حريق في مصفاة أمريكية يقفز بأسعار النفط إلى أعلى مستوى منذ شهر
حققت أسعار النفط ارتفاعات قياسية هي الأعلى في شهر، نتيجة تضافر عدة عوامل مهمة في مقدمتها تراجع المخزونات النفطية الأمريكية على نحو يفوق التوقعات المسبقة، وقد كانت العنصر الأبرز في كبح المكاسب السعرية في الأسابيع الماضية.
وتلقت الأسعار دعما آخر من توقف مصفاة نفط رئيسة في الساحل الشرقي للولايات المتحدة، إلى جانب توترات الشرق الأوسط واستمرار تمسك المنتجين في "أوبك" وخارجها بخطط خفض المعروض النفطي.
وبحسب "رويترز"، ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت لشهر أقرب استحقاق 1.03 دولار للبرميل إلى 66.08 دولار للبرميل.
ولامست عقود برنت في وقت سابق من الجلسة أعلى مستوياتها منذ 31 أيار (مايو) عند 66.25 دولار للبرميل.
وسجلت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 58.96 دولار للبرميل بارتفاع 1.13 دولار عن التسوية السابقة، وارتفع الخام إلى أعلى مستوياته منذ 30 أيار (مايو) عند 59.13 دولار للبرميل في وقت سابق.
وقال مصدران مطلعان، إنه من المتوقع أن تسعى شركة فيلادلفيا إنرجي سولوشنز لإغلاق مصفاتها النفطية في المدينة لأجل غير مسمى بعد حريق ضخم تسبب في دمار هائل في المجمع.
وكانت الشركة قد أعلنت حالة القوة القاهرة في إمدادات البنزين بعد الحريق، ما دفع العقود الأمريكية الآجلة للبنزين إلى الصعود لأعلى مستوى منذ نهاية أيار (مايو).
وكشفت بيانات معهد البترول الأمريكي، أن مخزونات الخام الأمريكية انخفضت 7.5 مليون برميل في الأسبوع المنتهي يوم 21 حزيران (يونيو) إلى 474.5 مليون برميل، مقارنة بتوقعات محللين بانخفاضها 2.5 مليون برميل.
ويأتي تراجع المخزونات وتوقف مصفاة رئيسة عن العمل في وقت يعزز فيه خلاف بين واشنطن وطهران مخاوف بشأن احتمال اضطراب الشحنات المارة عبر مضيق هرمز، أكثر ممرات توريد النفط العالمي ازدحاما.
في المقابل، يقاوم الارتفاعات السعرية مخاوف من تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي في ضوء استمرار عدم اليقين بشأن مستقبل الحرب التجارية وتخفيض توقعات مؤسسات مالية دولية لنمو الطلب على النفط الخام خلال العام المقبل.
ويعتقد محللون نفطيون، أن اجتماع مجموعة العشرين في اليابان يومي الجمعة والسبت المقبلين سيمثل خطوة مهمة داعمة لاستقرار الأسواق والاقتصاد العالمي بشكل عام، خاصة إذا تمخض عن تقارب أمريكي- صيني لنزع فتيل الحرب التجارية، وفى ضوء توصيات أخرى ستصدرها المجموعة لدعم قضية أمن الطاقة.
وأشار المحللون إلى أن مباحثات المنتجين في "أوبك" وخارجها يومي الإثنين والثلاثاء القادمين ستقوم بمراجعة وضع السوق النفطية في ضوء معطيات العرض والطلب، وتقييم حجم المخاطر الجيوسياسية وسط توقعات بتمسك المنتجين بخطة خفض الإنتاج، مع عدم استبعاد تعميق التخفيضات لمواجهة زيادات واسعة من خارج "أوبك" مع ضم دول جديدة لإعلان التعاون.
وفى هذا الإطار، يقول لـ"الاقتصادية"، روبرت شتيهرير مدير معهد فيينا الدولي للدراسات الاقتصادية، إن انخفاض المخزونات الأمريكية مؤشر جيد على نجاح خطة تحالف المنتجين في "أوبك +" في تحفيز المخزونات على العودة إلى المستويات الطبيعية والتخلص من الفائض، الذي تسبب في الضغط على الأسعار وجعل المنتجين متوجسين من الإقدام على فكرة زيادة الإمدادات النفطية.
