خبراء دوليون لـ"الاقتصادية" : السعودية ستكون مفاجأة الأسواق في الطاقة المتجددة
فيما يتزايد الوعي العالمي بقضايا التلوث البيئي، ويتصاعد معه الإدراك بضرورة زيادة الاعتماد – سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات أو الدول – على مصادر الطاقة المتجددة، والابتعاد عن الوقود الأحفوري مثل النفط والغاز، تقوم السعودية بإعداد خطط متكاملة للوصول إلى إمكاناتها الحقيقية في هذا المجال.
وبحسب عدد من الخبراء الدوليين، فإن السعودية ستكون مفاجأة الأسواق في مجال الطاقة المتجددة خلال السنوات المقبلة.
وعلى الرغم من عدم إنكار الخبراء فاعلية الوقود الأحفوري في توليد الطاقة، إلا أنه إضافة إلى تلويثه للبيئة، يتعرض إلى النضوب على المدى الطويل، وهو ما يدفع إلى مساع دولية حتى بين الدول الغنية بالوقود الأحفوري، للتحول إلى الطاقة المتجددة وتطوير الطاقة النظيفة، من أجل التصدي بفاعلية لتغيير المناخ وآثاره المدمرة على البيئة والإنسان.
وفي هذا الإطار تتسابق خمسة مصادر للطاقة النظيفة على احتلال مركز الصدارة في هذا السباق الكوني، حيث إن الطاقة النووية والشمسية والبيولوجية والهيدروكهربائية وطاقة الرياح جميعها مصادر لطاقة نظيفة، تلعب وستلعب دورا متزايدا في المستقبل، لتوفير احتياجات المجتمعات والتنمية الاقتصادية من الطاقة.
وإذ كان الاختيار بين مصادر الطاقة الخمس محل جدل بين خبراء، فإن السنوات الأخيرة كشفت عن مزيد من التأييد والانحياز إلى خيار طاقة الرياح والطاقة الشمسية على حساب المصادر الأخرى.
فالمخاطر المحيطة بالمفاعلات النووية، وتكلفتها المرتفعة، والمشاكل المتعلقة بالتخلص من النفايات النووية، جميعها عوامل تضعف في كثير من الأحيان خيار اللجوء للطاقة النووية كخيار أمثل لحل مشاكل الطاقة، كما أن التعويل على الطاقة الهيدروكهربائية وهي المتولدة من سدود الأنهار مرتبط بالطبيعة الجغرافية، إذ لا يمكن إنتاجها في البلدان الصحراوية التي لا توجد فيها أنهار، وحتى في البلدان النهرية، فإن عملية بناء السدود تكون مرتبطة في كثير من الأحيان بإحداث تغيرات جغرافية وديمغرافية تثير الكثير من الضغوط السياسة.
أما الطاقة البيولوجية فقد باتت في الآونة الأخيرة مثار تساؤلات في العديد من البلدان، حيث إن الحاجة إلى زراعة مساحات ضخمة من الأراضي الزراعية، بمحاصيل تستخدم في توليد الطاقة بدلا من توفير الطعام، خاصة مع بلوغ عدد الجوعى في العام ما يراوح بين 850 مليونا ومليار نسمة، يثير الكثير من التساؤلات حول مدى أخلاقية هذا الخيار، إضافة إلى أن إنتاج الطاقة البيولوجية، يتضمن عمليات إحراق للمحاصيل وهو ما يلوث البيئة نسبيا.
ويظل خيار الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الخيارين المثلين، إذ يلاحظ أن السنوات الأخيرة شهدت مزيدا من الإقبال على خيار طاقة الرياح للعديد من الأسباب أهمها انخفاض تكلفة التوربينات المولدة للطاقة، كما أن مزارع الرياح يمكنها العمل دون الحاجة إلى سطوع الشمس، إضافة إلى قابليتها للتشييد سواء في المسطحات المائية أو اليابسة.
وهذا التحول بزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة سيعالج الطلب المتزايد على الكهرباء في جميع أنحاء العالم.
ووفقا للبيانات الصادرة عن وكالة الطاقة الدولية، سيزداد الطلب العالمي على الكهرباء بنسبة 70 في المائة بحلول عام 2040، بسبب الاقتصادات الناشئة في الهند والصين وإفريقيا والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا، وحتى الآن لا يحصل أكثر من 17 في المائة من سكان العالم على الكهرباء، بينما يستخدم أغلبية السكان مصادر تقليدية لأغراض التدفئة والإضاءة.
وتشير التقديرات الدولية إلى أن سوق طاقة الرياح وحتى عام 2022 سيبقى عند المستوى الذي حققه العام الماضي، بسبب الانخفاض المتوقع في ألمانيا والمملكة المتحدة والهند، وسيعوض هذا الانخفاض بزيادة الإنتاجية في أمريكا الشمالية والشرق الأوسط وإفريقيا وأمريكا الجنوبية، وستحافظ الصين على ريادتها للأسواق الدولية.
ويعلق الباحث في مجال الطاقة ميتشل أندرو قائلا "ربما كان هذا هو المشهد في صورته العامة، ولكن هناك مفاجآت متوقعة".
وحول تلك المفاجآت يؤكد لـ"الاقتصادية" أن روسيا والسعودية ربما تكونا المفاجأة المتوقعة في مجال توليد الطاقة من الرياح، إذ من الواضح أن هناك خططا متكاملة في البلدين للوصول إلى إمكانيتهما الحقيقية في هذا المجال، وربما تكون السعودية في بداية الطريق حيث إن القدرات المالية، ورغبة الشركات العالمية في هذا المجال بالوصول إلى الأسواق السعودية، سيفتح آفاقا جديدا في تلك الصناعة.
