النفط يتراجع بفعل ارتفاع المخزونات وتقلص مخاوف المعروض
تراجعت أسعار النفط أمس بعدما أظهرت بيانات صناعية زيادة في مخزونات الخام الأمريكية، إضافة إلى تعهد السعودية بالحفاظ على توازن الأسواق.
غير أن محللين قالوا "إن أسواق النفط لا تزال في حالة من شح الإمدادات في ظل تخفيضات الإنتاج التي تقودها منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" وتصاعد التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط".
بحسب "رويترز"، تراجعت العقود الآجلة لخام القياس العالمي برنت 39 سنتا أو 0.5 في المائة إلى 71.79 دولار للبرميل.
وانخفضت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي تسليم تموز (يوليو) 59 سنتا أو 0.9 في المائة إلى 62.54 دولار للبرميل، وانقضى أجل عقد حزيران (يونيو) أمس الأول بالتسوية عند 62.99 دولار للبرميل بانخفاض 11 سنتا.
وذكر معهد النفط الأمريكي أن مخزونات الخام الأمريكية ارتفعت بمقدار 2.4 مليون برميل في الأسبوع الماضي إلى 480.2 مليون برميل مقارنة بتوقعات المحللين بانخفاضها 599 ألف برميل.
وخارج الولايات المتحدة، أكدت السعودية أنها ملتزمة بالحفاظ على توازن واستدامة سوق النفط، وإلى جانب العوامل الأساسية للسوق، يراقب تجار النفط التوترات بين الولايات المتحدة وإيران.
وتصاعدت هذه التوترات منذ أن أعاد ترمب فرض عقوبات على صادرات النفط الإيرانية في محاولة لتكبيل اقتصاد إيران وإجبارها على وقف برنامجها النووي. ورغم التراجعات المؤقتة في مستوى الأسعار، ما زالت العوامل الداعمة للمكاسب السعرية هي المهيمنة على السوق في ضوء استمرار التوترات الجيوسياسية الحادة في منطقة الشرق الأوسط، علاوة على تأثير العقوبات على ايران وفنزويلا التى تنبئ بمزيد من الشح في الإمدادات في الفترة المقبلة.
ويرى محللون نفطيون أن اجتماع جدة أسهم بشكل كبير في تهدئة المخاوف على المعروض مع إعلان دول "أوبك" الجاهزية لسد أي نقص ناجم عن العقوبات أو الانقطاعات المفاجئة، ما أدى إلى هدوء وتيرة الأسعار وساعد على ذلك استمرار ارتفاع مستوى المخزونات الأمريكية واستمرار عدم اليقين بشأن مصير مفاوضات التجارة بين الصين والولايات المتحدة.
وأوضح المحللون أن هدوء وتيرة الأسعار يجيء عقب فترة من الارتفاعات القياسية المتلاحقة بسبب اشتعال الأوضاع الجيو سياسية في الشرق الأوسط، لافتين إلى أن هذا الوضع المتأزم دفع ببنوك ومؤسسات مالية إلى أن تراهن على صعود أسعار برنت إلى مستوى 90 دولارا للبرميل في الأمد القصير.
في هذا الإطار، أوضح لـ"الاقتصادية"، سيفين شيميل مدير شركة "في جي إندستري" الألمانية، أن السوق ستظل في وضع متأرجح ولن تستمر على وتيرة واحدة ارتفاعا أو انخفاضا، مشيرا إلى أنه إذا كانت المواجهات في الشرق الأوسط والعقوبات على إيران وفنزويلا تدفع إلى تسجيل ارتفاعات قياسية إلا أن هناك عديدا من العوامل المقاومة للارتفاع.
وأضاف شيميل أن "هذه العوامل تشمل الإنتاج المطرد للنفط الصخري الزيتي في الولايات المتحدة الذي يحافظ على وتيرة مرتفعة من الإمدادات، إضافة إلى احتمالية تعثر الطلب العالمي على النفط، جراء حالة المخاوف وعدم اليقين التي تحيط بمستقبل النمو الاقتصادي العالمي".
من جانبه، يقول لـ"الاقتصادية"، دان بوسكا كبير المحللين في بنك "يوني كريديت" البريطاني، "إن فرص نمو الأسعار تتزايد مع بدء فصل الصيف الذي يزداد فيه الطلب على الوقود أو ما يعرف بموسم القيادة في الولايات المتحدة"، مشيرا إلى أن إنهاء الاستثناءات التي كانت ممنوحة لثماني دول من مشتري الخام الإيراني أسهم على نحو ما في تشديد المعروض إلى جانب تحديات أخرى تواجه الإنتاج في فنزويلا وليبيا ونيجيريا وأنجولا.
وأضاف بوسكا أن "اجتماع الشهر المقبل في فيينا، الذي يضم كل المنتجين في إعلان التعاون سواء في "أوبك" أو خارجها يجب أن يرسم خريطة إنتاجية جديدة تبقي السوق متوازنة وتحول دون شطط الأسعار، وقد يكون ذلك من خلال تخفيف قيود الإنتاج أو إلغاء التخفيضات الزائدة أو أي آليات أخرى يتوافق عليها المنتجون لدعم السوق وبالتحديد لمواجهة تصاعد الطلب في فصل الصيف". من ناحيته، يقول لـ"الاقتصادية"، مفيد ماندرا نائب رئيس شركة "إل إم إف" النمساوية للطاقة، "إن بنك "جي بي مورجان" ومعه عديد من المؤسسات المالية الدولية يؤكدون أن تأثير المخاطر الجيوسياسية في أسعار النفط ستكون قاصرة على المدى القصير، وتأثيراتها ستنحسر تدريجيا، ويبقى التأثير الأهم للعوامل الأساسية للسوق، وهي علاقة العرض والطلب، وحتى الآن لا توجد مؤشرات على إمكانية حدوث فجوة بينهما". وأضاف، أن "البنك يتوقع مستوى 71 دولارا للبرميل كمتوسط لأسعار النفط خلال العام الجاري، وهو سعر جيد ومناسب للمنتجين ولا يضر بالطلب"، مشيرا إلى أن مخاطر العرض تتقلص في ضوء تعهدات "أوبك" بتعويض أي تراجع في المعروض جراء العوامل الجيوسياسية أو العقوبات أو الانقطاعات. بدوره، أوضح لـ"الاقتصادية"، ماركوس كروج كبير المحللين في شركة "إيه كنترول" لأبحاث النفط والغاز، أن الاعتداءات على المنشآت النفطية في السعودية سواء من مضخات أو خطوط أنابيب أمر مدان بكل الأشكال لأنه يقوض استقرار السوق ويرفع المخاوف والتوترات ويشعل الأسعار، ومن حسن الحظ أن تتوافر القدرات السعودية القوية لامتصاص تأثير تلك الأزمات والحفاظ على مستوى إمدادات مستقرة".
وأضاف كروج أنه "إذا نجحت الولايات المتحدة والصين في تسوية الصراعات التجارية بينهما فإن ذلك سيعني تحولا إيجابيا ومبشرا في أداء الاقتصاد العالمي ومن ثم مستويات الطلب على الطاقة، ويبقى غياب الاستقرار في الشرق الأوسط العقبة الرئيسة التي تؤرق منظومة الطاقة في العالم، وقد تدفع إلى اشتعال الأسعار"، مشددا على ضرورة دراسة المنتجين في اجتماعهم المقبل كل الاحتمالات وتجهيز السيناريوهات الملائمة للتعامل مع تطورات السوق واستيعاب تداعيات العوامل السلبية.