تأخر تطبيق الرسوم على الأراضي البيضاء
مضى على إعلان تطبيق "المرحلة الأولى" من نظام رسوم الأراضي البيضاء في كل من الرياض وجدة وحاضرة الدمام حتى تاريخه 27 شهرا، ووفقا لأحدث إعلانات وزارة الإسكان؛ تعد الفترة الراهنة هي الدورة "الفوترية" الثانية للمدن الثلاث، التي ستنتهي بالنسبة إلى مدينة الرياض في السابع من آذار (مارس) 2019 ثم تدخل دورتها "الفوترية" الثالثة بعد ذلك التاريخ، بينما ستنتهي بالنسبة إلى مدينة جدة في 30 آذار (مارس) 2019 ومن ثم تدخل دورتها "الفوترية" الثالثة بعد ذلك التاريخ، وستنتهي بالنسبة إلى حاضرة الدمام في 26 نيسان (أبريل) 2019 ومن ثم تدخل دورتها الثالثة بعد ذلك التاريخ. فيما لا تزال مكة المكرمة التي مضى على إعلان تطبيق "المرحلة الأولى" من نظام الرسوم فيها نحو 19.4 شهر، ضمن دورتها "الفوترية" الأولى التي ستنتهي في تاريخ الأول من كانون الأول (ديسمبر) 2018 ومن ثم تدخل دورتها "الفوترية" الثانية بعد ذلك التاريخ.
وللتذكير حول ماذا تشمل "المرحلة الأولى" من نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، فهي حسبما حددته اللائحة التنفيذية لرسوم الأراضي البيضاء: الأراضي غير المطورة بمساحة عشرة آلاف متر مربع فأكثر، الواقعة ضمن النطاق الذي تحدده وزارة الإسكان. فيما تشمل "المرحلة الثانية": الأراضي المطورة العائدة لمالك واحد في مخطط معتمد واحد، ما دام مجموع مساحتها يزيد على عشرة آلاف متر مربع. بينما تشمل "المرحلة الثالثة" من مراحل تطبيق نظام الرسوم على الأراضي البيضاء: الأراضي المطورة العائدة لمالك واحد في مخطط معتمد واحد، ما دام مجموع مساحتها يزيد على خمسة آلاف متر مربع. أخيرا تشمل المرحلة الرابعة: الأراضي المطورة العائدة لمالك واحد في مدينة واحدة، ما دام مجموع مساحتها يزيد على عشرة آلاف متر مربع. وحسبما ورد في النظام واللائحة التنفيذية؛ إذا لم تنطبق مرحلة معينة على أي من المدن، أو لم تكف الأراضي ضمن مرحلة معينة لتحقيق التوازن المطلوب بين العرض والطلب، فيجوز بقرار من وزير الإسكان تجاوز تلك المرحلة والانتقال إلى المرحلة التالية.
ووفقا لأحدث البيانات المنشورة على موقع وزارة الإسكان، وصل عدد الأراضي تحت مظلة المرحلة الأولى من نظام رسوم الأراضي البيضاء حتى تاريخه في المدن الأربع المذكورة أعلاه إلى 863 أرضا، بمساحات إجمالية بلغت أعلى من 426.5 مليون متر مربع، أصدرت وزارة الإسكان تجاه ملاكها 1200 رسم، وبلغت مساحات تلك الأوامر المصدرة نحو 411.5 مليون متر مربع.
تكشف مقارنة أعداد تلك الأراضي ومساحاتها المليونية، سواء مع الأعداد الهائلة للأراضي البيضاء التي فاقت وفقا لوزارة العدل 64.4 ألف أرض، بمساحات فاقت مليارات من الأمتار المربعة، أو مع المساحات الشاسعة جدا التي أعلنت عنها وزارة الشؤون البلدية والقروية في كتابها الإحصائي 1436هـ، وتفصيلها فيه حول عشرات المليارات من الأمتار "المستعملة، والمخططة، وغير المخططة" حسب كل منطقة ومدينة، تؤكد تلك المقارنة بين المساحات الشاسعة من الأراضي الغائب عنها حتى تاريخه تطبيق نظام الرسوم على الأراضي من جانب، ومن جانب آخر ما تم تطبيقه حتى تاريخه تحت اللائحة التنفيذية لنظام الرسوم على الأراضي البيضاء، ودخول العام الثالث على التوالي ووزارة الإسكان لا تزال في المرحلة الأولى من تطبيق النظام. بهذا العدد المحدود جدا من الأراضي البيضاء، بتلك المساحات الشاسعة جدا مقارنة بأعداد ملاكها القليل جدا، نجد أن التطبيق متأخر جدا عما كان مخططا له ومستهدفا منه لنظام الرسوم على الأراضي البيضاء، الذي نصت المادة الثانية منه على أهدافه التالية: (1) زيادة المعروض من الأراضي المطورة بما يحقق التوازن بين العرض والطلب. (2) توفير الأراضي السكنية بأسعار مناسبة. (3) حماية المنافسة العادلة ومكافحة الممارسات الاحتكارية.