ويقول "رؤية 2030 للمملكة تشير إلى أنها تستهدف تحقيق 9.5 جيجاواط من طاقة الرياح والطاقة الشمسية بحلول عام 2023، لخفض اعتماد المملكة على النفط، وخلق مزيد من التنوع الاقتصادي".
ويضيف " موقع بلومبرج الاقتصادي الشهير كان قد أشار في تقرير له في بداية هذا العام إلى أن السعودية قد رصدت ما يراوح بين 5 مليارات و7 مليارات دولار أمريكي لمشاريع الطاقة المتجددة، والمخطط إنتاج 800 ميجاواط من الطاقة من مزارع الرياح هذا العام".
ويلفت إلى أن المملكة ربما تكون في بداية الطريق، حيث تسير مع الاتجاه العالمي، وهذا قد يعزز من موقعها في ظل جاذبيتها الاقتصادية للشركات الكبرى.
بدوره، يقول لـ"الاقتصادية" المهندس كريس جرين الخبير في مركز الطاقة المتجددة، "الانحياز لطاقة الرياح يعود إلى أنه لا تنبعث منها مواد أو نفايات سامة، كما لا تلوث الهواء أو الماء، وهناك 80 دولة حول العالم تستخدم طاقة الرياح على أساس تجاري".
ويضيف " تثبت توربينات الرياح البحرية أنها أكثر كفاءة من توربينات الرياح البرية بسبب سرعة واتجاه الرياح الأكثر ثباتا. ونتيجة لذلك يلزم تركيب عدد أقل من التوربينات لتوليد نفس القدر من الكهرباء، مقارنة بالتوربينات البرية، علاوة على ذلك، لا تتداخل توربينات الرياح البحرية مع الاستخدام العادي للأراضي. وأثبتت أنها مفيدة في مجال الطاقة العالية المرتبطة بالمناطق الكبيرة والرياح الأقوى، لكن مشكلة توربينات الرياح البحرية أنها تتطلب استثمارات أعلى في البداية، وكذلك مصاريف أعلى في التشغيل والصيانة، وذلك على الرغم من أن أساسيات التكنولوجيا هي نفسها في البر والبحر، ومن المتوقع أن تشهد تكنولوجيا الرياح البحرية تقدما أكثر من التكنولوجيا البرية".
وتشير تقارير الوكالة الدولية للطاقة إلى أن توربينات طاقة الرياح، تتطلب مكونات مختلفة لتنفيذ عملها بكفاءة، وبعض المكونات يرتبط بالبنية التحتية الكهربائية، والبعض الآخر يرتبط بالبنية التحتية بصورة عامة، وفي حالة التوربينات البحرية فإن عمق البحر عامل مهم عند دراسة الجدوى الاقتصادية لمزارع الرياح، حيث إن تكلفة الأساس تزداد بشكل ملحوظ مع زيادة العمق.
من جهتها، تؤكد لـ"الاقتصادية" الدكتورة اليسون جوفرن أستاذة اقتصادات الطاقة أن طاقة الرياح هيمنت على الجزء الأكبر من الاستثمارات في الطاقة المتجددة في السنوات الماضية، حيث بلغت استثماراتها 104.3 مليار العام الماضي، أي ما يعادل 47 في المائة من إجمالي الاستثمارات في الطاقة المتجددة التي بلغت 216.1 مليار دولار، مبينة أن استثمارات مزارع الرياح على اليابسة في العام الماضي بلغت نحو 83 مليار، أما مزارع الرياح البحرية فقد بلغت القيمة الإجمالية للاستثمار فيها نحو 21.3 مليار دولار.
وتشير إلى أن جزءا من الزيادة الاستثمارية يعود إلى تنامي الوعي العالمي بأهمية البيئة النظيفة، لكن جزءا آخر ملحوظا يعود إلى التطور التكنولوجي في توربينات توليد الكهرباء من طاقة الرياح، وانخفاض تكلفتها، حيث إن الصين بمفردهها قامت عام 2017 بإنشاء 13 مزرعة رياح.
وفي العام الماضي حافظت الصين على موقعها كأكبر سوق لطاقة الرياح منذ عام 2009، والعام الماضي زاد إنتاج الطاقة المتولد من مزارع الرياح في الصين بنحو 26 في المائة مقارنة بعام 2016، بحيث باتت الطاقة المولدة من مزارع الرياح الصينية تسهم حاليا بـ4.75 في المائة من إجمالي توليد الطاقة في الصين.
بدوره يقول المهندس ألن دينكن الاستشاري السابق في المجلس العالمي لطاقة الرياح " القارة الآسيوية تقود العالم في مجال إنشاء مزارع توليد الطاقة من الرياح، تليها أوروبا وأمريكا الشمالية في المرتبة الثالثة، وكان هذا هو الوضع في العام الماضي، وهو على ما عليه منذ عام 2010، ومعظم الدول التي أنشأت مزارع الرياح تقع خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وبنهاية عام 2017 كانت هناك 30 دولة قامت بتوليد 1000 ميجاواط، 18 في أوروبا إضافة إلى الصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا والولايات المتحدة وكندا والمكسيك وثلاث دول في أمريكا الجنوبية وهي البرازيل وشيلي وأورجواي، وفي إفريقيا جنوب إفريقيا، وخلال هذا العام متوقع أن تتجاوز الصين حدود 200 ألف ميجاواط".