبرئ ذمتنا أمام الله سبحانه ثم أمام مواطنينا".
سرعان ما سنشهد بتوفيق الله، النتائج الإيجابية لهذا التوجه الحازم من الدولة أيدها الله، وانعكاسها على كثير إن لم يكن كل المؤشرات التنموية محليا، والخروج السريع من أغلب مثبطات التنمية الشاملة، باستعادة الأموال والأراضي والأصول باختلاف أنواعها، وإعادتها إلى الخزانة العامة للدولة، التي قد تتجاوز تريليونات الريالات، ستسهم بكل تأكيد في تعزيز موارد المالية العامة، وتضعها في موقف مالي أفضل بكثير مما عانت معه من اختلاسات للمال العام، سيغنيها بدرجة كبيرة عن الاقتراض لتمويل العجز المالي، وسيمنحها مرونة أكبر بكثير أمام مختلف التحديات المالية والاقتصادية. كما سيسهم القضاء على الفساد في تحسين تنفيذ مشاريع الدولة التنموية، التي طالما عانت طوال عقود مضت من المبالغة في تقييم تنفيذها، وعانت أيضا سوء التنفيذ أو عدمه كما تبين رسميا خلال إعلان الميزانيتين الماضيتين، قدرت بأعلى من 1.3 تريليون ريال مشاريع تنموية مهدرة.
أيضا ستسهم الإطاحة بالفساد وأربابه في تحسين وزيادة جاذبية بيئة الاستثمار محليا، وزيادة اجتذاب الأموال والثروات الوطنية ومن خارج الحدود، ما سيعزز بدوره من استغلال الفرص الاستثمارية المحلية، ويسهم في زيادة فرص العمل الكريم أمام المواطنين والمواطنات، وخفض معدلات البطالة بين شرائح الشباب كونهم أكثر الشرائح المجتمعية تضررا منها، والمساهمة أيضا في تحسين مستويات دخل الأفراد، في ظل أعلى درجات التنافسية لا الاحتكار والتلاعب والغش والتدليس. كل هذا بدوره سينتج عنه تحسن خيارات وجودة الحياة لأفراد المجتمع، بما تتضمنه من ارتفاع لافت في جودة تنفيذ المشاريع التنموية والبنى التحتية.
إننا على موعد قريب جدا لإغلاق كثير من الملفات التنموية الكأداء، بدءا بأزمة الإسكان التي نشأت في أول وأكبر أسبابها كما سبق ذكره مرارا وتكرارا طوال الأعوام الماضية، من تفاقم أشكال احتكار الأراضي بمساحات شاسعة، والتعدي على الأراضي الحكومية، ما أفضى إلى "تشحيح" الأراضي كعنصر إنتاجي، وتحولها إلى مخزن للثروة، كان لأرباب الفساد والمتنفذين صولات وجولات في هذا المضمار، فاقت فواجعها وفقا للبيانات الرسمية عن وزارة العدل عشرات المليارات من أمتار الأراضي، سنشهد جميعا عودتها إلى الخزانة العامة للدولة، التي بدورها ستوجهها نحو سد الاحتياجات الحقيقية للبلاد والعباد، بما يؤدي - بمشيئة الله تعالى - إلى حل جذري لواحدة من أكبر الأزمات التنموية التي عانتها بلادنا ومجتمعنا طوال العقدين الماضيين.. وللحديث بقية. والله ولي التوفيق.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي