التقييم العقاري ومؤشرات السوق
هناك علاقة وطيدة بين سوقي النقد والمال والسوق العقارية، وتتشكل هذه العلاقة بمنتجات وأدوات مالية ونقدية كثيرة، من أهمها - على سبيل المثال لا الحصر - "التمويل والرهن العقاري, وصكوك الرهن العقاري, والصناديق العقارية الاستثمارية المتداولة "ريت"، وقد أقرت كثير من الدراسات والأبحاث التي عملت على أزمة الرهن العقاري الأخيرة بأن أحد الإشكالات التي أدت إلى تفاقم أزمة الرهن العقاري هو وجود الفجوة المعرفية بين أسواق المال من جهة والسوق العقارية من جهة أخرى, ولذلك كانت كثير من القرارات تبنى بنظرة مالية استثمارية بحتة بعيدة عن منطق السوق العقارية وتغيراتها, وتأتي أهمية التقييم العقاري بأنه مقياس الأمان - إن صح التعبير - لضبط علاقة وتوازن سوقي النقد والمال بسوق العقار؛ وذلك لأن سوق العقار تفتقر إلى المعلومات الآنية، وتعتبر المنتجات فيها غير متجانسة وغير متماثلة, ولذلك لا بد من إجراء عملية التقييم العقاري في وقت إجراء الصفقات حتى تتم مبادلة الأصول العقارية على أساس القيمة الموثقة من قبل مقيم معتمد أو بمبلغ لا يزيد عليه, ولذلك يعتمد متخذو القرارات في المؤسسات التمويلية والشركات المالية والاستثمارية على المقيمين العقاريين لمعرفة مدى عدالة مبلغ الاستحواذ على الأصول العقارية المراد تمويلها أو استثمارها, وهنا تكمن أهمية دور المقيم العقاري كإحدى الخطوات المهمة والحساسة لتأسيس صناديق الريت.
عملية التقييم لا بد أن تتبع معايير التقييم الدولية IVS، وهي المعايير التي أقرتها الجهة المنظمة لمهنة التقييم "الهيئة السعودية للمقيمين المعتمدين", لكن حتى نكون أكثر واقعية فإن هذه المعايير خطوط عريضة وعامة ينبغي اتباعها، ولا يمكن أن تكون ضابطا في عملية التقييم بشكلها التنفيذي العملي, ولذلك فقد ظهرت في الدول المتقدمة التي سبقتنا في مجال التقييم العقاري، مثل معهد التقييم الأمريكي، ومعهد التقييم الكندي، برامج تؤهل متخصصين في مراجعة تقارير التقييم العقاري، وهم مقيمون ممارسون وأصحاب خبرة عملية وتأهيل علمي؛ وذلك لمراجعة التقارير التي تحوم حولها الشكوك بأنها أعدت بجهل أو سوء نية, ولا يمكن أن يتعرف على هذه الأخطاء في تقارير التقييم إلا الممارسون الذين يعرفون أوجه القصور في أساليب التقييم وطرق التوصل إلى النتائج الصحيحة, وهنا تجدر الإشارة إلى أن عملية التقييم على أرض الواقع تمر بخطوات ومراحل متعددة، وتختلف بتفاصيلها، لكن تعتمد جودتها على كل مما يلي:
- حجم البيانات المتوافرة في سوق العقار موضع التقييم، التي يمكن من خلالها استخراج المؤشرات الخاصة بالمقارنات والتكاليف ومعدلات الرسملة والأشغال والنمو وتوقعات مصاريف التشغيل والصيانة.
- مدى توفير العميل الراغب في التقييم للمستندات والمعلومات، مثل توافر المؤشرات المالية الخاصة بالدخل والمصروفات للعقارات المراد تقييمها، ويفضل أن تكون ضمن ميزانيات مدققة من محاسب قانوني, وكذلك توافر الأوراق الرسمية مثل صك العقار، الذي يوضح كثيرا من تفاصيل العقار من حيث المساحة والحدود والأطوال، وكذلك في بعض الأحيان الوضع القانوني للعقار في حال كانت عليه أي رهونات أو غيرها من التزامات.
- وجود العقلية التحليلية التي تمتلك الأدوات والخبرة اللازمة للربط بين وضع العقار وبياناته ومؤشرات السوق للوصول إلى الطريقة الأنسب لتقييم العقار، والتوصل إلى نتيجة سليمة للقيمة السوقية للعقار موضع التقييم.
إحدى خصائص السوق العقارية على مستوى العالم - كما أشرنا - هي شح المعلومات المعلنة، التي يمكن لكل من يرغب الدخول إليها ومعرفة تفاصيل الصفقات العقارية, ولذلك عمدت الدول المتقدمة وتبعتها الناشئة إلى تأهيل مقيمين معتمدين للأصول العقارية, ليتمكن أطراف أي صفقة أو قضية من الرجوع إلى هؤلاء المقيمين والأخذ بآرائهم لإنجاز الصفقات وحل القضايا المختلفة, ومع التطور التقني وميل الحكومات في الدول المتقدمة إلى الشفافية وإظهار بيانات أكثر للعموم، بدأ المحترفون بالمجال العقاري بالاستفادة من هذه البيانات وتحليلها، والخروج بمؤشرات عقارية تعطي وضوحا أكبر لحالة السوق وتوجهاتها, ثم وجد القطاع الخاص أن تزويد هذه الجهات الاحترافية بمؤشراتها سيعطي قوة أكبر للسوق العقارية، ومصداقية تجذب المستثمرين بشكل أكبر, ولذا ظهرت شركات متخصصة في جمع البيانات العقارية من القطاعين العام والخاص، وتزويد السوق العقارية بمؤشرات أكثر دقة، يستطيع من خلالها المحترفون العقاريون سواء كانوا مقيمين أو مستثمرين أو مطورين, ولذا أصبح السوم من البدهي يعتمد على توفير الأدوات، ومن أهمها البيانات للمقيم قبل إلقاء اللوم عليه, ومحاولة جعل المقيم العقاري يعمل بلا بيانات واقعية, يمكن أن يشبه إبلاغ النجار بأن يعمل من دون منشار, أو التقني أن يعمل من دون جهاز حاسوب.
الخلاصة, قبل لوم المقيم العقاري على تقصيره، نحتاج إلى لوم بعض الجهات الرسمية التي لم توفر بياناتها بشكل يمكن المحترفين العقاريين - وعلى رأسهم المقيم العقاري - من أداء مهمتهم بشكل أفضل، وهنا يمكن الإشارة إلى بيانات وزارة العدل عن الصفقات العقارية التي يشوبها كثير من الإشكالات, كما أن لدى وزارة الشؤون البلدية والقروية عديدا من البيانات المهمة والمؤثرة في العقار وقيمته لكنها غير معلنة, ولعلي مستقبلا أسلط الضوء على أهمية البيانات التي يتم تسلمها من العميل، وكيف يمكن أن تؤثر في التقييم.