التقلبات السعرية تهيمن على السوق النفطية .. والحرب التجارية تهدد مستقبل الطلب

التقلبات السعرية تهيمن على السوق النفطية .. والحرب التجارية تهدد مستقبل الطلب

استمرت حالة التقلبات السعرية مهيمنة على السوق النفطية بسبب المخاوف من تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، التي تثير قلقا واسعا في السوق من احتمال انزلاق الاقتصاد العالمي إلى حالة من التباطؤ والانكماش ومن ثم تراجع مستويات الطلب النفطي.
في المقابل، ما زالت الأسعار تتلقى دعما قويا من تخفيضات الإنتاج التي تقودها "أوبك" وخارجها وقادت إلى مكاسب سعرية بنحو 30 في المائة خلال الربع الأول ودعمها تأثير العقوبات الاقتصادية على كل من إيران وفنزويلا وتصاعد المخاطر الجيوسياسية بشكل عام.
واستقرت أسعار النفط أمس، حيث وازن النزاع التجاري المتصاعد بين الولايات المتحدة والصين ضغوط انخفاض غير متوقع في المخزونات الأمريكية.
وبحسب "رويترز"، ألقت التوترات المتصاعدة بين أكبر اقتصادين في العالم بظلالها على توقعات النمو العالمي، الذي يؤثر في توقعات طلب النفط، وتضررت أسواق الأسهم العالمية.
وسجلت العقود الآجلة لخام برنت 70.39 دولار للبرميل بارتفاع سنتين عن آخر تسوية، لكنها ما زالت تتجه صوب ثاني خسارة أسبوعية لها على التوالي، وكانت قد تراجعت إلى 69.57 دولار للبرميل في وقت سابق من الجلسة.
كما سجلت عقود خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 62 دولارا للبرميل بانخفاض 12 سنتا، لتعوض بذلك بعض خسائرها السابقة، وأغلق غرب تكساس الوسيط مرتفعا 1.2 في المائة الأربعاء، بينما صعد برنت 0.7 في المائة.
وقال بيارني شيلدروب كبير محللي أسواق السلع الأولية في بنك "إس.إي.بي" السويدي، إن "النفط يقتفي أثر تحركات الأسهم، لكن العوامل الأساسية تظل قوية بالنسبة للنفط.. المشاكل على صعيد المعروض أكبر من تلك النابعة من مخاوف نمو الطلب".
وأشار "آي.إن.جي" في مذكرة إلى أن "سوق النفط تعرضت لضغط متجدد، مع تلاشي الأمل في اتفاق تجارة صيني أمريكي".
وتلقت أسعار النفط الدعم من مؤشرات على شح الإمدادات العالمية على خلفية تخفيضات الإنتاج، التي تنفذها منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" وحلفاء من بينهم روسيا.
وقال دبلوماسي أمريكي كبير إن الولايات المتحدة لن تمنح أي إعفاءات أخرى تسمح لأي دولة بشراء النفط الإيراني دون مواجهة عقوبات أمريكية.
وأوضح برايان هوك المبعوث الأمريكي الخاص لإيران في إفادة صحافية أن أسواق النفط العالمية استوعبت بالفعل وقف صادرات النفط الإيرانية بالكامل.
وارتفع خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط أكثر من 30 في المائة لكل منهما منذ بداية العام الحالي.
ويكبح انخفاض غير متوقع في مخزونات النفط الأمريكية أيضا تراجعات أسعار الخام، وقالت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إن مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة هبطت على غير المتوقع الأسبوع الماضي رغم انخفاض إنتاج المصافي، مع تراجع الواردات.
وانخفضت مخزونات الخام بمقدار أربعة ملايين برميل في الأسبوع المنتهي في الثالث من أيار (مايو)، مقارنة بتوقعات المحللين، التي كانت تشير إلى زيادة قدرها 1.2 مليون برميل.
وتراجع صافي واردات الولايات المتحدة من الخام الأسبوع الماضي بمقدار 432 ألف برميل يوميا إلى 6.7 مليون برميل يوميا.
وذكرت إدارة معلومات الطاقة أن المخزونات في مركز التسليم في كاشينج في ولاية أوكلاهوما ارتفعت بمقدار 821 ألف برميل.
وتراجع استهلاك مصافي التكرير من الخام بمقدار 41 ألف برميل يوميا، مع انخفاض معدلات التشغيل 0.3 نقطة مئوية.
وهبطت مخزونات البنزين بمقدار 596 ألف برميل، في حين كان المحللون قد توقعوا في استطلاع للرأي هبوطا قدره 434 ألف برميل.
