إلى أين تتجه السوق العقارية خلال 2019؟
أنهت السوق العقارية المحلية عام 2018 على انخفاض إجمالي قيمة صفقاتها للعام الرابع على التوالي، وجاءت نسبة الانخفاض خلال العام الماضي مقارنة بعام 2017 الأعلى طوال فترة الانخفاض التي امتدت أربعة أعوام متتالية؛ حيث وصلت إلى 36.4 في المائة، في الفترة التي راوحت نسب الانخفاض السابقة فيها بين 24 و16 في المائة. كما وصلت نسبة الانخفاض مقارنة بذروتها الأعلى التي وصلت إليها خلال 2014 إلى مستوى قياسي بلغ نحو 67.6 في المائة، وتبعت تلك المعدلات من الانخفاض في قيم صفقات السوق العقارية، أعداد كل من الصفقات المنفذة والعقارات المبيعة للفترة نفسها، مسجلة نسب انخفاض وصلت إلى 34.3 في المائة لأعداد الصفقات، وإلى 36.3 في المائة لأعداد العقارات المبيعة.
انعكست تلك الأوضاع بكل تأكيد على مستويات الأسعار المتضخمة لمختلف الأصول العقارية، التي كانت قد سجلت ارتفاعات عالية جدا طوال العقد الزمني، الذي انتهى بنهاية 2014، لتسجل نسب انخفاض خلال الفترة التي تلتها نتيجة اختلاف مسار عديد من العوامل الاقتصادية والمالية، ونتيجة بدء الإصلاحات الهيكلية الواسعة النطاق التي شهدها الاقتصاد الوطني عموما، والسوق العقارية خصوصا، التي تأثرت طوال فترة ما قبل الإصلاحات بتوغل أشكال عديدة من التشوهات، أدى وجودها بالتزامن مع وفرة الأموال الباحثة عن فرص استثمارية محلية محدودة، إلى قفز أسعار الأراضي والعقارات بمعدلات مضاعفة، أسهم في قوة تأثيرها الانتشار الواسع لأشكال احتكار الأراضي والمضاربات المحمومة عليها دون قيد أو شرط، اصطدمت خلال الأعوام الأخيرة بانعكاس اتجاه المتغيرات الاقتصادية والمالية حتى الاجتماعية، واصطدمت أيضا بإقرار نظام الرسوم على الأراضي البيضاء وبدء تطبيقه، وكان بمنزلة الرصاصة التي أصابت في مقتل احتكار الأراضي بمساحات شاسعة دون تحمل أي تكلفة تُذكر، وأدت بشكل كبير إلى الحد من أشكال المضاربات المحمومة على ما يتاح منها للشراء والبيع، وكل هذه النتائج الإيجابية جاءت فقط تحت مظلة تنفيذ المرحلة الأولى من نظام الرسوم على الأراضي، التي تركزت على الأراضي الخام في أربع مدن رئيسة فقط، هي: "الرياض، وجدة، ومكة المكرمة، وحاضرة الدمام".
والمتوقع تحت استمرار ضغوط العوامل الاقتصادية والمالية بوضعها الراهن على أداء السوق العقارية، وتحت استمرار ارتفاع عروض البيع والتطوير والانتفاع للأراضي والعقارات، واستمرار ارتفاع معدلات الفائدة، بالتزامن مع تطبيق مبادئ التمويل المسؤول، واستمرار إخلاء الوافدين وأسرهم المساكن المستأجرة، والزيادة المطردة في أعداد المساكن الشاغرة من السكان "جديدة، مستخدمة"، التي تجاوزت نسبتها ربع إجمالي أعداد المساكن في المملكة، وانعكاس ذلك كله على استمرار انخفاض تكلفة الإيجارات، إضافة إلى بداية التطبيق الفعلي لشهادة الاستدامة على المساكن، وأخيرا البدء في التنفيذ المرتقب للمرحلة الثانية من نظام الرسوم على الأراضي البيضاء المطورة، كل ذلك وغيره مما لا يتسع المجال لذكره هنا من العوامل والمتغيرات الأخرى المعاكسة لأي احتمال يخدم ارتفاع الأسعار في السوق، تذهب بتوقعات مستويات الأسعار السوقية لمختلف الأصول العقارية، وبمستويات تكلفة إيجاراتها، نحو مزيد من الانخفاض بمشيئة الله تعالى، ستضاف إلى ما تم تسجيله حتى نهاية 2018 من انخفاضات لأسعار الأراضي والعقارات طوال فترة الركود العقارية للأربعة أعوام الماضية، التي راوحت في المتوسط على مستوى عموم محافظات ومدن المملكة بين 19.4 في المائة للشقق السكنية، ونحو 30.2 في المائة للفلل السكنية، ونحو 32.4 في المائة للأراضي السكنية.
