سريان قانون الأدوات المالية في الأسواق الأوروبية

سريان قانون الأدوات المالية 
في الأسواق الأوروبية
سريان قانون الأدوات المالية 
في الأسواق الأوروبية

تشهد البورصات الأوروبية أكبر إصلاح لها خلال عقد من الزمان. كان الثالث من كانون الثاني (يناير) الجاري، لحظة حاسمة في القانون التنظيمي المالي العالمي، بإنفاذ نسخة مجددة طال انتظارها من: "تعميم أسواق أوروبا بشأن الأدوات المالية"، والمعروف أكثر باسم Mifid II.
هذا القانون الضخم من تشريعات الاتحاد الأوروبي، الذي كان يجري العمل عليه لمدة سبع سنوات يضم أكثر من 1.7 مليون فقرة من القواعد، سيؤثر في كل ركن من جوانب نظام الخدمات المالية للقارة - بما يشمل المصارف إلى الوسطاء ومديري الأصول إلى صناديق المعاشات ومشغلي البورصة وحتى مستثمري التجزئة.
في جوهره، تم تصميم Mifid II لتوفير حماية أكبر للمستثمرين وضخ مزيد من المنافسة في تداول جميع فئات الأصول، بما في ذلك الأسهم والدخل الثابت والسلع والعقود الآجلة والمنتجات المدرجة في البورصة.
كثير من الشركات والدول الأعضاء ليست جاهزة تماما للتنفيذ، على الرغم من الإنفاق الضخم: كان من المتوقع أن تكلف نظم تكنولوجيا المعلومات أكثر من ملياري دولار في عام 2017 وحده.
يتساءل بعض النقاد عما إذا كانت التغييرات التي ستؤثر في المستثمرين خارج أوروبا، ستؤدي إلى تعقيد الأسواق وتجزئتها دون داع.
قال جيف سبريشر، الرئيس التنفيذي لشركة Intercontinental Exchang: "أعتقد أن هذا أسوأ قانون رأيته في مسيرتي المهنية".
كما أن وصول التعميم إلى كل الأصول والأسواق المتداولة الأوروبية سوف يمتد إلى جميع أنحاء العالم.
في الولايات المتحدة، هناك قوانين تنظيمية محلية تتعارض منذ الآن مع فحوى القواعد الأوروبية الجديدة. وفي الوقت المناسب، قد ينظر إلى التعميم باعتباره نقطة تحول، جيدة أو سيئة، لآلاف وظائف التمويل.
قال مارك بومفري، رئيس شركة Liquidnet Europe، وهي منصة لتداول الأسهم، "إن Mifid II سيجلب الرأسمالية إلى أسواق رأس المال"، وهو يجادل بأن النظام الحالي يدعم نماذج الأعمال الرديئة.
ويقول: "سوف يجبر Mifid II الشركات على التفريق أو الموت. الأفضل في فئتها سوف تزدهر وترتفع إلى الأعلى".
بالنسبة لكثير من الشركات، فإن أحد أكبر التغييرات يتطلب من مديري الأصول "فصل" تكلفة أبحاث الاستثمار عن تكلفة تنفيذ الصفقات مع المصارف والسماسرة. والهدف من ذلك هو الحد من احتمالات تضارب المصالح.
في الأشهر الأخيرة، أثار هذا التغيير بالذات جدلا حادا حول قيمة البحث حين يجلس المحللون الخارجيون مع مديري الأصول لتقليب الرأي حول المبلغ الذي سيدفعه مديرو الأصول.
ويقول متداولون في المصارف إن سيولة السوق تأثرت بسبب تشتيتها بالمناقشات الطويلة مع العملاء.
قال أحد كبار المسؤولين التنفيذيين في بنك استثماري أمريكي كبير طلب عدم ذكر اسمه: "إنه أمر مرهق، ويستغرق وقتا ضخما، وهناك تكاليف خفية كبيرة وهذا يشكل وجع رأس كبيرا. اضطررنا إلى تكليف مئات من الناس للعمل على ذلك".
يتراوح سعر الرسوم المدفوعة مقابل إجراء مكالمة هاتفية واحدة مع أحد المحللين بين 800 دولار وعشرة آلاف دولار، بمتوسط عالمي قدره 2000 دولار (أو ما يعادله بالعملة المحلية).
وأشار بعض مديري الأصول إلى أنهم مطالبون بدفع ما يصل إلى عشرة ملايين دولار سنويا للوصول الكامل إلى بعض أبحاث المصارف. وأدى ذلك إلى مخاوف من أن كمية البحوث المتاحة سوف تكون أقل.
قد تكون لـ Mifid II عواقب تتجاوز بكثير البحوث من المصارف والبورصات التي هي في صميم التداول. سعى التوجه الأصلي لـ Mifid II في عام 2007 إلى إيجاد سوق مالية واحدة أكثر كفاءة داخل الاتحاد الأوروبي التي يمكن أن تنافس السوق الأمريكية، من خلال إنهاء احتكار البورصات وتخفيض تكاليف التداول للمستثمرين.
بداية الأزمة المالية لعام 2008 كشفت عن عيوبها، ولا سيما تركيزها على الأسهم.
