تأمين الإمدادات يهدئ ارتفاع أسعار النفط .. و"أوبك" لا تتعجل في زيادة الإنتاج

تأمين الإمدادات يهدئ ارتفاع أسعار النفط .. و"أوبك" لا تتعجل في زيادة الإنتاج

في أول رد فعل عقب القرار الأمريكي بإنهاء التنازلات لثمانية مشترين للنفط الإيراني اعتبارا من بداية الشهر المقبل مالت الأسعار - على غير المتوقع - إلى الانخفاض في ظل بيانات عن تلقي الأسواق العالمية مستوى آمنا من الإمدادات النفطية، بعد أن سجلت الأسعار مستوى قياسيا في الارتفاع هو الأعلى في عام 2019 عقب الإعلان عن إلغاء التنازلات مباشرة.
وتفاعلت السوق بشكل إيجابي مع الموقف السعودي، حيث أعلن المهندس خالد الفالح وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية أن المنتجين لن يتعجلوا في زيادة الإنتاج كرد فعل فوري، وأن عملية تقييم السوق تجري بصفة مستمرة مع عدم التركيز على الأسعار، إنما على أساسيات السوق ووضع العرض والطلب ومستوى المخزونات، والأخير ما زال مرتفعا.
وقال محللون نفطيون "إن تصريحات الفالح امتصت أي مخاوف في السوق، خاصة مع تأكيده تلبية احتياجات المستهلكين كافة مهما طرأ من ارتفاع في مستوى الطلب، مع التركيز على الدول التي كانت حاصلة على تنازلات لشراء النفط الإيراني، حيث ستوفر البدائل المطلوبة لهم وإعطاؤهم الأولوية، خاصة احتياجاتهم من النفطين المتوسط والثقيل".
وأشار المحللون إلى أن منتجي النفط الخليجيين سيتحملون العبء الأكبر في تعويض أي نقص في الإمدادات سواء من إيران أو فنزويلا وتلبية احتياجات المستهلكين بشكل كاف مع الحذر في عملية زيادة الإنتاج بشكل استباقي حتى يتم التأكد من وجود نمو حقيقي في مستويات الطلب.
في هذا الإطار، يقول لـ"الاقتصادية"، مفيد ماندرا نائب رئيس شركة "إل إم إف" النمساوية للطاقة، "إن حذر السعودية في التعامل مع تبعات القرار الأمريكي بشأن إيران أمر جيد لدراسة تطورات السوق بشكل جيد"، مشيرا إلى أن الإنتاج السعودي - بحسب وزير الطاقة - سيظل عند 9.8 مليون برميل يوميا للشهر المقبل والصادرات أقل من سبعة ملايين برميل يوميا مع الاستعداد لتلبية الاحتياجات الطارئة للعملاء كافة".
وأضاف ماندرا أنه "من المتوقع ألا تكون هناك تغييرات جوهرية في سياسات الإنتاج لـ"أوبك" قبل الاجتماع الوزاري في فيينا في حزيران (يونيو) المقبل، والبشائر الأولى لموقف المنتجين قد تتضح في اجتماع لجنة المراقبة الوزارية في جدة الشهر المقبل"، لافتا إلى أجواء من الثقة والإيجابية تظلل السوق فى المرحلة الراهنة، حيث إن القرار الأمريكي جاء تصحيحا لقرار التنازلات التى أربكت السوق فب الربع الرابع من العام الماضي وقادت إلى تدهور الأسعار.
من جانبه، يقول لـ"الاقتصادية"، رينهولد جوتير مدير قطاع النفط والغاز فى شركة سيمنس الدولية، "إن التركيز على تعويض الدول التي كانت حاصلة على التنازلات هو أمر إيجابي وداعم لاستقرار السوق، خاصة أن التعويض ليس مشروطا"، مشيرا إلى أن "أوبك" لديها طاقات احتياطية هائلة وقدرة مرنة على تسريع وتيرة الإنتاج أو إبطائه حسب ظروف السوق.
وأضاف جوتير أن "تركيز السعودية على مبدأ التجاوب مع حاجة العملاء يعالج أي مخاوف على الإمدادات في السوق النفطية ويعزز استقرار السوق والأسعار دون إفراط في الصعود أو الانخفاض غير المبرر، الذي يعقب عادة القرارات المهمة"، مشيرا إلى قناعة "أوبك" بأن المخزونات ما زالت مرتفعة ومن ثم لا يوجد ما يبرر التسرع فى زيادة الإنتاج بشكل غير مدروس، خاصة أن موعد المراجعة قريب.
