محللون: تقلبات النفط مستمرة في نطاق ضيق .. والعوامل الداعمة للأسعار أقوى تأثيرا
يتوقع محللون نفطيون استمرار تقلبات أسعار النفط خلال الأسبوع الجاري بعد انخفاضها نهاية الأسبوع الماضي، إثر استمرار تصاعد التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، بعد فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترمب رسوما جمركية إضافية على الواردات الصينية.
ورغم تجدد المخاوف على النمو العالمي، ما زالت أسعار النفط تتلقى دعما من تخفيضات الإنتاج في دول "أوبك" وخارجها واتساع خسائر الإنتاجين الإيراني والفنزويلي.
ويعتقد المحللون أن هناك حالة من الضبابية تحيط بمستقبل مفاوضات التجارة في ضوء عدم وجود أي مؤشرات عن انفراجة قريبة خاصة مع اتفاق الجانبين الأمريكي والصيني على الحاجة إلى مزيد من الجولات الجديدة للمفاوضات التجارية، وتأكيد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على عدم إلغاء الرسوم الجديدة إلا بعد حدوث تقدم ملموس في نتائج المفاوضات.
وأوضح المحللون أن وضع السوق إيجابي، على الرغم من التوترات الحالية الناجمة عن النزاعات التجارية والمخاطر الجيوسياسية ولكن يكفي أن نعرف أن شركات الطاقة والخدمات المرتبطة بها ما زالت تحقق مستويات مرتفعة من الأرباح في ضوء مستوى الأسعار الراهن، وبسبب جهودها السابقة في تقليص مستوى تكاليف الإنتاج، حيث استعادت الأسعار نحو 90 في المائة من خسائرها خلال الدورة الاقتصادية في عام 2014.
واعتبر المحللون النفطيون أن اجتماع اللجنة الوزارية لمراقبة اتفاق خفض الإنتاج في جولتها الجديدة في مدينة جدة يوم الأحد المقبل سيكون لقاء مهما لاستعرض التحديات التي تواجه السوق والصعوبات التي تقف أمام منظومة التعاون المشترك بين المنتجين في "أوبك" وخارجها، وآليات الحفاظ على الشراكة، ودفع السوق نحو استعادة التوازن والاستقرار، إلى جانب تقييم نتائج الفترة الماضية من تطبيق اتفاق تقييد المعروض بنحو 1.2 مليون برميل يوميا، الذي طبق اعتبارا من مطلع العام الجاري.
وذكر المحللون أن تسجيل أسعار الخام خسائر للأسبوع الثالث على التوالي هو نتاج حالة مؤقتة ومركبة من تصاعد التوترات، واتساع حالة عدم اليقين في الأسواق، لافتين إلى أن الأسباب الرئيسة وراء ذلك ترجع إلى القرارات الأمريكية المفاجئة، وأهمها فرض رسوم جمركية جديدة وتصاعد التوتر بين واشنطن وطهران، إلى جانب تهاوي إنتاج فنزويلا بسبب تشديد الخناق على النظام السياسي هناك.
وفي هذا الإطار، يقول لـ "الاقتصادية"، روس كيندي العضو المنتدب لمجموعة "كيو إتش آي"، إن أسعار النفط تخوض حالة تقلبات مستمرة، وقد تكون السمة الأساسية لهذا الأسبوع والأسابيع اللاحقة، بعدما بدا أن الوضع ملتبسا فيما يخص مفاوضات التجارة في ضوء إصرار الرئيس الأمريكي على عدم إلغاء الرسوم الجديدة، وتأكيد الجانبين على الحاجة إلى عديد من جولات التفاوض خلال الفترة المقبلة.
وأشار كيندي إلى أن تعثر مفاوضات التجارة كان له انعكاسات سريعة ومباشرة على الأسعار بسبب تجديد المخاوف على النمو الاقتصادي، وبالتالي على مستويات الطلب، وذلك في الوقت الذي يتمسك فيه تحالف المنتجين في "أوبك" وخارجها بخطة خفض المعروض النفطي حتى تظهر اتجاهات الإنتاج في كل من إيران وفنزويلا.
ومن جانبه، يقول لـ "الاقتصادية"، أندرو موريس مدير شركة "بويري" الدولية للاستشارات، إن المفاوضات التجارية بطبيعتها تشهد تعثرات وانفراجات متتالية، ولكن التعثر الحالي يجب ألا يشيع التشاؤم في السوق، وهو ما أكد عليه الجانب الصيني بأن التفاؤل ما زال محيطا بمستقبل المفاوضات التجارية، وبالتالي فإن المخاوف من انعكاسات سريعة النمو مبالغ فيها.
وذكر موريس أن الزيادة الجديدة للرسوم الجمركية من قبل الولايات المتحدة قد تكون محبطة؛ بسبب توقعات سابقة بقرب التوصل إلى اتفاق تجاري. لافتا إلى أن الجانب الصيني سيرد بدوره على هذه الرسوم بحسب تأكيدات مسؤولين صينيين، ولكن مفاوضات التجارة القادمة قادرة على احتواء تصاعد وتيرة الحرب التجارية مرة أخرى.
