الأسهم الصينية تخسر 20 % منذ بداية 2018 .. و"اليوان" عند أدنى مستوى في 11 شهرا

الأسهم الصينية تخسر 20 % منذ بداية 2018 .. و"اليوان" عند أدنى مستوى في 11 شهرا

سجلت العملة الصينية أمس، أدنى مستوى لها مقابل الدولار الأمريكي في 11 شهرا. ولأول مرة منذ شهر آب (أغسطس) الماضي يحقق اليوان مستوى 6.7 مقابل الدولار. 
وتأتي تلك التطورات في وقت تتزايد فيه نذر الحرب التجارية بين بكين وواشنطن، حيث يستعد أكبر اقتصادين في العالم للبدء في تنفيذ تعريفات تجارية انتقامية، حيث من المقرر أن تفرض إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب رسوما بنسبة 25 في المائة على 800 فئة من المنتجات الصينية تقدر قيمتها بـ 34 مليار دولار، الجمعة المقبل، كما ستفرض حكومة الرئيس الصيني ضريبة بنسبة 25 في المائة على سلع أمريكية بالقيمة ذاتها في اليوم ذاته.
ولا شك أن انخفاض اليوان في ظل تلك الظروف يعقد بعض جوانب المشهد الاقتصادي بالنسبة للسلطات الصينية، حيث إن الدولار يتحول بالنسبة لعديد من المستثمرين مع ارتفاع أسعار الصرف وزيادة أسعار الفائدة الأمريكية إلى ملاذ آمن، بما يعنيه ذلك من انسحاب رؤوس الأموال الدولية من الصين في اتجاه الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من أن خسائر اليوان بلغت الشهر الماضي 3.25 في المائة، ما استدعى إلى الذاكرة أحداث تموز (أغسطس) عام 2015، عندما سمح البنك المركزي الصيني بشكل غير متوقع بأن تضعف العملة بنحو 3 في المائة مقابل الدولار الأمريكي، ما أدى في حينها إلى خروج كميات ضخمة من رؤوس الأموال الدولية من الصين.
لكن بخلاف عام 2015 فإنه لا توجد مخاوف كبيرة من هبوط حاد في الاقتصاد الصيني، وهو ما يعني أن الانخفاض الراهن يعبر عن قوى السوق أكثر من تدخلات إدارية من قبل السلطات المالية الصينية.
ومع هذا تتباين تحليلات الخبراء الاقتصاديين بشأن إمكانية استخدام الصين لانخفاض قيمة عملتها كوسيلة من وسائل الحرب التجارية الراهنة مع الولايات المتحدة. 
الخبير المصرفي جورج ديفيد يعتقد أن المشكلة لا تكمن في اليوان المنخفض وإنما تكمن أكثر في ارتفاع قيمة الدولار. 
ويقول لـ"لاقتصادية": ما نشهده حاليا هو خروج الاستثمارات الدولية من الصين ومن الاقتصادات الآسيوية الناشئة، ومن ثم فإن المشكلة تكمن في الجاذبية المفرطة والناجمة بالأساس من ارتفاع الدولار، أكثر من المخاوف التي تحدث نتيجة تراجع العملات الآسيوية ومن بينها اليوان. ولهذا نلاحظ أن البنك المركزي الصيني لم يتخذ أي إجراء تجاه وضع اليوان، لإدراك بكين أن المشكلة لا تكمن في عملتها وإنما في الدولار الأمريكي".
ويؤكد أن الأمر يتطلب بعض التريث لمعرفة كيفية تفاعل الأسواق مع الزيادة المرتقبة على الرسوم الجمركية بين واشنطن وبكين، إذ سيحدد رد فعل السوق كثيرا من المسارات المرتقبة بالنسبة لليوان وللدولار أيضا.
