التقلبات السعرية تطغى على سوق النفط بتأثير ضغوط التجارة وعقوبات إيران وفنزويلا
غلبت حالة من التقلبات السعرية وتباين الأداء على سوق النفط الخام، بسبب عدد من العوامل القوية متضادة التأثير، أبرزها العقوبات على إيران التي تصاعدت مع إلغاء التنازلات للدول المشترية للنفط الإيراني، وأيضا اتساع حجم خسائر الاقتصاد الفنزويلي وانهيار الإنتاج النفطي، وكلها تعزز نمو الأسعار بمستوى طفرات قياسية متلاحقة.
ويقاوم صعود الأسعار إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن تطبيق رسوم جديدة على الواردات من الصين، ما أشعل مجددا المخاوف من تعقد محادثات التجارة الأمريكية الصينية التي تنذر بتداعيات سلبية واسعة على النمو الاقتصادي وبالتالي تحد من الطلب على النفط الخام.
ولفت لـ"الاقتصادية"، محللون ومختصون نفطيون إلى أهمية إعلان ريك بيري وزير الطاقة الأمريكي أن السعودية تقوم بدور مؤثر في تعويض نقص المعروض وتأمين الإمدادات من النفط الإيراني عقب قرار تشديد العقوبات وإلغاء التنازلات، وهو ما يؤمن احتياجات المستهلكين خاصة في السوق الأمريكية، وهي المستهلك الأكبر ومصدر الطلب الأول على النفط الخام في العالم.
وقال المحللون "إن تصريحات وزير الطاقة الأمريكي تعكس الثقة بنجاح الخطة الأمريكية الخاصة بالهبوط بالصادرات النفطية الإيرانية إلى مستوى الصفر، تحديدا في ضوء تأكيده أن جميع حلفاء الولايات المتحدة حول العالم يستجيبون لمطلب وقف كل أشكال التعاون والتعامل مع النظام الإيراني والضغط عليه بمحاصرته اقتصاديا على نحو موجع".
وأشاد المحللون بالتحرك الصيني نحو احتواء نذر اشتعال الحرب التجارية مع الولايات المتحدة مجددا، لافتين إلى أهمية الزيارة التي سيقوم بها ليو خه نائب رئيس الوزراء الصيني لاحتواء الأزمة وإعادة مسار مفاوضات التجارة إلى طبيعته السابقة التى كانت تنبئ بانفراجة قريبة.
وأشاروا إلى أن نجاح زيارة المسؤول الصيني سيدعم على نحو كبير وضعية التفاؤل بنمو الاقتصاد العالمي وتعزيز الطلب.
وقال أندريه جروس مدير قطاع آسيا في شركة "إم إم إيه سي" الألمانية للطاقة، "إن التحرك الصيني لاحتواء تصاعد الخلافات التجارية جاء سريعا وجيدا للحفاظ على استقرار السوق ومنع تفاقم المخاوف على النمو مجددا"، مشيرا إلى أن تصريحات الرئيس الأمريكي ربما تكون تهديدات انفعالية لحث الجانب الصيني على التزام أكبر بالتجاوب في محادثات التجارة.
وذكر أن السوق مزودة بشكل جيد، وهو ما أكدته "أوبك" مرارا، وجدد تأكيده وزير الطاقة الأمريكي الذي أبدى رضاه عن جهود السعودية في تعويض أي نقص في الإمدادات جراء العقوبات على إيران، خاصة مع إلغاء التنازلات اعتبارا من أول الشهر الجاري، مبينا أن أي نقص في المعروض يمكن تعويضه بشكل يسير من خلال التحرك الجماعي لتحالف المنتجين في "أوبك" وخارجها.
من جانبه، أوضح سيفين شيميل مدير شركة في جي إندستري الألمانية، أن عامل غياب الاستقرار في السوق عاد ليظهر بقوة مع بداية تعاملات الأسبوع الجاري، مع ارتفاع مستوى المخاطر الجيوسياسية إثر إرسال الولايات المتحدة سفنا حربية إلى الشرق الأوسط، ما يعمق المخاوف من احتمال صدام عسكري مع إيران.