وأظهرت بيانات إدارة معلومات الطاقة أن مخزونات نواتج التقطير، التي تشمل الديزل وزيت التدفئة، تراجعت 159 ألف برميل، بينما كان من المتوقع أن تنخفض 1.1 مليون برميل. وشدد محللون نفطيون على أن أجواء التوتر تغلب على السوق بسبب استمرار عدم حسم النزاعات التجارية بين واشنطن وبكين، بعد تهديدات الرئيس الأمريكي بفرض رسوم جمركية إضافية، لافتين إلى أن حالة من الترقب غلبت على المباحثات الجديدة، وسط مؤشرات قوية على رغبة الصين من جانبها في سرعة التوصل إلى اتفاق جديد ينهي النزاعات التجارية.
وأوضح المحللون أن انخفاض الأسعار يأتي كنتيجة طبيعية لحالة عدم اليقين المحيطة بالسوق العالمية بسبب تعقد المشهد بشأن محادثات التجارة، مشيرين إلى أن وضع السوق قد يتبدل عكسيا مع احتمال حدوث انقطاع خطير في الإمدادات الليبية وتركيز الإدارة الأمريكية على النزول بالصادرات الإيرانية إلى مستوى الصفر.
ولفت المحللون إلى كثير من الملفات الشائكة أمام اجتماع المنتجين الشهر المقبل، وأهمها تحديد سياسات الإنتاج في النصف الثاني من العام والتعامل مع الشكوك المحيطة بالاقتصاد العالمي والحفاظ على وحدة المنظمة وغيرها من العوامل الداعمة لاستقرار السوق وبقائها متوازنة رغم المؤثرات والصعوبات الدولية الواسعة.
وفي هذا الإطار، يقول لـ"الاقتصادية"، ماركوس كروج كبير محللي شركة "إيه كنترول" لأبحاث النفط والغاز، إن السعودية نجحت في تحقيق التوازن بين الحفاظ على اتفاق خفض الإنتاج وإبقاء الصادرات أقل من سبعة ملايين برميل يوميا في الشهر الجاري وفي نفس الوقت تلبية كل طلبات العملاء وبخاصة الطلبات القادمة من الزبائن السابقة للنفط الإيراني، حيث توفر لهم الإمدادات السريعة والآمنة.
وأشار كروج إلى أن السعودية لديها رؤية رصينة في التعامل مع متغيرات السوق، حيث إنها استبعدت خيار الزيادة الفورية للإنتاج أو أي إجراءات أخرى فورية ومتسرعة، مع التعامل بحذر مع تداعيات القرار الأمريكي بإلغاء الاستثناءات لثماني دول كانت زبائن رئيسية لشراء النفط الإيراني.
ويقول لـ"الاقتصادية" مفيد ماندرا نائب رئيس شركة "إل إم إف" النمساوية للطاقة إن التصاعد الخطير في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين أثار قلقا واسعا في أوساط تجار النفط لافتا إلى أن الاقتصاد العالمي قد يتعرض إلى ضربة قوية ما لم يتم احتواء تلك الخلافات التجارية وإبداء كل طرف قدرا من المرونة لتسهيل وتسريع التوصل إلى اتفاق جديد للتجارة. وأضاف ماندرا أن سوق النفط ما زالت تحت وطأة عديد من العوامل المؤثرة منها الحرب التجارية، ولكن السوق بالفعل في حالة انكماش في المعروض وحذر في زيادة الإنتاج وهو ما يؤكد وعي المنتجين الكبير بالتداعيات المحتملة للحرب التجارية على مستوى الطلب، ولذا رهنوا زيادة الإنتاج بتحسن مستوى الطلب للحفاظ على أسعار قوية ومتماسكة.
ومن جانبه، أوضح لـ"الاقتصادية"، سيفين شيميل مدير شركة "في جي إندستري" الألمانية، أن سوق النفط تعافت بالفعل من أسوأ كساد استثماري بين عامي 2014 و2016، ومنذ عام 2017 تتزايد قيمة أصول الطاقة بعد أن كانت قد هبطت إلى مستويات قياسية في الانخفاض خلال سنوات الركود، مشيرا إلى ضرورة تهيئة الأجواء لضمان استمرارية انتعاش الاستثمارات النفطية.
ويعتقد شيميل أن ارتفاع الأسعار أمر إيجابي ومعزز للاستثمار وهو ما جعل المنتجين في "أوبك" وخارجها يعملون على تعزيز الأسعار بالرغم من أن ذلك جاء على حساب الحصص السوقية، التي استفاد منها بشكل أساسي الإنتاج الأمريكي من النفط الصخري، الذي شهد وفرة غير مسبوقة وتسارعا لتعويض المعروض العالمي عن الانخفاضات الحادة في إنتاج عدد من الدول الرئيسية في "أوبك" وخارجها.

الأكثر قراءة