لدى Mifid II أهداف أكثر طموحا وهيكلية: هو لا يكتفي بتحديث القواعد الحالية لمواكبة التطورات التكنولوجية فحسب، بل يسعى أيضا إلى معالجة ما سماه صناع السياسة العالميون "الجوانب ذات التنظيم غير الكافي والمعتمة في النظام المالي". وتشمل هذه الأسواق الواسعة للمشتقات والسندات التي تعمل خارج البورصات الرسمية.
يتوقع التنفيذيون في مجال التداول أن القواعد الجديدة سوف تزيد من الطابع الإلكتروني لهذه الأسواق، وهذا ما يمثل مشكلة محتملة للذين يتداولون حاليا عبر الهاتف. يتساءل بعض المشاركين عما إذا كان وضع المستثمر سوف ينتهي به المطاف بأن يكون أفضل من قبل.
قال ماريو موث، رئيس المبيعات الإلكترونية للدخل الثابت وهيكل السوق في دويتشه بانك: "منذ عقود، أصبح الدخل الثابت أحد الأصول المرنة للغاية. كانت هناك دائما درجة كبيرة من التفاعل البشري الذي يسمح للعملاء بالتعامل مع المنتجات المعقدة بطريقة مفتوحة".
السؤال الأكثر إلحاحا هو ما إذا كان الجميع سيكونون مستعدين، والعلامات لا تبشر بالخير.
لا يزال كثير من مديري الصناديق وشركات الإصدار متخلفة عن الركب. ذكرت المفوضية الأوروبية، وهي الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي، أن 11 دولة فقط من بين الدول الـ 28 الأعضاء نقلت قواعد Mifid II إلى القانون المحلي.
جاء خُمس القواعد الجديدة خلال الأشهر الستة الماضية، وذلك وفقا لما ذكرته الشركة الاستشارية JWG.
قبل أسبوعين من وصول Mifid II، كانت الهيئة الأوروبية للأوراق المالية والأسواق، الجهة التنظيمية لعموم أوروبا، لا تزال تصدر توضيحات وتعد بفترات سماح. بعض جوانب المتطلبات لم يتم توضيح تفاصيلها.
ووفقا لما ذكره جيمس روبرتس، مدير مجموعة السياسة العامة الأوروبية في "إيسدا" وهي الرابطة التجارية للمقايضات والمشتقات: "هناك عدد من المجالات التي لا يوجد فيها وضوح حول كيفية تطبيق القواعد. هذه ليست مجرد تفاصيل، بل إن كثيرا منها هي لبنات أساسية ليست في مكانها. أيضا، Mifid II مترابط للغاية، حيث إن امتثال كل شركة يعتمد على أن يعمل النظام الأوسع بسلاسة".
تواجه شركات تزويد البحوث في الولايات المتحدة مشكلة خاصة: تتعارض قواعد التفكيك مع القوانين التنظيمية الأمريكية التي تتطلب من أي مؤسسة تبيع البحوث مقابل دولارات "ملموسة" أي الدفع نقدا بدلا من الدفع "اللين" وغير المباشر من خلال عمولات التداول - التسجيل كمستشار استثمار. وهذا يفرض أعباء أكثر صرامة وأعباء امتثال أكبر.
منحت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية في العام الماضي إعفاءات مؤقتة للمصارف والوسطاء الأمريكيين للسماح لهم بالالتزام بقواعد الاتحاد الأوروبي الجديدة، وهي تنتظر تقييم تأثير Mifid II. حتى هيئة الأوراق المالية والأسواق الأوروبية لا تتوقع بداية سلسة. قال ستيفن مايجور، رئيس مجلس الإدارة: "لا ينبغي لأحد أن يقلل من شأن حجم وتعقيد هذا المشروع، وبالتالي خطر حدوث خلل محتمل في الفترة التشغيلية الأولية". وقال جيمس بو، رئيس هيكل سوق الأسهم الأوروبية في "سيتي جروب"، إن نطاق وطموح Mifid II يعني أنه من الصعب جدا التنبؤ بكيفية تأثيره على تداولات الأسهم.
وأضاف: "هناك شعور في السوق بأنه سيكون قليلا من لحظة عام 2000، ولن يتغير أي شيء بسرعة. إنه من الصعب تطبيقه على اعتبار أنه لا أحد يعرف حقا ما سيكون عليه المشهد".
وقال إن الأجهزة التنظيمية سوف تراقب الوضع، ومن الممكن أن تتدخل إذا لم تكن راضية عن التطورات. المشاركون الآخرون في السوق يرون أن حاجتهم إلى المضي قدما في أعمالهم سوف تساعدهم على التغلب على مشاكل الأنظمة الجديدة، تماما مثلما فعلوا بعد فرض القواعد الجديدة في أعقاب الأزمة المالية. وقال موث: "مثل قانون دود فرانك، الذي كان على نطاق أصغر، سوف يتكيف العملاء خلال الأسابيع القليلة الأولى مع تلك القوانين، في أسلوبهم التداولي".

الأكثر قراءة