سياسة منتجي النفط .. تغطية الخسائر في الوقت المناسب
عادت أسعار النفط إلى حصد المكاسب في ضوء تغلب العوامل الداعمة على تأثير العوامل الكابحة لنمو الأسعار، في الوقت الذي تتلقى فيه الأسعار دعما قويا من تنامي الطلب العالمي وسط شح المعروض نتيجة تخفيضات الإنتاج التي ينفذها تحالف "أوبك +" إضافة إلى تأثير العقوبات الصارمة في إيران وفنزويلا.
ودعم صعود الأسعار أيضا بيانات عن ارتفاع ملحوظ في مستوى الواردات النفطية الصينية التي سجلت مستوى قياسيا في الشهر الماضي، ما جدد حالة الثقة والتفاؤل بنمو متسارع في مستويات الطلب على الخام في المدى القصير.
وأشاد محللون نفطيون بتمسك المنتجين في "أوبك +" بالحفاظ على منظومة العمل الجماعي، حيث أكدت السعودية أنها لن تتخذ إجراءات أحادية الجانب وستحافظ على توافق المنتجين، ومن المتوقع أن تستمر سياسات الإنتاج على المنحى نفسه حتى اجتماع المنتجين فى حزيران (يونيو) المقبل لتقييم وضع السوق وتدارس خطة الإنتاج فى النصف الثاني من العام الجاري.
يؤكد المحللون أن العوامل الداعمة للأسعار ما زالت لها الكلمة العليا في السوق خاصة أن العوامل المضادة والمتعلقة بتجدد المخاوف من الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة لا تستمر كثيرا وقاصرة على بعض التهديدات من حين إلى آخر تقابلها تحركات فورية لإعادة المفاوضات إلى مسارها الطبيعي.
في هذا الإطار، يقول لـ"الاقتصادية"، جون هال مدير شركة "ألفا إنرجي" الدولية للطاقة، "إن زيادة الواردات الصينية من النفط الخام إلى مستوى قياسي في نيسان (أبريل) الماضي علامة على قوة الطلب في ثاني أكبر اقتصاد في العالم خاصة أن هذه الزيادة جاءت على الرغم من تعطل كثير من المصافي بسبب موسم الصيانة في الصين، وهو ما يؤكد أن الطلب سيكون أوسع في الشهور المقبلة وسيسجل مستويات جديدة من الارتفاعات القياسية".
ونوه جون هال بأن إعلان أذربيجان أنها تلقت إشارات من السعودية بعدم اتخاذ قرارات فردية والتمسك بالحفاظ على علاقات التعاون والتكامل بين كل المنتجين في "أوبك" وخارجها من المشاركين في إعلان التعاون الذي نجح تنفيذه منذ بداية العام الجاري بشكل متميز وأدى إلى خصم 1.2 مليون برميل يوميا من المعروض العالمي أسهم في علاج تخمة المعروض وخفض فائض المخزونات النفطية.
من جانبه، أوضح لـ"الاقتصادية"، فيتوريو موسازي مدير العلاقات الدولية في شركة "سنام" الإيطالية للطاقة، أن أسعار الخام عادت سريعا إلى تحقيق المكاسب بعد فترة قصيرة من التقاط الأنفاس وجني الأرباح وذلك بتأثير من عودة شبح الحرب التجارية مرة أخرى بين الولايات المتحدة والصين، لافتا إلى أن جهود تحفيز السوق نحو التوازن تسير بخطوات جيدة بفضل تضافر جهود دول أوبك وخارجها بقيادة التنسيق السعودي الروسي الناجح.
وذكر موسازي أن المنتجين في "أوبك" وخارجها على أعتاب مفترق طرق بالفعل قبل اجتماع حزيران (يونيو)، فقد نجحوا خلال الربع الأول من العام في دعم أسعار النفط بنحو 30 في المائة صعودا بسبب تقييد المعروض، لكن مع نهاية الربع الثاني سيواجهون تحديات جديدة هي مخاوف التباطؤ الاقتصادي خاصة مع احتمال عدم حسم الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، التي أضيفت لها تعقيدات جديدة بعد التهديدات الأمريكية بفرض رسوم جمركية على سلع صينية.
من ناحيته، يقول لـ"الاقتصادية"، روبرت نوبل مدير شركة "أوكسيرا" الدولية للاستشارات، "إن المنتجين على الأرجح توافقوا على سياسة جديدة في الإنتاج ملخصها هو "تغطية الخسائر في الوقت المناسب"، وهو ما يعني عدم التعجل في زيادة الإنتاج عقب القرار الأمريكي بإلغاء التنازلات لثماني دول مشترية للنفط الإيراني وتغطية النقص والاحتياجات بالشكل الملائم والتدريجي.
وأشار نوبل إلى أن أبرز مثال على ذلك تخفيف السعودية تخفيضاتها الخاصة الطوعية إلى السوق الأمريكية التى سبق أن سجلت نحو 500 ألف برميل يوميا حيث لجأت إلى تخفيف هذا النقص لتزويد السوق الأمريكية باحتياجاتها وتأمين عواقب خصم الإمدادات الإيرانية وضمان أن السوق مزودة بشكل جيد وملائم، وهو ما أثنت عليه وزارة الطاقة الأمريكية أخيرا.