ومن ناحيته، أوضح لـ "الاقتصادية"، ديفيد لديسما المحلل في شركة "ساوث كورت" الدولية للطاقة، أن تقلبات الأسعار ستستمر على الأرجح في نطاق ضيق، معدا أن العوامل الداعمة لنمو الأسعار هي الأكثر والأقوى تأثيرا، خاصة مع تمسك تحالف المنتجين بخطة خفض الإنتاج، على الرغم من إنهاء الاستثناءات الأمريكية لثماني دول مشترية للنفط الإيراني.
ونوه لديسما إلى أن الأسواق ما زالت مزودة بشكل جيد بحسب بيانات "أوبك" ومتابعات وكالة الطاقة الدولية، ولكن المعروض النفطي يواجه، دون شك، على المدى القصير عديدا من التحديات أبرزها اضطرابات الإنتاج وتفاقم الأزمة الاقتصادية والمخاطر الجيوسياسية في عدد غير قليل من الدول المنتجة أبرزها إيران وفنزويلا وليبيا وأنجولا ونيجيريا وغيرها.
وبدوره، يقول لـ "الاقتصادية"، أندريه يانييف المحلل البلغاري ومختص شؤون الطاقة، إن العقوبات على إيران قد تكون ذات صلة بمفاوضات التجارة بين الصين والولايات المتحدة، حيث يمكن أن تستخدمها الصين كورقة ضغط في المفاوضات.
وأشار يانييف إلى أن الخام الإيراني لا يلعب دورا مؤثرا في أمن الطاقة في الصين، ولكن الالتزام الصيني بوقف صفقات شراء النفط الإيراني كافة، سيدعم الخطة الأمريكية للهبوط بمستوى الصادرات الإيرانية إلى مستوى الصفر، كما يدعم الأجواء المحيطة بمفاوضات التجارة.
وكانت أسعار النفط قد أنهت تعاملات الأسبوع الماضي على انخفاض مع تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، بعد أن زادت واشنطن الرسوم الجمركية على بضائع صينية، وهو ما ألقى بظلاله على نقص في الإمدادات العالمية وتوقعات بارتفاع الطلب من مصافي التكرير الأمريكية.
وبحسب "رويترز"، أنهت عقود خام القياس العالمي مزيج برنت جلسة التداول مرتفعة 23 سنتا، أو 0.4 في المائة لتبلغ عند التسوية 70.62 دولار للبرميل، لكنها أنهت الأسبوع على خسارة قدرها 0.3 في المائة.
وتراجعت عقود خام القياس الأمريكي غرب تكساس الوسيط أربعة سنتات لتغلق عند 61.66 دولار للبرميل، ولتنهي الأسبوع على هبوط قدره 0.5 في المائة.
وبعد أسبوع مضطرب، يشعر المستثمرون بقلق بشأن احتمال استمرار حرب تجارية مريرة بين الولايات المتحدة والصين لفترة أطول على الرغم من مساع في اللحظات الأخيرة لإنقاذ اتفاق.
والتوترات التجارية المتنامية بين أكبر مستهلكين للنفط في العام قد تؤثر في الطلب على الخام، وأظهرت بيانات من وكالة الطاقة الدولية أن الولايات المتحدة والصين شكلتا معا 34 في المائة من الاستهلاك العالمي للنفط في الربع الأول من 2019.
أضافت شركات الطاقة الأمريكية حفارات نفطية للمرة الأولى في ثلاثة أسابيع، لكن إجمالي عدد الحفارات هبط لخامس شهر على التوالي بفعل تخفيضات في الإنفاق.
وقالت شركة بيكر هيوز لخدمات الطاقة، في تقريرها الأخير الذي يحظى بمتابعة وثيقة، إن شركات الحفر أضافت حفارين نفطيين في الأسبوع الماضي ليصل العدد الإجمالي إلى 807 حفارات.
وعدد حفارات النفط النشطة في أمريكا، وهو مؤشر أولي للإنتاج مستقبلا، منخفض عن مستواه قبل عام عندما كان هناك 834 حفارا قيد التشغيل.
وتراجع عدد الحفارات على مدار الأشهر الخمسة الماضية مع قيام شركات الاستكشاف والإنتاج المستقلة بخفض الإنفاق على أعمال الحفر الجديدة مع تركيزها على نمو الأرباح بدلا من زيادة الإنتاج.
ووفقا لتقرير بيكر هيوز، بلغ متوسط عدد حفارات النفط والغاز النشطة في الولايات المتحدة منذ بداية العام 1034 متجها نحو تسجيل أعلى مستوى سنوي منذ 2014 عندما بلغ 1862 حفارا، وتنتج معظم الحفارات النفط والغاز كليهما.
لكن تقديرات من محللين في شركة سيمونز آند كو للأبحاث ومعلومات الاستثمار ومن متخصصين في بنك الاستثمار الأمريكي بيبر جافري، أشارت إلى أن متوسط عدد حفارات النفط والغاز سيهبط من 1032 حفارا في 2018 إلى 1019 في 2019 قبل أن يرتفع إلى 1097 في 2020.