العملات الرقمية تفشل في جذب المستثمرين إلى «الذهب الجديد»
تنقسم آراء المستثمرين حول الذهب كأحد الآليات الاستثمارية شائعة الانتشار، فهناك من يرى فيه وسيلة مثلى للحماية من التقلبات التقليدية للأسواق، وحائط صد لموجات التضخم، بينما يشكك البعض الآخر في جدواه الاستثمارية لغياب أي تدفقات نقدية عند الاستثمار فيه.
ومن وجهة نظر هؤلاء، فإنه بدون تلك التدفقات المالية يصعب تقييم المعدن كسلعة، حيث يعتبرونه سلعة "تخمينية"، يعتمد الاستثمار فيه على المراهنة على ارتفاع الأسعار وحسب.
وفي الحقيقة، فإن أداء الذهب في السنوات الماضية ربما يصب نسبيا في دعم وجهة النظر الثانية، فالمعدن الأصفر فشل في الارتقاء إلى مستوى التوقعات، وتفوق الاستثمار في سوق الأسهم، بقوة على الاستثمار في المعدن النفيس.
وخلال العام الماضي ظهر منافس شرس للذهب، إذ بدت العملات الافتراضية وتحديدا "بيتكوين" أكثر جاذبية، خاصة في ظل الارتفاع الكبير والمتواصل في أسعارها، إلا أن المؤشرات الأولية للربع الأول من هذا العام ربما تغير بشكل ملحوظ من وجهة النظر تلك.
ويتوقع بنك الاستثمار الأمريكي "جولدمان ساش"، أن يتفوق الذهب على غيره من الأصول الاستثمارية في الأشهر المقبلة، بسبب ارتفاع معدلات التضخم العالمية، والمخاطر المتزايدة في الأسواق جراء الاستثمار في الأسهم، حيث تشهد أسواق المال الدولية عملية تصحيح في الأسعار.
ولكن ماذا عن التحديات الناجمة عن ارتفاع أسعار الفائدة الدولية؟، يوضح لـ "الاقتصادية"، كوهين جروف الاستشاري المصرفي، أن "البيانات التجريبية لدورات الصعود والهبوط الستة الماضية، تشير إلى أن أسعار الذهب ارتفعت أربع مرات رغم زيادة أسعار الفائدة، وهذا يبدو مخالفا للنظرية الاقتصادية التقليدية، التي ترتب انخفاض أسعار الذهب على ارتفاع أسعار الفائدة، ولكن من الواضح أن هناك شعورا بالقلق لدى كثير من المستثمرين، بأن ارتفاع أسعار الفائدة يظل أقل من معدلات التضخم، ومن ثم يكون الاستثمار باقتناء الذهب أفضل، ومع هذا فإن تلك الاستراتيجية الاستثمارية قد لا تكون مناسبة للجميع، وربما يكون البديل الإيجابي الاستثمار في أسهم شركات تعدين الذهب".
ويروج مجلس الذهب العالمي إلى أن التحسن المتوقع في أسواق الذهب العالمية هذا العام، يعود في الجزء الأكبر منه إلى التغيرات الجارية في الهند، التي تمثل بمفردها خمس الطلب العالمي على المعدن النفيس.
وأعلن آرون جيتلي وزير المالية الهندي رغبة بلاده في صياغة سياسة شاملة لتطوير التعامل مع الذهب، ومع تركيز الموازنة على تعزيز الدخول الريفية، فإنه من المتوقع زيادة الطلب المحلي على الذهب في الهند، وهو ما سينعكس على الطلب العالمي أيضا.
وتشير تقديرات مجلس الذهب العالمي إلى أن زيادة التضخم في الهند في الأجل القصير بنسبة 1 في المائة فقط، تؤدي إلى زيادة الطلب على المعدن النفيس بنحو 2.6 في المائة، بينما يؤدي زيادة الدخل بنسبة 1 في المائة إلى نمو الطلب على الذهب بنسبة مماثلة، في حين أن زيادة أسعار الذهب بنسبة 1 في المائة، لن يؤدي إلا إلى انخفاض الطلب بنسبة لن تتجاوز نصف في المائة.
إلا أن تلك التوقعات المتفائلة من قبل مجلس الذهب العالمي بشأن الطلب الهندي على الذهب، لا تحظى بقبول عدد كبير من الخبراء في اتحاد السبائك البريطانية.
ويقول لـ "الاقتصادية"، كوربين كورنويل رئيس قسم الأبحاث في اتحاد السبائك البريطاني: "للسنة الثالثة على التوالي سيظل الطلب على الذهب في الهند دون متوسطه في السنوات العشر الماضية، والطلب سيراوح بين 700-800 طن هذا العام مقابل 727 طنا العام الماضي، بينما متوسط الطلب خلال السنوات العشر الماضية 840 طنا".
ويضيف كورنويل: "لكن هذا لن يؤثر على عمليات تهريب الذهب للهند. فمنذ أن رفعت الحكومة الرسوم على استيراد الذهب إلى 10 في المائة في آب (أغسطس) عام 2013 في محاولة للحد من العجز في الحساب الحالي، ومتوسط التهريب السنوي يبلغ 120 طنا من الذهب، وتلك تقريبا الكمية نفسها المتوقع تهريبها هذا العام، إذا ظلت ضريبة الاستيراد كما هي".
لكن الجدل لا يقف عند حدود مستقبل الطلب الهندي على الذهب، وإنما الأخطر أن الأسواق لم تصل بعد إلى وجهة نظر موحدة، بشأن العلاقة بين الذهب والعملات الافتراضية وتحديدا "بيتكوين".