وأوضح شتيهرير أن السوق ما زالت في حالة قلق، بسبب تصاعد التوترات في الشرق الأوسط واحتدام الصراع الأمريكي- الإيراني، في ضوء الاستعداد لفرض عقوبات جديدة أكثر قسوة على إيران لإجبارها على الانصياع إلى المجتمع الدولي والحد من أنشطة التسلح النووي، ويجيء ذلك بالتزامن مع تعطل مصفاة نفط رئيسة في الولايات المتحدة، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار إلى مستويات هي الأعلى في شهر.
ومن جانبها، تؤكد لـ"الاقتصادية"، الدكتورة ناجندا كومندانتوفا كبيرة المحللين في المعهد الدولي لتطبيقات الطاقة، على الأهمية الكبيرة لقمة مجموعة العشرين في أوساكا غدا الجمعة، خاصة مع إعلان رئيس الوزراء شينزو آبي، أن هذه الاجتماعات ستركز على قضية أمن الطاقة وسبل حماية استقرار الإمدادات النفطية في ضوء التصاعد الحاد للتوترات في منطقة الشرق الأوسط.
ونوهت كومندانتوفا إلى أهمية البيان الصادر عن السعودية والإمارات والولايات المتحدة وبريطانيا، الذي يحث إيران على وقف أي أعمال تهدد الاستقرار الإقليمي وتطالب بحلول دبلوماسية لعلاج التوترات الحادة والمتصاعدة في المنطقة، مشيرة إلى أن البيان يعكس استشعارا بارتفاع المخاطر الجيوسياسية في المنطقة ويبين رغبة قوية في استعادة الاستقرار والهدوء في الشرق الأوسط وبالتالي حماية منظومة الطاقة العالمية من أخطار جسيمة.
ومن ناحيته، يقول لـ"الاقتصادية"، روبين نوبل مدير شركة "أوكسيرا" للاستشارات، إن الولايات المتحدة تعهدت بحماية الممرات المائية في الشرق الأوسط، لأنها تعد بالفعل الشرايين الرئيسة لتجارة النفط العالمية، وذلك بعد تكرار الاعتداءات على ناقلات النفط، بشكل أثار مخاوف الكثيرين على الاقتصاد العالمي وعلى تأمين إمدادات النفط.
ويعتقد نوبل أن تجارة النفط تلقت حوادث مقلقة متوالية، ما يستدعي وقفة دولية حازمة ومنها الهجوم على ناقلتين نفطيتين في 13 من الشهر الجاري خارج مضيق هرمز، حيث وجهت السعودية والولايات المتحدة وبريطانيا أصابع الاتهام إلى إيران، كما وقع هجوم مماثل قبالة ميناء الفجيرة شرق الإمارات قبل شهر.
وبدوره، أوضح لـ"الاقتصادية"، ماركوس كروج كبير محللي شركة "أيه كنترول" لأبحاث النفط والغاز، أن الهند، وهي من أكبر دول الطلب وأسرعها في النمو، ظلت المشتري الأول للنفط الإيراني لسنوات، ولكنها استجابت حاليا لرفع الاستثناءات التي منحتها الإدارة الأمريكية لمشتري النفط الإيراني في الشهر الماضي، وتمكنت بالفعل من استبدال نحو 70 في المائة من وارداتها النفطية بالاعتماد على النفطين السعودي والأمريكي.
وأشار كروج إلى قناعة الهند بالقدرات الاحتياطية الهائلة للنفط السعودي وقدرته على تعويض التراجعات التي حدثت في الإنتاج الإيراني، لافتا إلى أن الواردات النفطية الهندية من إيران وصلت بالفعل إلى مستوى الصفر وتحولت إلى زيادة الاعتماد على إنتاج السعودية والولايات المتحدة، اللذين سيوفران مزيدا من الإمدادات النفطية إلى السوق الهندية خلال النصف الثاني من العام الجاري، بحسب تأكيدات مسؤولين رسميين في القطاع النفطي الهندي.