ولفت إلى أن تعقد المشهد وضبابيته فيما يخص الحرب التجارية أضاف كثيرا من الأعباء إلى السوق في ضوء تهديدات بفرض رسوم جديدة على الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة، ما يؤدي إلى تصاعد المواجهات التجارية، بينما كانت السوق تتأهب قبل أسابيع قليلة لإنهاء هذا النزاع بشكل جذري من خلال إبرام اتفاق تجاري جديد ينعش حالة التفاؤل والتوقعات الإيجابية للنمو الاقتصادي.
من ناحيته، قال ماركوس كروج كبير محللي شركة "إيه كنترول" لأبحاث النفط والغاز، "إن تجار النفط يحاولون مقاومة التأثيرات السياسية للعوامل الجيوسياسية المستجدة خاصة التحركات العسكرية التي جاءت بعد أقل من أسبوع من إلغاء التنازلات الممنوحة لمشتري النفط الإيراني وفي إطار خطة مكثفة للهبوط بالصادرات الإيرانية إلى مستوى الصفر".
وأشار إلى أن تخفيف قيود خفض الإنتاج مطروح بقوة على مائدة اجتماعات المنتجين خاصة أن السعودية بدأت بالفعل في تخفيف حدة التخفيضات الطوعية التي كانت موجهة في الأساس إلى السوق الأمريكية لتسريع عملية السحب من المخزونات وهو ما لقي قبولا وتقديرا من الجانب الأمريكي الذي يثق بقدرات السعودية وبقية منتجي الخليج لسد أي عجز مفاجئ في المعروض النفطي.
بدورها، أكدت جولميرا رازيفا كبير المحللين في المركز الاستراتيجي للطاقة في أذربيجان، أن منطقة الشرق الأوسط تتحكم في نحو ثلث المعروض النفطي العالمي وأن نشوب معارك ومواجهات عسكرية جديدة ستؤثر من دون شك في سوق النفط وكل موارد الطاقة، ومن هنا تأتي أهمية توثيق علاقات التعاون والشراكة بين "أوبك" وخارجها لمواجهة التحديات المقبلة.
ورجحت أن يأتي اجتماع المنتجين في فيينا في حزيران (يونيو) المقبل في أوقات لا تزال حالة المخاوف والاضطرابات تهيمن فيها على الاقتصاد العالمي، ومن ثم يأتي الدور المحوري للمنتجين للتعامل مع كل هذه التحديات واستيعاب المخاطر الجيوسياسية وحسن إدارة الأزمات بما يكفل استقرار السوق عن طريق تأمين الإمدادات بشكل جيد ومنع حدوث الشطط في الأسعار وجعل علاقة الطلب والعرض متوازنة بشكل مستدام.
فيما يخص الأسعار، تباينت أسعار النفط أمس، تحت وطأة المخاوف من تصاعد النزاع التجاري الصيني الأمريكي بما قد يكبح الاقتصاد العالمي، في حين ساعدت العقوبات الأمريكية على مصدري الخام إيران وفنزويلا على إبقاء السوق في حالة توتر.
بحسب "رويترز"، فإنه خلال تعاملات أمس، كانت العقود الآجلة لخام برنت عند 71.12 دولار للبرميل، منخفضة 12 سنتا بما يعادل 0.2 في المائة عن إغلاقها السابق.
وارتفعت عقود الخام الأمريكي غرب تكساس الوسيط خمسة سنتات إلى 62.30 دولار للبرميل.
وقال المتعاملون "إن الأسعار تأثرت سلبا ببواعث القلق أن ينال تأزم محادثات التجارة بين الولايات المتحدة والصين من النمو الاقتصادي العالمي فضلا عن استهلاك الوقود".
وواجهت المحادثات الجارية بين أكبر اقتصادين في العالم أزمة مطلع الأسبوع عندما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن رسوم جديدة على السلع الصينية.
على صعيد المعروض، ظلت أسواق النفط متوترة مع تشديد الولايات المتحدة العقوبات على صادرات النفط الإيرانية، قائلة أمس الأول "إنها ستعزز وجودها العسكري في الشرق الأوسط".
وتراجعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 70.23 دولار للبرميل أمس الأول مقابل 70.61 دولار للبرميل في اليوم السابق.
وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك" أمس، "إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 14 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق ثالث انخفاض له على التوالي، كما أن السلة خسرت نحو دولار واحد مقارنة بآخر تعاملات شهر نيسان (أبريل) الماضي التي سجلت فيها 71.91 دولار للبرميل.