ويرى البعض أن سعر الذهب هذا العام، يعتمد على الاتجاه المستقبلي للعملات الافتراضية عامة و"بيتكوين" خاصة أنه إذا تمكنت تلك العملات من الاستمرار في الحفاظ على قيمتها، أو تحقيق مزيد من الارتفاع في الأسعار، فقد يأتي ذلك على حساب الذهب، أما إذا انفجرت "فقاعة بيتكوين" فقد يعود عديد من المستثمرين إلى الذهب كملاذ آمن.
تشارلز فوكس المحلل المالي في بورصة لندن يعتقد أنه بالنسبة لكثير من المستثمرين خاصة الباحثين عن الربح السريع فإن عملة بيتكوين تعد البديل الإيجابي للذهب.
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن "الارتفاع في سعر الذهب لم يتجاوز خلال عام 2017 حدود 13 في المائة في أفضل تقدير، بينما بلغ في "بيتكوين" حدود 900 في المائة خلال الفترة نفسها ، ومن ثم بالنسبة للكثيرين يعد الاستثمار في العملات الافتراضية أكثر جاذبية".
ويوضح فوكس: "بالنسبة للحديث عن تقلبات سعر العملات الرقمية، بينما يتصف الذهب بدرجة أعلى من الاستقرار، فإن علينا أن نأخذ في الحسبان أن تلك مرحلة مؤقتة، وبمجرد تجاوزها فإن "بيتكوين" ستتمتع بعديد من العوامل التي تميزها عن الذهب، فهي وسيلة أكثر مرونة سواء في الاقتناء دون مصاريف تخزين، أو في التداول وسداد المدفوعات، ولذلك يمكن القول إنها قد تصبح المعادل الرقمي للذهب في القرن الـ21".
لكن إن جي هولدون الخبير الاستثماري يستبعد تماما أن تفلح "بيتكوين" في الحلول محل الذهب في أي مرحلة من المراحل، ويقول لـ "الاقتصادية"، إن "البعض يروج لأن العملات الرقمية هي الذهب الجديد، ولكن هذا غير ممكن نتيجة التقلبات الحادة في أسعارها، وليس ذلك فقط فهي عرضة دائما للقرصنة الإلكترونية، وهذا ما دفع بنك الاستثمار إلى الإعلان بأن الذهب لا يزال أفضل وسيلة استثمارية في الأجل الطويل".
ويرى هولدون أنه لا يوجد دليل قاطع بأن العملات الافتراضية يمكن أن تحل محل الذهب مستقبلا، خاصة في ضوء ما يعتبره حصارا دوليا من كبرى الاقتصاديات العالمية للعملات الافتراضية، ورفضها منحها مشروعية التداول، ويعتقد هولدون أن غياب إطار شرعي لتبادل تلك العملات، وذلك بخلاف وضع الذهب، يجعل من المشكوك فيه أن تسود مستقبلا، وحتى إن حدث ذلك وبات لها إطار شرعي فإن ذلك سيضعف كثيرا من قوتها في نظر الكثيرين.
ويعتقد بعض الخبراء أن المنافسة الداخلية بين العملات الافتراضية، التي تجاوز عددها وفقا لبعض التقديرات 1400 عملة، يحد من إمكانية تحولها إلى منافس للذهب، كما أن المعدن النفيس سيظل متفوقا على العملات الافتراضية من منطلق الطابع الثقافي والاجتماعي، إذ يستخدم - بعيدا عن الاستثمار - في عديد من المناسبات الاجتماعية التي يصعب تصور أن يتم الاحتفال بها باستخدام "بيتكوين".
ورغم أن ظاهرة العملات الافتراضية، قد فرضت نفسها بقوة على الأسواق، وأثارت الكثير من التكهنات باعتبارها ظاهرة اقتصادية مثيرة للجدل، فإننا نلاحظ أن تلك العملات وفي أفضل أوضعها لم يتجاوز المتوسط اليومي للتجارة فيها على المستوى العالمي ملياري دولار أمريكي، وذلك أقل من 1 في المائة من المتوسط اليومي للتجارة في الذهب حول العالم التي تصل إلى 250 مليار دولار يوميا.
وتظل قضية الأسعار المتوقعة للذهب خلال العام الحالي محل جدل بين المصارف من جانب، وتجار الذهب من جانب آخر، فالمصارف تبدو دائما تقديراتها بالنسبة للمعادن عامة والذهب خاصة أقل من المتوقع، ويرجع ذلك إلى أنها تفضل دائما دفع عملائها إلى الاستثمار في مجالات أخرى يجني منها البنك رسوما أعلى، ويكون لديه سيطرة أكبر على الأموال، رغبة منه في مواصلة السيطرة على النظام النقدي.
فبنك "تورونتو دومينيون" (تي دي بنك) يقدر متوسط أونصة الذهب هذا العام بنحو 1313 دولار، بينما يخفض بنك "جولدمان ساش" توقعاته ويصل بها إلى حدود 1200 دولار بحلول منتصف العام، وإلى 1375 في عام 2020، بينما تقدر "سيتي جروب" أسعار هذا العام بـ 1350 دولارا.
وعلى النقيض من ذلك يصل أغلب تجار الذهب بالأسعار إلى حدود 1800 دولار للأونصة هذا العام، على أن تبلغ 2500 دولار، 3500 دولار، و5000 دولار في أعوام 2019 و2020 و2022 على التوالي.