تباين أسعار النفط .. تخفيضات «أوبك» تدعم السوق وحرب التجارة تضغط
سيطرت حالة من التقلب على أسعار النفط الخام، حيث تتلقى دعما قويا من خفض الإنتاج الذي تقوده "أوبك" بالتعاون مع روسيا وبقية المنتجين من خارج المنظمة إلى جانب تأثير العقوبات الاقتصادية على كل من إيران وفنزويلا، بينما يكبح تحقيق مزيد من المكاسب السعرية المخاوف من التباطؤ الاقتصادي جراء الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
وأوضـــح لـ"الاقتصاديـــــة"، مختصون ومحللون نفطيون، أن الصناعة قادرة على تجاوز فترة التوترات الحالية الناجمة عن انسداد الأفق بشأن مفاوضات التجارة والمخاوف المصاحبة على النمو الاقتصادي ومستويات الطلب على النفط الخام.
وأشاروا إلى أن تحالف المنتجين في "أوبك" وخارجها قادر خلال المراجعة المرتقبة الشهر المقبل على إقرار الآليات اللازمة للتغلب على حالة عدم اليقين في السوق ودعم التوازن وردم أي فجوة بين العرض والطلب.
واعتبر المحللون أن قضايا تغير المناخ وخفض الانبعاثات الكربونية تفرض نفسها بقوة على الصناعة في المرحلة الراهنة خاصة مع صدور تحذيرات من وكالة الطاقة الدولية بشأن ارتفاع قياسي لنسبة انبعاثات الكربون، مشيرين إلى التزام المنتجين في "أوبك" وخارجها وشركات الطاقة برفع الكفاءة وتنفيذ كل متطلبات اتفاق باريس لمكافحة تغير المناخ رغم التجاهل الأمريكي لهذا الأمر بسبب الرغبة في زيادة الاستثمار وتوفير الوظائف.
وقال سيفين شيميل مدير شركة "في جي اندستري" الألمانية، أن أسعار النفط الخام عادت إلى تسجيل المكاسب بسبب توترات الشرق الأوسط بشكل أساسي إلى جانب العقوبات الأمريكية وتخفيض الإنتاج ولكن بنوكا دولية مثل مورجان ستانلي تحذر من حدوث ضغوط انكماشية على الأسعار في الأمد القصير إذا استمر تصعيد المواجهات التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
وأكد أن استمرار الزيادات المتلاحقة في إنتاج النفط الصخري الأمريكي لا يدع أي فرصة لـ"أوبك" وحلفائها في التفكير في العدول عن خفض الإنتاج وذلك بهدف أن يبقى السوق متوازنا وحتى يمكن تفادي تخمة المعروض واستمرار الارتفاع الحالي في مستوى المخزونات النفطية وهو من أبرز العوامل التى تحد من استمرار وتيرة الأسعار الصاعدة.
من جانبه، أوضح دان بوسكا كبير المحللين في بنك "يوني كريديت" البريطاني، أن أغلب شركات الطاقة في العالم تبنت استراتيجيات إنتاجية تقوم على التركيز المستمر على خفض التكلفة الإنتاجية حتى وإن صعدت وتيرة الأسعار إلى مستويات ربحية مريحة وأيضا إعطاء أولوية رئيسة لكفاءة رأس المال المستثمر.
وأشار إلى أن هذه الاستراتيجيات أصبحت منظومة عمل ثابتة ودروسا تم الاستفادة منها من الدورات الاقتصادية الصعبة مثل التي حدثت في النصف الثاني من عام 2014 وتكررت في الربع الرابع من العام الماضي 2018، لافتا إلى أن هذه الاستراتيجيات تؤدي إلى تقليل مستويات الطلب وتحقيق ضغوط انكماشية على الأسعار بشكل نسبي.
من ناحيته، قال مفيد ماندرا نائب رئيس شركة "إل إم إف" النمساوية للطاقة، إن تحذير وكالة الطاقة الدولية من ارتفاع نسبة ثاني أكسيد الكربون والانبعاثات الضارة إلى مستويات قياسية سيمثل مزيدا من الضغوط على شركات الطاقة لمراعاة عوامل الكفاءة وخفض الانبعاثات وقد يحد من الاندفاع نحو استثمارات جديدة لا تراعي الشروط البيئية، مشيرا إلى أن "أوبك" دوما ما تؤكد التزامها باتفاق باريس لمكافحة تغير المناخ وتدعم خطط تنوع موارد الطاقة في الدول الأعضاء في المنظمة.
