ليلة محاصرة الفساد
بعض المسؤولين أو الموظفين يرى في الأمانة وهي أمانة المسؤولية مغنما حيث يجير الجهاز الحكومي الذي يترأسه لتحقيق مصالحه وأقاربه ومعارفه على حساب المصلحة العامة بالتزامن مع ظلم الموظفين في هذا الجهاز، وكذلك ظلم المستفيدين من خدماته، ويرى الناس أن هؤلاء تمتد مدة مسؤوليتهم لسنوات طويلة دون حساب أو عقاب رغم سمعتهم السيئة وكثرة الشكاوى عليهم التي تفوق المعدلات المتعارف عليها، ورغم هدرهم المال العام وعدم نهوضهم بمهام الجهاز التي من أجلها تم إنشاؤه، وكذلك عدم تحقيقهم الأهداف المعلنة.
وكلنا يعرف أن ذلك من دلائل استشراء الفساد على كل المستويات الإدارية وبات الناس يلمسونه في حياتهم اليومية، ويعانونه بشكل كبير، وبالتالي لا بد من وقفة حازمة لاجتثاثه من جذوره، وإلا فسيكون كل ما يتم الحديث عنه بشأن رفع الكفاءة، والإنتاجية، والشفافية، والوضوح، والحوكمة، ومحاسبة الفسدة والمقصرين وغير ذلك ستبقى مفاهيم يظن الناس أنها للاستهلاك الدعائي.
ودون أدنى شك فإن الريبة والشك، وعدم القناعة الكاملة وما يترتب عليها من مواقف سلبية تشكل عائقا لتحقيق "الرؤية" وأهدافها التنموية، ومن ذلك عدم قناعة الناس بدفع الرسوم، والضرائب، والمخالفات الباهظة، ورفع أسعار الخدمات الأساسية لزيادة الإيرادات الحكومية لتغطية النفقات في حين أن الفساد يتسبب في تبديد أضعاف هذه الإيرادات، ولذلك يعتقد كثيرون أن إيقاف الهدر المالي بسبب الفساد الإداري والمالي أولى من زيادة الإيرادات من خلال زيادة الرسوم والضرائب والمخالفات، ووجوب إيقاف الهدر أولا ومن ثم قياس الفجوة لزيادة الرسوم، والأسعار، وفرض الضرائب.
المواطن يعايش الفساد ويلمسه في كثير من الأشكال والصور، ومن ذلك ما يراه من شوارع مشوهة بالحفر، والارتفاعات، والتموجات التي تلحق الضرر بسيارته وتكلفه كثيرا من المال لإصلاحها وصيانتها وهو لا يجد من يردع الجهات التي تسلمت هذه الطرقات المشوهة من المقاولين دون الالتزام بمعايير الجودة المتعارف عليها في رصف الطرق، وصيانتها، ونتيجة لهذه المعايشة ضعفت قناعاته.
للفساد ــ الذي يتمحور معظمه حول تحقيق مكاسب شخصية على حساب المصلحة العامة ــ صور وأشكال متعددة وله آثار واضحة ومباشرة كما أن له آثار عميقة وغير مباشرة، منها الهدر المالي، ومنها قتل الكفاءات ودعم غيرها، ومنها إضعاف التنافسية العادلة، ومنها الحد من الاستثمارات المحلية والخارجية، وهروب الأموال، ومنها تحول منظومة القيم والمفاهيم من الالتزام بالأمانة والإخلاص والصدق إلى الخيانة والكذب والاحتيال، والتحول في القيم والمفاهيم من الإيجابية إلى السلبية خطر عظيم له تداعيات عميقة بمرور الوقت.
في ليلة الأحد الماضي جاء القرار المفصلي الذي ينتظره الجميع، القرار الذي أحيا الأمل في نفوس المواطنين، وجعل مواقفهم تتحول نحو الإيجابية بسرعة فائقة، فبعد أن ظن الناس أن الفساد المالي والإداري مرض مزمن لا شفاء منه صدر العلاج الفعال الذي يجتث هذا المرض من جذوره، المتمثل في قرار خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، بتشكيل لجنة عليا لمحاربة الفساد برئاسة ولي العهد وعضوية كل من رئيس هيئة الرقابة والتحقيق، ورئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ورئيس ديوان المراقبة العامة، والنائب العام، ورئيس أمن الدولة.
قرار تاريخي برئاسة قائد "الرؤية" ولي العهد الأمين حفظه الله، قرار كما يبدو لي سيكون مفصلا للتحول في التعاطي مع الفساد والمفسدين، وللتحول في المواقف والسلوكيات لدى الكبير والصغير، قرار سيرفع كفاءة الموارد المتاحة لأضعاف مضاعفة ليتمتع المواطن بالمنتجات والخدمات الراقية عالية الجودة، ولينتعش اقتصادنا مرة أخرى وإن انخفضت الإيرادات النفطية.
تفعيل القرار بشكل سريع ودون تأخير بإعلان استدعاء وحجز عدد من الأسماء المتهمة بممارسة الفساد دون الالتفات لمكانتها الاجتماعية والاقتصادية أكد للناس أن القرار جاء ليطبق لا كي يضاف إلى القرارات السابقة التي كان من المتوقع أن تحد من الفساد إلا أنها لم تحقق من ذلك إلا النزر القليل.
"إللي على راسه بطحة يتحسسها"، مثل ينطبق على كل من ضعفت نفسه وغلب مصلحته على المصلحة العامة ووقع في جريمة الفساد، ولا شك أن هذا الوضع له أثر كبير في الحد من الفساد حيث سيبادر هؤلاء لمعالجة أوضاعهم ويتوقفون عن ممارسة الفساد، كما أن من بات يفكر في الفساد اقتداء بالمفسدين سيقف عن هذا التفكير، ويحمد الله أنه لم يمارس الفساد ويقع في مصيدته، وهذا ما نريده جميعا، نريد الفاسد أو من يفكر في الفساد يراجع نفسه ويستشعر الخطر ويتوقف عن ذلك لعلمه أن النظام لن يتهاون معه مهما كبرت مسؤوليته ومهما علا شأنه السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي.
كتبت في أكثر من مقالة أن "رؤية 2030" وبرامجها التنفيذية سيكون لها أكبر الأثر في محاربة الفساد حيث إنها ومن خلال مؤشرات الأداء المتابعة من مجلس الاقتصاد والتنمية وضعت كل المسؤولين تحت المجهر وجعلتهم يبحثون عن الكفاءات، ويفككون المحسوبيات، ويوجهون الطاقات لتحقيق الأهداف التي تقيسها المؤشرات، واليوم جاء القرار الذي يدعم كل ذلك ويجعل الفساد في أدنى مستوياته، ويرفع من كفاءة استخدام الموارد بكل أنواعها إلى أعلى المستويات ـــ بإذن الله.
ختاما، نعيش اليوم بفضل من الله فترة حكم "سلمان الحزم والعزم" وولي عهده الأمين قائد "الرؤية"، وعلينا جميعا أن نكون على مستوى الموقف والظرف والمسؤولية، وأن نعمل بجد واجتهاد كل من موقعه للنهوض ببلادنا لمصاف الدول المتقدمة بالاستخدام الأمثل لمواردنا بروح المسؤولية، والأمانة، والمبادرة والعطاء، وسنرى جميعا الآثار الإيجابية التي لا تعد ولا تحصى.