إن لاستمرار انخفاض الأسعار السوقية المتضخمة للعقارات، ولتكاليف إيجاراتها السنوية فوائد مهمة جدا للاقتصاد الوطني وللمجتمع على حد سواء، ما يسهم في دعم ارتفاع وتيرة النمو الاقتصادي واستدامته، إضافة إلى ما سيؤدي إليه من خروج أسرع من دائرة مشكلة الإسكان بوضعها الراهن، الأمر الذي تأكد لدى الجميع، بل إنه أيضا يُعد أحد أهم متطلبات خروج السوق العقارية من حالة الركود الطويلة التي تخضع لها منذ أكثر من أربعة أعوام مضت، خاصة أنه تأكد حتى لتجار العقار وذوي العلاقة بسوق العقار المحلية، أن جزءا كبيرا من الارتفاعات الهائلة التي شهدتها الأسعار، كان نتيجة وجود تشوهات هيكلية سيطرت عدة عقود على السوق وأن زوال تلك التشوهات نتيجة الإصلاحات الاقتصادية، ومن ثم زوال ما نتج عنها من تضخم كبير للأسعار السوقية، سيكون صحيا جدا للسوق العقارية مستقبلا، وما يمثله ذلك من إعادة للرشد والعقلانية والثقة بالسوق، تستند إلى ركائز اقتصادية متينة جدا، يتمتع بها الاقتصاد الوطني والبيئة الاستثمارية المحلية، ستنعكس آثارها الإيجابية على النمو الاقتصادي المستدام، وعلى التنمية الشاملة، لا كما كانت عليه خلال فترات زمنية مضت، طالما وقفت تشوهات السوق العقارية "احتكارا، ومضاربة" وراء تحركات السيولة والأسعار فيها.
سيشهد العام الجديد مزيدا من تطوير مئات الملايين من الأراضي السكنية الجاهزة للانتفاع والبناء، ليُضاف إلى المساحات الكبيرة من الأراضي في الوقت الراهن، وهو ما سيضعف كثيرا من تصلب ملاك تلك الأراضي وتمسكهم بالأسعار المرتفعة الراهنة، كما سيشهد ضخ مئات الآلاف من الوحدات السكنية الجديدة، التي ستضاف إلى أكثر من 1.3 مليون وحدة سكنية شاغرة، وهما العاملان اللذان سيكون لهما انعكاس قوي على الأسعار بالانخفاض بمعدلات أكبر مما سبق، وهو التوازن الذي كان غائبا طوال الأعوام الماضية بين العرض والطلب، ويعني أن زيادة العرض بمئات الآلاف من الأراضي والمساكن، مقابل النمو الطبيعي للطلب، سيصب أثرهما الإيجابي في مصلحة الطلب، وفي مصلحة انخفاض الأسعار بمعدلات أكبر، حتى يصل إلى مستويات عادلة وملائمة لأفراد المجتمع من حيث الدخل السنوي والقدرة الائتمانية، وهذا بكل تأكيد سيسهم في خفض تكاليف ومخاطر الخروج من مشكلة الإسكان الراهنة، سواء عن كاهل الاقتصاد الوطني أو الميزانية الحكومية أو المجتمع. كما أنه سيكون محركا مشجعا للنمو واستدامته للسوق العقارية خصوصا، وللاقتصاد الوطني عموما، وسيؤدي إلى إيجاد وتوفير مزيد من الفرص الاستثمارية والوظيفية، على العكس تماما من حالة شبه الجمود التي تعانيها السوق العقارية خلال الفترة الراهنة. والله ولي التوفيق.