وأوضح أنه بحسب تقرير لمؤسسة "ريستاد إنرجي" هناك تسارع في الإنفاق على موارد الطاقة المتجددة في آسيا باستثناء الصين، كما أن الإنفاق على التنقيب في النفط والغاز قد يعادل الإنفاق على الموارد الجديدة في العام المقبل في آسيا ولكن هذا لا يعني انتهاء دور النفط والغاز، بل يعني تكامل أدوار موارد الطاقة والجهود الحثيثة التي تبذل في دول الطلب الرئيسة في العالم لكونها الأسرع في النمو من أجل تنويع الموارد وخفض الانبعاثات وإنجاح خطط التحول والتنوع الاقتصادي.
بدورها، قالت ويني أكيلو المحللة الأمريكية في شركة "آفريكان إنجنيرينج" الدولية، إن الاستثمارات في مجال النفط الصخري ما زالت على وتيرة مرتفعة ونجحت في التغلب على الاختناقات التشغيلية والاستمرار في أنشطة الحفر وضخ رؤوس أموال جديدة ولكن مع الوقت ومع استنزاف الحقول المميزة لا شك أن الإنتاج الأمريكي سيسجل حالة من التباطؤ التدريجي.
ولفتت إلى أن الطلب بحسب رؤية قطاع كبير من المحللين ما زال قويا وسيستمر على هذه الوتيرة الجيدة حتى عام 2030 على الأقل، كما سيتطلب الأمر مزيدا من المعروض لمواكبة هذا النمو في الطلب وهو ما يفرض الحاجة إلى مزيد من الاستثمارات الجديدة في القطاع النفطي، مشيرة إلى أن المخاوف الحالية على الطلب قد تكون مبالغ فيها بسبب التوتر المحيط بمفاوضات التجارة بين الصين والولايات المتحدة.
وفيما يخص الأسعار، تباينت أسعار النفط أمس، إذ يلقى الخام دعما من خفض الإمدادات بقيادة "أوبك" والعقوبات الأمريكية على إيران وفنزويلا، بينما تضغط مخاوف التباطؤ الاقتصادي على السوق.
وبحسب "رويترز"، فإنه بحلول الساعة 06:37 بتوقيت جرينتش، سجلت العقود الآجلة لخام القياس العالمي برنت 69.99 دولار للبرميل، منخفضة 12 سنتا بما يعادل 0.2 في المائة مقارنة بالإغلاق السابق عندما ارتفع برنت 2.1 في المائة.
وارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 40 سنتا أو 0.7 في المائة إلى 59.03 دولار للبرميل مقارنة بإغلاق يوم الجمعة الماضي. ولم تُتداول العقود أمس الأول بسبب عطلة عامة في الولايات المتحدة.
ولاقت الأسعار دعما من خفض الإمدادات بقيادة منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" منذ بداية العام والتوترات السياسية في الشرق الأوسط.
ومن المقرر أن تجتمع "أوبك" مع حلفاء من بينهم روسيا يومي 25 و26 حزيران (يونيو) المقبل لمناقشة سياسة الإنتاج.
وبعيدا عن تخفيضات "أوبك"، فإن العقوبات الأمريكية على فنزويلا وإيران المصدرتين للنفط أدت إلى شح في السوق.
ورغم ذلك فإن السوق تظل حذرة وسط تباطؤ اقتصادي نتيجة الحرب التجارية المستمرة بين الولايات المتحدة والصين التي من المتوقــــع أيضا أن تؤثــــر في استهلاك الوقود.
وقال مات ستانلي "نحتاج حقا إلى أن نرى أرقام طلب قوية، وهو ما لم يحدث هذا العام إلى الآن، قبل أن نبدأ في الإصغاء فعليا لتوقعات الصعود".
من جانب آخر، ارتفعت سلة خام "أوبك" وسجل سعرها 67.42 دولار للبرميل أمس الأول مقابل 67.40 دولار للبرميل في اليوم السابق.
وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" أمس، إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 14 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق أول ارتفاع عقب عدة انخفاضات سابقة، كما أن السلة خسرت نحو خمسة دولارات مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي الذي سجلت فيه 72.47 دولار للبرميل.