بدورها، توضح لـ"الاقتصادية"، نينا أنيجبوجو المحللة الروسية ومختص التحكيم الاقتصادي، أن المنتجين في "أوبك" وخارجها بقيادة السعودية وروسيا قادرون على التغلب على مخاوف التباطؤ الاقتصادي التي يبثها اتساع الخلاف الصيني الأمريكي، مشيرة إلى أن اجتماع حزيران (يونيو) سيراجع أحدث بيانات السوق مع إجراء التعديلات المناسبة على مستويات الإنتاج بما يحفظ السوق متوازنة ويضمن مستوى ملائما للأسعار يصب في مصلحة تعزيز القدرات المالية للدول المنتجة وزيادة الاستثمارات في مشاريع المنبع والمصب.
وتؤكد أنيجبوجو أن الجانب الروسي رغم صعوبات وبطء خفض الإنتاج نسبيا يتمسك بالتعاون مع دول "أوبك" ويسهم في إنجاح الإعلان المشترك بما يحول دون تكرار الدورات الاقتصادية الصعبة مثلما حدث بين عامي 2014 و2016 حيث تجمدت الاستثمارات وأضيرت موازنات الدول المنتجة على نحو واسع.
من جهة أخرى، ارتفعت أسعار النفط أمس وسط شح الأسواق بفعل العقوبات الأمريكية على مصدري الخام إيران وفنزويلا فضلا عن تخفيضات المعروض من جانب المنتجين في الوقت الذي ارتفعت فيه واردات الصين من الخام إلى مستوى قياسي لشهر نيسان (أبريل).
بحسب "رويترز"، زادت العقود الآجلة للخام الأمريكي غرب تكساس الوسيط عند 61.96 دولار للبرميل، مرتفعة 56 سنتا بما يعادل 0.9 في المائة فوق أحدث تسوية لها، وسجلت عقود خام برنت 70.31 دولار للبرميل، بزيادة 43 سنتا أو 0.6 في المائة عن الإغلاق السابق.
في ظل العقوبات الأمريكية على إيران وفنزويلا، يقول المحللون "إن أسواق النفط العالمية ما زالت شحيحة"، ويعتقد أولي هانسن مدير استراتيجية السلع الأولية في بنك ساكسو الدنماركي أن "النظرة المستقبلية الأساسية المتسمة بشح المعروض والداعمة للسعر لم تتغير".
ورفعت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية تقديرات نمو إنتاج النفط للولايات المتحدة خلال العامين الجاري والمقبل، كما زادت توقعات أسعار الخام.
وكشفت الإدارة الأمريكية في تقرير توقعات الطاقة، أنها تتوقع أن يصل إنتاج الولايات المتحدة من النفط خلال العام الجاري إلى 12.45 مليون برميل يوميا، بزيادة 0.5 في المائة عن التقديرات السابقة في أبريل الماضي.
كما تتوقع الإدارة الأمريكية ارتفاع إنتاج النفط في الولايات المتحدة بنحو 2.2 في المائة إلى 13.38 مليون برميل يوميا في العام المقبل.
وفيما يتعلق بتقديرات أسعار النفط، توقعت الإدارة الأمريكية أن يرتفع متوسط سعر خام برنت القياسي إلى 69.64 دولار للبرميل في عام 2019، بزيادة قدرها 6.9 في المائة عن التوقعات السابقة.
كما توقعت الوكالة الأمريكية أن متوسط سعر الخام الأمريكي نايمكس سيبلغ 62.879 دولار للبرميل في العام الجاري بزيادة 6.8 في المائة عن التقديرات السابقة.
ورفعت إدارة معلومات الطاقة تقديراتها بشأن أسعار خامي برنت ونايمكس خلال العام المقبل بنحو 8.1 و8.6 في المائة إلى 67 دولارا للبرميل، و63 دولارا للبرميل على التوالي مقارنة بالتوقعات السابقة.
وأظهرت بيانات معهد النفط الأمريكي أن مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة ارتفعت أكثر من المتوقع الأسبوع الماضي، في حين تراجعت مخزونات البنزين ونواتج التقطير.
وارتفعت مخزونات الخام 2.8 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في الثالث من أيار (مايو) إلى 469.2 مليون برميل، مقارنة بتوقعات المحللين لزيادة قدرها 1.2 مليون برميل.
وقال المعهد "إن مخزونات الخام في مركز التسليم في كاشينج في ولاية أوكلاهوما زادت 618 ألف برميل"، وأشارت بيانات معهد النفط إلى أن معدلات استهلاك المصافي من الخام زادت 75 ألف برميل يوميا.
وتراجعت مخزونات البنزين 2.8 مليون برميل، مقارنة بتوقعات المحللين في استطلاع للرأي أن تنخفض 434 ألف برميل.
فيما أظهرت بيانات المعهد أن مخزونات نواتج التقطير، التي تشمل الديزل وزيت التدفئة، انخفضت بمقدار 834 ألف برميل، مقارنة بتوقعات بنزولها 1.1 مليون برميل، وارتفعت واردات الولايات المتحدة من الخام الأسبوع الماضي بمقدار 120 ألف برميل يوميا إلى 7.7 مليون برميل يوميا.