40 ألف وظيفة عقارية
تصل قيمة الأصول العقارية في السعودية إلى خمسة تريليونات ريال، بينما تقدر الأصول القابلة للتداول في قطاع العقار بتريليوني ريال، وبلغ المتوسط السنوي لحجم الصفقات العقارية خلال السنوات الخمس الماضية 318 مليار ريال، وفي عام 2017 الذي يقر الجميع بأنه إحدى سنوات الركود التي يعاني منها قطاع العقار بلغت حجم الصفقات العقارية 225 مليار ريال وهذا ليس بالمبلغ الهين، كما يعد القطاع العقاري ثاني أكبر قطاع اقتصادي بعد النفط في المملكة، ولذلك ليس من المستغرب ما يشهده القطاع اليوم من تغييرات وإعادة هيكلة على مستوى الأنظمة والتشريعات والرقابة، حيث أولت قيادة المملكة أخيرا اهتماما خاصا بهذا القطاع ليقوم بواجبه على أكمل وجه ويؤدي هدفه الأساسي بتوفير منتجات عقارية سكنية وتجارية تغطي الطلب المتزايد عليها، ولذا نجد عديدا من المبادرات التي تعمل عليها وزارة الإسكان التي كان يفتقدها القطاع العقاري السكني بالذات، كما بدأت الهيئة العامة للعقار بتسلم زمام المبادرة فيما يخصها من رفع الشفافية في السوق العقارية وتحسين ظروف السوق حتى تكون جاذبة للاستثمار، لكن ستكتمل الفائدة عندما يلمس ابن البلد أثر هذا القطاع في حياته وحياة من حوله، وهنا يأتي دور القطاع في توفير الوظائف المناسبة لأبناء الوطن وبناء مؤشرات الأداء التي تقيس أثر القطاع في الحد من نسب البطالة وتوفير فرص العمل اللائقة بمكانة القطاع وحجمه وضخامة التداولات فيه.
سعدت خلال الأسبوع قبل الماضي بإلقاء دورة مختصرة ليوم واحد عن المهن العقارية وخاصة مهنة الوساطة العقارية وشاهدت ما يثلج الصدر من طلاب كلية العلوم الإدارية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ورأيت شبابا متحمسا للعمل وراغبا في التطوير، بل إن بعضهم لم ينتظر التوجيه وإنما بدأ عمله في مجال الوساطة العقارية من خلال مساعدة والده أو قريبه من أصحاب المكاتب العقارية، ومع أنني دربت أكثر من 700 وسيط عقاري بالتعاون مع المعهد العقاري السعودي، وجدت أن هؤلاء الطلاب النجباء من أكثر المجموعات تفاعلا وإجابة على الأسئلة التفاعلية مع أنهم طوال النهار في محاضرات إلا أن ذلك لم يثنهم عن اكتساب المهارات التي تعينهم مستقبلا في حياتهم العملية، ولا أحتاج إلى التأكيد على أن هؤلاء الشباب هم عماد المستقبل، والثروة الحقيقة لأي بلد، لكن أحتاج إلى أن أؤكد على المسؤولين أن تمكين هؤلاء الشباب المبدعين يعد أولوية، ولا بد من جعلهم يستفيدون ويفيدون القطاع العقاري ويطورونه بسواعدهم الفتية وإمكاناتهم المميزة في المجالات الحديثة ومن أهمها المجال التقني الذي يعد اليوم أساسا في تطوير أي قطاع اقتصادي.
الطموح اليوم أن يوفر القطاع العقاري 40 ألف وظيفة، لكن لنجيب على تساؤل مهم وهو، هل هذا الرقم منطقي؟ وباطلاع سريع على دول لديها عدد سكان قريب من السعودية ومساحة دولة شاسعة كما هي حال السعودية، نجد مثلا في أستراليا التي يقدر عدد سكانها بـ24 مليون نسمة، أن عدد العاملين في المجال العقاري 117 ألف موظف، يمثل الوسطاء العقاريون قرابة 60 في المائة من حجم العاملين في المجال، وكذلك يمثل العاملون في القطاع العقاري في كندا التي يقدر عدد سكانها بـ36 مليون نسمة قرابة 295 ألف موظف، ولذلك أعتقد أن توفير 40 ألف وظيفة في القطاع العقاري السعودي وفي مدة وجيزة لا تتجاوز خمس إلى سبع سنوات يعد أمرا ممكنا، لكنه يحتاج إلى إعادة هيكلة القطاع وتأهيل العاملين فيه، كما عملت تلك الدول لتوفير فرص العمل، ولعل أحد أهم ما يفتقده المجال العقاري هو الكوادر البشرية المؤهلة، وهذا يلزم وجود جهة ترعى هذا الأمر وتركز على هذه المهمة، ولنعرف كيف أن 117 ألف محترف في المجال العقاري توافرت لهم فرص عمل في أستراليا لا بد أن نذكر أن هناك جهة مسؤولة عن تنمية الموارد البشرية في المجال العقاري هناك وهي المعهد العقاري الأسترالي الذي بدأ عمله في عام 1924، وهذا يعني أنه يؤهل المحترفين والمهنيين العقاريين منذ قرابة قرن من الزمان، وبعد تأهيل الكوادر يأتي توطين المهن العقارية وفرض وجودها في المجالات المختلفة التي تتقاطع معها من خلال أنظمة وتشريعات تضمن وضع الكوادر المؤهلة في مكانها المناسب، حيث لا يمكن أن يعمل في الوساطة العقارية إلا السعودي المؤهل أكاديميا ومهنيا، وكذلك إدارة الأملاك والمرافق العقارية، والصناديق العقارية الخاصة والعامة والمتداولة، والتمويل والتطوير العقاري، وغيرها من المجالات التي ترتبط بالعقار بشكل مباشر أو غير مباشر، وذلك كي يعمل هذا القطاع بكفاءة ويوفر الفرص المناسبة للمؤهلين الذين يستطيعون قيادته للنجاح وتحقيق ما يخدم الوطن والمواطن.
الخلاصة، توطين الوظائف العقارية ليس بالأمر المستحيل، لكنه في الوقت نفسه ليس بالهين لاتساع رقعة البلاد وتشعب العاملين في المجال، حيث يقدر الوسطاء العقاريون بأكثر من عشرة آلاف وسيط على مستوى المملكة، ولذلك ستحتاج الجهات المختلفة إلى بذل مزيد من الجهود للتأهيل وصياغة الأنظمة التي تحفز التوطين وبعدها المتابعة والرقابة المستمرة على السوق حتى تتأقلم مع المتغيرات، وهنا لا أنسى جهود المعهد العقاري السعودي وحرصه على تأهيل الكوادر البشرية وأرجو له مزيدا من النجاح والاجتهاد لتأدية واجبه على أكمل وجه.