محللون نفطيون: المعروض العالمي يستنزف سريعا .. وسعر البرميل يتجه إلى 80 دولارا
مالت أسعار النفط أمس للهدوء النسبي بعد مكاسب قياسية سابقة، متراجعة قليلا بتأثير من ارتفاع مستوى المخزونات الأمريكية وزيادة إمدادات النفط الصخري فيما تجددت بعض المخاوف إزاء النمو العالمي.
وانخفضت أسعار النفط أمس بفعل ارتفاع مخزونات الخام الأمريكية وإنتاج البلاد، الذي بلغ مستوى قياسيا، فيما ألقت المخاوف الاقتصادية بظل الشك على نمو الطلب على الوقود.
وبحسب "رويترز"، بلغت العقود الآجلة لخام القياس العالمي برنت 71.52 دولار للبرميل، منخفضة 21 سنتا أو 0.3 في المائة مقارنة بسعر الإغلاق السابق.
وبلغت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 64.34 دولار للبرميل، متراجعة 27 سنتا أو 0.4 في المائة عن سعر التسوية السابقة.
وأفادت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة زادت سبعة ملايين برميل إلى 456.6 مليون برميل في الأسبوع الماضي، وهو أعلى مستوياتها منذ تشرين الثاني (نوفمبر) 2017.
وظل إنتاج النفط الخام الأمريكي عند المستوى القياسي البالغ 12.2 مليون برميل يوميا، ما يجعل الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم.
وثمة مخاوف أيضا من تباطؤ اقتصادي قد يؤثر قريبا بالسلب في استهلاك الوقود، بعد أن خفض صندوق النقد الدولي هذا الأسبوع توقعاته للنمو العالمي لأدنى مستوى في عشر سنوات.
ورغم ارتفاع الإمدادات الأمريكية والمخاوف الاقتصادية، إلا أن أسواق النفط العالمية تظل في حالة شح وسط تخفيضات الإنتاج التي تقودها منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" والعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران وفنزويلا المصدرتين للنفط وتصاعد القتال في ليبيا.
وارتفع خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي نحو 30 و40 في المائة على الترتيب منذ بداية العام.
وبخلاف التوقعات القصيرة الأجل لأسواق النفط، يتركز كثير من الاهتمام على مستقبل الطلب في ظل زيادة أنواع الوقود البديلة المستخدمة في النقل.
ويرى محللون نفطيون أن ارتفاع أسعار خام برنت إلى 72 دولارا للبرميل هو نتاج لعدد من العوامل القوية الداعمة للأسعار، وتشمل إلى جانب تخفيضات "أوبك" تحسن مؤشرات وبيانات الطلب في الصين والولايات المتحدة، إضافة إلى التدهور السريع في مستوى إمدادات فنزويلا وإيران.
وأشار المحللون إلى أن فرص حصد مكاسب أوسع ستكون أكبر إذا تمسكت "أوبك" بتخفيضات الإنتاج خلال النصف الثاني من العام الجاري، وإذا عدلت الولايات المتحدة عن التنازلات، التي منحت لثمانية مشترين للخام الإيراني خلال المراجعة، التي ستتم في الشهر المقبل، إضافة إلى احتمال قوي بقرب حسم النزاعات التجارية بين واشنطن وبكين، التي ستكون أكبر داعم لحالة التفاؤل بتسارع النمو الاقتصادي العالمي.
وفي هذا الإطار، يقول لـ"الاقتصادية"، روبرت شتيهرير مدير معهد فيينا الدولي للدارسات الاقتصادية، إن أسعار الخام كسبت نحو 30 في المائة منذ بداية العام، وارتفع خام برنت فوق 72 دولارا بوتيرة تعاف في السوق لم تكن متوقعة بهذه السرعة، تحت تأثير مباشر من خطة تحالف المنتجين "أوبك+" إلى جانب دور العقوبات على إيران وفنزويلا، والانقطاعات المتكررة في ليبيا.