من ناحيته، يقول لـ"الاقتصادية"، فيتوريو موسازي مدير شركة سنام الإيطالية للطاقة، "إن البعض يراهن على أن القرار الأمريكي بإلغاء التنازلات الممنوحة لثماني دول من مشتري النفط الإيراني قد وضع صفقة خفض الإنتاج التي تنفذها دول "أوبك" وخارجها أمام تحد جديد، حيث يرى كثيرون أنه لا مبرر لاستمرارها في ضوء عزم الإدارة الأمريكية تشديد العقوبات على إيران والهبوط بمستوى صادراتها النفطية إلى مستوى الصفر".
وأشار موسازي إلى أنه لا توجد مؤشرات حتى الآن عن إلغاء الصفقة أو تخفيف خطة خفض الإنتاج بينما تعهدت السعودية بتلبية احتياجات المستهلكين وتأمين الطلب وربما يكون ذلك عن طريق حصتها، حيث قامت بالفعل بإجراء تخفيضات إنتاجية زائدة وطوعية لتسريع عملية استعادة التوازن في السوق.
بدورها، ترى أنبر لي المحللة الصينية من شركة رينج الدولية، أن السعودية وحدها أو من خلال تحالف المنتجين في "أوبك" وخارجها قادرة على تعويض الإنتاج الإيراني، حتى إن وصل التراجع إلى مستوى الصفر، إذ لا يتجاوز الإنتاج الإيراني حاليا 1.1 أو 1.3 مليون برميل يوميا، وبالتالي يمكن تعويضه من خلال تعديلات مستوى الإنتاج المستمرة خاصة مع اقتراب اجتماع حزيران (يونيو) الموسع لوزراء الطاقة في أوبك وخارجها.
وأوضحت لـ"الاقتصادية"، أن "أوبك" تعهدت بتلبية احتياجات المستهلكين خاصة الصين التي كانت تعتمد على النفط الإيراني في جانب من احتياجاتها، وهو بدد على نحو واسع حالة من القلق والترقب تواجه الدول التي كانت مدرجة في التنازلات، مشيرة إلى أن "أوبك" في الوقت نفسه حريصة على جماعية القرار، وهو ما سيكون محور الاجتماعات الوزارية المقبلة للخروج بأفضل مستوى من الإمدادات.
من ناحية أخرى، نزلت أسعار النفط في ظل إشارات على أن الأسواق العالمية ما زالت تتلقى إمدادات كافية، على الرغم من أن الأسعار قفزت إلى أعلى مستوى في 2019 هذا الأسبوع بفعل سعي واشنطن إلى تشديد العقوبات على إيران.
بحسب "رويترز"، بلغت العقود الآجلة لخام القياس العالمي برنت 74.24 دولار للبرميل، منخفضة 27 سنتا بما يعادل 0.4 في المائة مقارنة بسعر الإغلاق السابق.
وبلغت عقود خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 66.05 دولار للبرميل منخفضة 25 سنتا أو 0.4 في المائة مقارنة بالتسوية السابقة.
وارتفعت أسعار النفط الخام للتسليم الفوري لأعلى مستوى في 2019 في وقت سابق من الأسبوع بعد أن قالت الولايات المتحدة "إنها ستنهي جميع الاستثناءات من العقوبات المفروضة على إيران"، مطالبة الدول بوقف واردات النفط من طهران اعتبارا من أيار (مايو) أو مواجهة عقوبات من واشنطن.
وطُبقت العقوبات الأمريكية على إيران المصدرة للنفط في تشرين الثاني (نوفمبر) 2018، لكن واشنطن سمحت لأكبر مشتري الخام الإيراني بواردات محدودة منه لمدة ستة أشهر.
وفي ظل انخفاض حاد مرجح لصادرات النفط الإيرانية في ظل انصياع معظم الدول للضغط الأمريكي، توقع "جولدمان ساكس" و"باركليز" هذا الأسبوع أن تشهد أسواق الخام العالمية شحا في الأمد القصير.
ورغم شح السوق الفورية، يعتقد المحللون أن أسواق النفط العالمية ما زالت تتلقى إمدادات كافية بفضل وفرة الطاقة الإنتاجية الفائضة من منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" التي تهيمن عليها دول من الشرق الأوسط، فضلا عن إنتاج روسيا والولايات المتحدة نفسها.
وقالت وكالة الطاقة الدولية في بيان "إن الأسواق تتلقى إمدادات كافية، وإن الطاقة الفائضة تظل عند مستويات مريحة".

الأكثر قراءة