على الجانب الآخر يعتقد راسال إيرك المدير التنفيذي لشركة إل. دي للاستثمار، أن انخفاض قيمة اليوان يصب في مصلحة الاقتصاد الصيني، ولا يستبعد أن تلجأ السلطات المالية في بكين إلى إغماض الطرف عن هذا التراجع مع تصاعد الحرب التجارية مع الولايات المتحدة. 
ويضيف لـ"الاقتصادية"، أن أحد أبرز الصعوبات التي تواجه الصين حاليا نتيجة انخفاض قيمة اليوان، تتمثل في انسحاب رؤوس الأموال الأجنبية، لكن في المقابل تحقق الصادرات الصينية مزيدا من النجاحات في الأسواق العالمية، نتيجة انخفاض أسعارها مقارنة بالسلع الأمريكية مقيمة بالدولار، كما أن السلع الصينية في الأسواق الأمريكية ستظل أكثر جاذبية للمستهلك مقارنة بالأمريكية، على الرغم من رفع الرسوم الجمركية عليها بنسبة 25 في المائة نتيجة التراجع النسبي في سعر صرف العملة الصينية. 
مع هذا فإن أغلب التقديرات تشير إلى أنه لا توجد مصلحة حقيقية للصين في أن تتراجع عملتها بشكل كبير، إذ سيؤدي ذلك إلى إيجاد مؤشرات سلبية حول وضع الاقتصاد الصيني، كما سيؤدي إلى زيادة حدة التوتر مع الإدارة الأمريكية، حيث سيضحى الانخفاض مؤشرا على استعداد السلطات المالية في بكين إلى إحداث نقلة نوعية في طبيعة الحرب الدائرة مع الولايات المتحدة، ونقلها من مسار الحرب التجارية إلى حرب عملات وهو ما يجعل المشهد الاقتصادي أكثر تعقيدا وخطورة.
ويتجلى حرص الصين في عدم الانزلاق إلى هذا الوضع في إعلان البنك المركزي ضخ 100 مليار دولار أمريكي في النظام المالي الصيني، لإزالة أي قلق دولي بشأن صحة ومتانة اقتصادها.
وفي الواقع فإن المشكلة لا تتعلق حاليا بانخفاض اليوان الصيني فحسب، بل إن الحديث عن مشاكل في سوق الأسهم الصينية يثير قلق كثير من المستثمرين الدوليين، وذلك على الرغم من الاستثمارات الأجنبية في البورصات الصينية لا تزال محدودة.
ويقول لـ"الاقتصادية" دراك دالتون من بورصة لندن "منذ يناير الماضي وحتى الآن تراجع سوق الأسهم في الصين بنحو 20 في المائة، وهذا لا يؤثر كثيرا في الاستثمارات الأجنبية لمحدوديتها في البورصات الصينية، كما يجب الإقرار بأن سوق الأسهم الصينية عكس نظيره في الولايات المتحدة، حيث لديه روابط أقل بالاقتصاد الكلي ويلعب دورا محدودا في الهيكل الاقتصادي العام".
ويشير إلى أنه مع ذلك فإن تراجع البورصة الصينية يمكن النظر إليها باعتبارها مؤشرا غير مريح بشأن وضع الشركات الصينية، والأهم ثقة المستهلك والمستثمر المحلي في الوضع الاقتصادي. 
ولا شك أن التوصل إلى استخلاص نهائي بشأن مصير العملة الصينية بل والاقتصاد الصيني في الوقت الحالي ربما يعد ضربا من التكهنات أكثر من خضوعه لتحليل علمي واقعي.
والمؤكد أن نتائج الجولة الأولى من الحرب التجارية التي ستنطلق بعد غد بين واشنطن وبكين، ستحدد إلى حد كبير مسار التطورات المقبلة في كل من سعر صرف اليوان في مواجهة الدولار، وطبيعة استجابة أسواق الأسهم الصينية ومن ثم الاتجاهات المستقبلية ليس في الاقتصاد الصيني فحسب بل في الاقتصاد الدولي ككل.
 

الأكثر قراءة