هل بإمكان وزارة الإسكان أن تصرح عن النسب الفعلية لما تحقق من تلك الأهداف بالتفصيل، وفقا لما تم تطبيقه من نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، المتمثل حتى تاريخه في المرحلة الأولى فقط؟ وأن توضح للعموم: كم زاد المعروض من الأراضي المطورة؟ وكم توافر في السوق كأراض سكنية؟ وإلى كم وصلت أسعارها من حيث مناسبتها لعموم المواطنين من عدمه؟ وغيرها من الأسئلة العديدة، التي تشير أوضاع السوق العقارية المحلية حتى تاريخه، إلى أنها لا تزال تعيش في ركودها الشديد للعام الرابع على التوالي!
إن اعتراف وزارة الإسكان في تقريرها السنوي الأخير 2017، الذي تمت مناقشته أمام مجلس الشورى مطلع العام الجاري، بضعف العوائد المالية لمتحصلات الرسوم على الأراضي البيضاء، يعبر عن حقيقة ضعف نتائج ما تم تطبيقه بشكل محدود جدا لنظام الرسوم على الأراضي البيضاء. ما يدعوها بالضرورة إلى سرعة مبادرتها نحو تطبيق المراحل التالية للنظام، على أقل تقدير المرحلتين الثانية والثالثة، نظرا لما تشكله أزمة تملك المساكن من تحد تنموي جسيم جدا أمام الاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء.
إن مطالبة كثير من العقاريين خلال العام الأخير بإيقاف العمل بنظام الرسوم على الأراضي البيضاء، نظرا إلى عدم نجاحها حتى تاريخه في تحقيق الأهداف التي لأجلها وضع النظام، تعد اعترافا صريحا من الأطراف الفعلية في السوق العقارية بضعف المردود المتحقق من "التطبيق الفعلي" للنظام، وتعد أيضا قفزا على الحقائق من زاوية أخرى؛ ذلك أن تلك الأصوات العقارية تعلم تمام العلم أن النظام لم يتم تطبيقه بالكامل! وما استعجالهم المطالبة بوقفه قبل تطبيقه بالكامل، إلا لعلمهم يقينا أن استكمال تنفيذ بقية المراحل وتطبيقها بشكل صارم، سيحقق النتائج والأهداف التي وضعها النظام، وهو ما يتعارض جملة وتفصيلا مع مصالحهم الضيقة، التي لا تتناسب مع المصلحة العامة التي ستتحقق حين التطبيق الكامل لنظام الرسوم على الأراضي البيضاء.
يجب أن تدرك وزارة الإسكان على أعلى قدر من مسؤولياتها تجاه الاقتصاد الوطني والمجتمع، أن استكمال تنفيذ المراحل التالية لنظام الرسوم على الأراضي البيضاء، يحتل مرتبة أسبق بكثير من جميع برامجها الراهنة، التي جاءت وليدة مبادرات داخلية من الوزارة ذاتها، في الوقت ذاته الذي يحظى فيه نظام الرسوم على الأراضي البيضاء بقوة صدوره من أعلى جهات الدولة - أيدها الله -، وأن تدرك أيضا أن أول شروط نجاح أي مبادرات وبرامج منها لأجل تجاوز أزمة تملك المساكن بين المواطنين، هو مرهون بالدرجة الأولى بنجاح تطبيقها نظام الرسوم على الأراضي البيضاء، التي ستكفل لها عودة الأسعار المتضخمة جدا لمختلف الأصول العقارية وإيجاراتها المتضخمة إلى المستويات العادلة، والمقبولة لدى عموم شرائح المجتمع، وأن لا مجال لتجاوز تلك الأزمة التنموية الكأداء، إلا بانخفاض تكلفة تملك المساكن والأراضي. والله ولي التوفيق.