وأشار شتيهرير إلى أن ذلك لا يعني أن السوق ستمضي في مسيرة صعود متصلة، حيث من الطبيعي أن تتخلل المكاسب بعض التراجعات، خاصة أن هناك عوامل بالفعل تعمل على كبح صعود الأسعار، بخاصة الزيادات السريعة والمتواصلة في الإنتاج الأمريكي من النفط الصخري، علاوة على تجدد المخاوف من حين إلى آخر من مخاطر ضعف النمو الاقتصادي، إضافة إلى انتعاش أنشطة المضاربة في السوق.
ومن جانبه، أوضح لـ"الاقتصادية"، بيل فارين برايس مدير شركة "بتروليوم بوليسي إنتلجنس" الدولية للطاقة، أن المكاسب السعرية ستظل مهيمنة على السوق، على الرغم من حدوث تقلبات مستمرة في السوق بسبب تداعيات العوامل الجيوسياسية الطارئة، لافتا إلى أن أساسيات السوق جيدة، حيث تعمل "أوبك" على التدخل الفعال والمدروس لدفع السوق نحو التوازن المستدام.
ونوه برايس إلى أن البعض يتحدث عن مخاوف بشأن تصدعات في الطلب، في الوقت، الذي تشير فيه تقديرات دولية لمصارف موثوقة مثل "جولدمان ساكس" إلى أن مؤشرات الطلب قوية، خاصة في الصين والاقتصاديات الآسيوية الناشئة، وهو ما يبشر بتجاوز تأثير العوامل السلبية الضاغطة على الأسعار، وبما يدعم استمرار صعود الأسعار، وبالتالي زيادة الثقة بالصناعة وانتعاش الاستثمار.
ومن ناحيته، يقول لـ"الاقتصادية"، ماركوس كروج كبير محللي شركة "إيه كنترول" لأبحاث النفط والغاز، إن "أوبك" لا تسعى إلى أسعار مفرطة في الارتفاع، بل تستهدف تحقيق توازن القوى بين العرض والطلب، وهو ما يعني أنها قد تتراجع عن الاستمرار في خفض الإنتاج في حالة استشعار عدم الحاجة إلى ذلك، ولتلبية احتياجات المستهلكين، لأنها تؤكد دوما على علاقة الشراكة والتفاهمات مع كل أطراف الصناعة.
ولفت كروج إلى أن ارتفاع الأسعار إذا استمر لفترة طويلة قد يؤدى إلى انتعاش مقابل في الإنتاج الأمريكي، وتجدد الزيادة في أنشطة الحفر والإمدادات، ولذلك تذهب بعض التقديرات إلى أن المنتجين عند مستوى معين سيخففون من قيود خفض الإنتاج، ويدعمون بقاء الأسعار عند مستويات ملائمة للمنتجين لا تضر بالطلب ولا تقود إلى تجدد تخمة المعروض مرة أخرى.
وبدورها، توضح لـ "الاقتصادية"، ويني أكيلو المحللة الأمريكية في شركة "أفريكا إنجنيرينج"، أن خسائر النفط الفنزويلي فادحة للغاية خاصة خلال الشهر الماضي، حيث تفاقم تأثير العقوبات الأمريكية، وأدى الأمر إلى خسارة فنزويلا 500 ألف برميل بحسب "أوبك"، فيما تشير تقديرات أخرى لوكالة الطاقة الدولية إلى خسارة 600 ألف برميل.
واعتبرت المحللة الأمريكية أن المعروض العالمي يستنزف بشكل سريع ويفوق التوقعات المسبقة، وفقا لخطة تحالف "أوبك+"، كما أن العقوبات على إيران وفنزويلا كانت حاسمة، بينما أدت الاضطرابات في الجزائر وليبيا إلى تعميق المخاوف من انقطاعات إنتاجية متوقعة استمرار المكاسب السعرية إلى قرابة 80 دولارا للبرميل، خاصة إذا تم حسم النزاعات التجارية واستمرت بيانات الطلب قوية.